مثلما عصف بروحانية شهر رمضان ونفحاته الإيمانية المعتادة في أرجاء البلاد الإسلامية، يتّجه فيروس كورونا المستجد، إلى تعكير صفو أجواء عيد الفطر بدايةً من صلاة العيد، ومروراً بالزيارات المتبادلة والرحلات الترفيهية، وليس انتهاءً بلهو وتجمّع الأطفال في الشوارع والحدائق العامة.
فمن الواضح أنّ عادات العيد في جوهرها العام تتصادم كُلياً مع توصيات البقاء في المنازل وإجراءات التباعد الاجتماعي/الجسدي الوقائية، وتعليمات منظمة الصحة العالمية لمحاصرة الجائحة العالمية التي ظهرت أواخر العام 2019 م.
اختلاط وتجمّعات وتنقّلات من المدن إلى الأرياف، شعائر دينية جماعية، مصافحات يدوية ومجالس عامة نسائية ورجالية، مظاهر اعتيادية سنوية، لكنّها هذا العام ستُمثّل بيئة خصبة لإسالة لعاب فيروس كورونا، وفتح شهيته للانتقال من المدن إلى القرى، مالم تُتخذ تدابير وقائية للحيلولة دون اتساع رقعة انتشاره خلال أيام العيد.
فما هي البدائل الممكنة لتفادي كارثة تفشي الفيروس خلال أيام عيد الفطر في اليمن؟ وهل يمكن الجمع بين استراتيجية البقاء في المنازل، والقيام بمعايدات العيد ولو بشكل غير مباشر؟ أسئلة عديدة نبحث لها عن إجابات في سياق استعراض المقترحات والتجارب التالية:
1- الاتصالات الهاتفية:
حتّى لا يكون عناق العيد بمثابة تحية وداع، يمكن الاكتفاء بالاتصالات الهاتفية بين الأقارب والأصدقاء والجيران على مستوى الحي السكني الواحد/ القرية/ المديرية/ المحافظة، بديلاً آمناً لتبادل التهاني بمناسبة عيد الفطر.
إنّ توفُّر التغطية الشاملة لعدد 4 شركات هاتف نقّال (يمن موبايل- سبأفون – إم تي إن- واي) في عموم محافظات اليمن بما فيها مناطق الأرياف، يمكن أن يفي بغرض المعايدات بين الأقارب، ولو بشكل غير مباشر، في ظل إجراءات العزل المنزلي الطوعي/الإجباري.
ويمكن في هذا السياق الاستفادة من خدمات وعروض شركات الاتصالات في مناسبات الأعياد، وتقول مريم عبدالباري -طالبة ثانوية عامة- إنّها ستكتفى في هذا العيد بإرسال رسالة جماعية sms من جوالها (يمن موبايل) للعشرات من صديقاتها ومعلّماتها في المدرسة تهنئهن بالعيد، مستفيدة بذلك من خدمة (باقة مزايا) الشهرية التي توفر 300 دقيقة اتصال، 200 ميجا إنترنت، 200 رسالة، بقيمة 1000ريال فقط (أقل من 2 $).
2- مجموعات التواصل الاجتماعي
ولأنّ أجواء العيد وبهجته تتجلّى بوضوح في فرح الأطفال وألعابهم وارتداء الملابس الجديدة، وتجهيز أطباق الحلويات المتنوعة، يمكن إنشاء مجموعات تواصل أسرية على تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي (واتس آب – فيس بوك – تلغرام)، لتوثيق اللحظات العيدية في إطار الأسرة الواحدة ومشاركتها فيما بعد مع أقارب الأسرة في أحياء سكنية متباعدة.
ويعتقد الشاب، فهمي عبدالله (سنة أولى جامعة صنعاء) أن مجموعات الأقارب/ الاصدقاء/ زملاء الدراسة/ زملاء العمل، في تطبيقات التواصل الاجتماعي يمكن أن تكسر حظر التنقل الوقائي، وتمكّن الشباب من تبادل تهاني العيد، لكنّها -حسب فهمي- ليست بذات الحميمة المعتادة في المصافحات اليدوية واللقاءات المباشرة، خاصة وأن بعض الشباب يهاجرون من مناطق ريفية إلى المدن للدراسة أو العمل، ويجدون في مناسبة وإجازة العيد فرصة سنوية لزيارة الأهل في المناطق الريفية.
3- حوالات عيدية الكترونية
من أهم تقاليد العيد في اليمن تقديم مبالغ مالية رمزية تسمى شعبياً (عسْب العيد- أو العيدية) للنساء والأطفال أثناء تبادل الأهل والأقارب للزيارات فيما بينهم خلال أيام العيد (3-10 أيام)، وقد لا تفي أي تطبيقات تقنية بتحقيق الهدف الإنساني والمعنى الحميمي لهذا الطقس العيدي التعبدي فيما له علاقة بصلة الأرحام وزيارة الأقارب من النساء تحديداً.
لكنّه زمن كورونا الذي عبر القارات، ووضع العالم برمّته على كفّ عطسة، وخرق العادات والتقاليد والحواجز الحدودية، فإنه يمكن تقديم العيدية عبر تطبيقات إلكترونية سهلة الاستخدام لعدد من شركات الاتصالات والصرافة والبنوك في اليمن، مثل خدمة النقد الالكتروني Mobile Money المقدمة من (كاك بنك)، وخدمة (إم فلوس) من بنك الكريمي، ويمكن عبرهما تحويل الأموال من هاتف محمول عادي/ذكي إلى آخر، في أي وقت، ومن وإلى أي مكان.
ولمن لا تتوفر لديهم هذه الخدمات لأي سبب يقول الشاب، عبدالله مرغم -سائق دراجة نارية بصنعاء- إنّه ينوي شحن رصيد اتصال إلى هاتف شقيقته بقيمة المبلغ الذي اعتاد أن يقدّمه لها يدوياً أثناء زيارتها إلى منزل زوجها في كل عيد “في ظل الحجر المنزلي بسبب كورونا سيكون من المفرح والمفيد لها تعبئة جوّالها رصيد اتصال بقيمة العيدية المخصصة لها”، مشيراً إلى إمكانية تأجيل الزيارات المباشرة إلى ما بعد كورونا، لأنّ مثل هذه الزيارات في ظل انتشار الوباء قد يحدث انفجار في انتشار الوباء ، “وبدلاً من أن تجلب لأقاربك البهجة تجلب لهم الموت والأسى”.