منذ بدء الحرب الدائرة في اليمن قبل ستة أعوام، برزت للسطح ثقافة العنف والحرب لتحل مكان الثقافة التي تنشد التسامح والحب، وهو ما يعد أمراً دخيلاً نوعاً ما على المجتمع اليمني.
وعزز من هذا البعد المرتكز على إظهار الحرب عوامل متداخلة منها التركيبة القبلية، والنزوع إلى حمل السلاح الذي يشعر معه طيف كبير من عامة سكان المناطق القبلية بأنه مكمل لشخصية الرجل.
وهذه العوامل ساعدت على تواري الأدب السائد الذي كان جوهره يعبق بالحب والتسامح.
ولإظهار أهمية السلام وحاجة اليمن إليه تسرد الروائية الشابة آلاء جمال الدين في روايتها “منتهاي” تفاصيل وأحداث حقيقية حدثت للكثير من الناس بسبب الحرب، وإن أضيف لها مزيج من الخيال والتراجيديا، إلا أنها لا تخلو من الأمل ووضع حد لهذا الحرب.
تتحدث الرواية عن أربع عائلات في عمارة واحدة جمعتهم الجيرة منذ سنوات طويلة. يوجد شابان وفتاتان مخطوبان. تمزج الروائية حكاية هؤلاء الأشخاص ببعض الأحداث الحقيقية التي حدثت منذ بداية الحرب وقبلها، ثم تبدأ بسرد قصة بطلة الرواية منتهى وخطيبها خالد، وبنان ويوسف، عن تفاصيل يومهم منذ الصباح حتى الذهاب إلى الجامعة ثم العودة إلى المنزل، تأتي الحرب فجأة وتقلب حياة الجميع إلى جحيم، وتبدأ الحياة تتغير وتدخل أحداث جديدة في الرواية وقصص إنسانية كثيرة لأناس تعرضوا للقتل والدمار، وآخرون للنزوح كأنها تتحدث عما يحدث لليمن بشكل عام. ثم يبحث الشباب رغم خسائرهم عن مخرج لإنهاء الحرب، ومساعدة الضحايا لكنهم لا يستطيعون لأنهم كانوا يواجهون طوفاناً كبيراً فيما تنتهي أحداث الرواية ولم تنتهي الحرب بعد.
تقول آلاء جمال الدين إن فكرة الرواية الأساسية كانت إظهار ما يعانيه الناس بسبب الحرب، وضرورة إيقافها بسرعة وأنها أرادت أن تعبر عن المأساة الحاصلة بطريقتها لإيقاف الحرب وإعادة السلام، وتؤكد أنها ملتزمة بنشر ثقافة السلام معتبرة أن هذه قيمة أساسية تحاول جاهدة أن تعيشها وتجعل القارئ يعيش تفاصيلها بقدر الإمكان، و تنوه أن مهمة الكاتب أثناء الحروب هي نقل ما تخلفه الحرب من دمار خلفها، وأن يحاول جاهداً أن يزرع الأمل في نفوس الناس، وأن دور الكاتب يصبح أصعب من أي مرحلة أخرى، فهو من يحاول إصلاح ما دمرته الحرب في نفوس الناس.
ويقول الكاتب محمد دبوان المياحي، في تصريح لـ”منصتي 30” إن الفنون الشعبية هي انعكاس للحظة السياسية التي تعيشها البلد، مثلاً الزامل كان قبل نشوب الحرب مرتبطاً بالأعراف القبلية وقيم اجتماعية معينة، ولكن الآن تم تجذير الفنون الشعبية لصالح منطق الحرب لتتوافق مع الجو العام جو السياسة والتحشيد إلى المعركة”.
ويضيف المياحي أن “فترات الحروب لا تكون الجناية مادية فقط في القتل والخراب بل تهدم القيم وتتدخل في الفنون والآداب. والحروب تطبع المجتمعات البشرية بكل قيمها، ويتحول الأدب وما يحمله في نصوصه من داعية للسلام إلى الحرب ويتحول تعزيز القيم الاجتماعية إلى هدم”. ويؤكد المياحي على “ضرورة عدم السماح لأي شيء يعيق عملية السلام مستقبلاً”.
يوضح الأديب ثابت القوطاري أن الشباب الأدباء اليمنيين في شتى المجالات يكرسون مناقشة قضايا السلام والوطن والمستقبل، ويحاولون قدر الإمكان إيصال رسائلهم الإيجابية التي تدعو دائماً إلى السلام”، وأضاف القوطاري أن “رسائل الأدباء الشباب تصل إلى الساحة الأدبية والثقافية، ولكنها ليست مؤثرة في صنع القرار السياسي على اعتبار أن الأديب في الوطن العربي بشكل عام واليمن بشكل خاص لا يصنع الأديب السياسة ولا يستطيع أن يؤثر على مجريات السياسة، لكن الشباب لديهم طموح ورسائل ما تصنع أو تحاول أن تصنع السلام، هذا ويعكس مدى وعي الأدباء الشباب اليمنيين عن أهمية السلام من خلال لزوم كثير منهم مبدأ تمجيد السلام وإحياء قيم التسامح”، وهنا يقول الشاعر وثيق القاضي “يكفيني أنني لم أكتب لأي طرف من طرفي النزاع في اليمن وهذا بحد ذاته تسامح وسلام”.
يؤمن الأدباء اليمنيين الشباب بأن السلام حلم وملاذ البسطاء، وبدلاً من التوقف على ركام الحرب لابد من النظر إلى الجهة الأخرى وهي الأمل والسلام الذي يحرص كثيرون على تكريسه في كتابتهم الأدبية.