بين الفن والسلاح خيط رفيع غير متصل، أحدهما يولد من رحم المعاناة ليطلق عنان الحياة، ويعيد للزمن عافيته، والآخر يطلق الموت بسلاحه ويبجل الاندثار ليعيد للأرض حريتها أو يكبلها، شتان بين صوت الفن والبندقية، بين صورة الدمار والجمال، أبعاد لا تتقابل، و معانٍ متعاكسة، هذه تخلق التواصل وتلك تنفيه، خاتمتهما حرية أو قيود، كلاهما يدافع عن معتقداته التي تصب في حب الوطن مع الاختلاف التعبيري عن حال اليمن المبتور.
باختلاف الأسلحة بين ريشة وبندقية كلاهما يطلقان في القلب موتاً وألماً وحياة، دفاعاً وانتهاكاً، ألواناً نارية ولهيب حرب على لوحة فنان أو في جبهة قتال.
أولئك من يصنعون الحرية رافضين الانتهاك محبين السلام، من يحملون راية الوطن، من يقدسون الأرض لا الأشخاص، الذين يحلمون ويسعون لرؤية الوطن بلا دماء بلا كراهية أو ظلم، الذين يطلقون الحياة في الموت، ويزرعون الحرية بالدماء، وحدهم من يتجرعون ظلمات الحرب، يهلكون مع كل طلقة منتهكة، يندثرون مع كل منزل يتحطم. وبين كل لغم والآخر تسجد أروحهم وتعلو بنادقهم وفنونهم لتصرخ باكية حامية لوطن يندثر، بصوت يقاوم مرارة الحرب متحدياً صوت الظلم، قائلين “الحياة أقوى من الموت، وقتل البعض أحياء للجميع”، متشبثين بأناملهم، رافضين رائحة الانتهاك عازفين معزوفة الانتماء الوطني، ناضجين على نار الحرب الملتهبة في وطن يحترق.
وفي زمن الحرب تباينت تناقضات البندقية والفن، لتثبت أن ليس كل حامل للبندقية محارب ولا كل قابض على ريشة أو قلم فنان أو كاتب، فكم من بندقية أزهقت روحاً بلا ذنب، وكم من فن أثار الحرب وصنع الاقتتال، هنالك فرق بين حامي وطن ومنتهك، بين راسل رسالة سلام ومشجع للحرب، بين قاتل ومدافع. قيم الإنسانية والأخلاق المحاربة هما صناع الفرق، والمبدأ هو الفارق الأعظم بين إجلال الوطن أو تبجيل نفس.
كم من فنون يمنية انسجمت ألوانها بألوان السلام مطالبة به، وسط ضجيج نيران الاقتتال كانت تبرز جماليات السلام وتواجه العنف والدماء والموت بالإنسانية المفعمة بالحياة، ليعيش المواطن حلم السلام بفن يحطم قيود الحرب.
فضاء فن احتجاجي يثور على حال الوطن وواقع الأمة، خاطب فيه العقول ليغير مالم يمكنه تغييره في الواقع، وكأنه يضع حجر الأساس لوطن بلا حرب أو بلا سلام.
الجندي المجهول في الحروب، قصة السلام وثورة اقتتال، ليست البندقية وحدها من تصنع الحروب ولا رصاصة وحدها هي القاتلة، فهناك تناغم خفي بينهما، وتلامس في الأرواح، وإن لم يكن؟ لِمَ تنتج الفنون المشعلة للاقتتال في زمن الحروب؟.
لِمَ تُغَنى الأنغام بصوت الموت؟ وتنشد السيمفونيات أوتارها الحربية الحماسية؟ وتنقش الأحرف كلمات الثأر؟ وتلون اللوحات بألوان الدماء؟.
ليس عبثاً ولا مرحاً بل لأن للفن تأثير وثيق بالصراعات، ينتج غموضاً انفعالياً ويشحن النفوس بشرورها، لا يجهله تجار الحروب، ومحبي الصرعات.
لا يختلف حال الريشة والآلات والأصوات عن حال البندقية في الخصام والاقتتال والمشاحنة والنزال، كلها قد تطعم الحرب وقوداً وتحتجز السلام.
الفن بذرة قد تشكل ثمارها الإنسانية في القلوب، مساراً للتعايش والسلام، هو اللغة الشرعية الشاعرية في كل الأزمان، القوة العظمى الحاملة للثقافة المضادة للحرب والنزاعات.
تحياتي وتقديري لقلمك الذي يحكي وجع وطن ومأساه ابنائه