الدراما صورة المرأة النقد مرآة للواقع
article comment count is: 0

النقد الفني لصورة المرأة في الدراما اليمنية

منذ نشأة الدراما العربية بشكل عام واليمنية بشكل خاص، ظلّت صورة المرأة في الأعمال الفنية موضوعًا للجدل بين من يدافع عن حضورها كمرآة للواقع، ومن يرى أنّ الدراما أسهمت في تكريس صورة نمطية جامدة للنساء.

ورغم أن الفن يُفترض أن يكون مساحة حرّة لعرض تناقضات المجتمع وقضاياه، إلا أن المرأة كثيرًا ما وُضعت في قوالب محدّدة كـ: الزوجة المضحية، الأم الحنون، أو الفتاة المقهورة، ومع تطور الوعي المجتمعي وظهور جيل جديد من المبدعين، بدأ النقاش يأخذ منحى جديدًا.. هل يمكن للدراما أن تغيّر الصورة الراسخة للمرأة؟ أم أنها ستبقى حبيسة تلك الأدوار التقليدية بحجة عادات المجتمع وتقاليده؟.

أدوار نمطية

الممثلة الصاعدة سماح أنعم عبّرت عن هذا التحدي بقولها، “نسعى كممثلين صاعدين إلى كسر الصورة النمطية من خلال اختيار أدوار مختلفة لكنها مناسبة لطبيعة المرأة وتعكس الواقع، فالدراما انعكاس للحياة، والمسؤولية تقع على عاتق الممثل في تقديم صورة مؤثرة تُسهم في رفع وعي الجمهور بدور المرأة وأهميتها”.

وترى أنعم خلال حديثها لـ منصتي 30، أنّ الأدوار غير النمطية تعكس قضايا حساسة قلّما تُطرح في الدراما، مثل دورها في مسلسل طريق إجباري حيث جسدت طفلة قاصر أُجبِرت على الزواج من رجل مسن. هذا الدور، بحسب تعبيرها، “كسر النمط” لأنه سلط الضوء على قضية اجتماعية مسكوت عنها، وفتح باب النقاش حول معاناة القاصرات.

النقد الفني بين السلبية والإيجابية

من جانب آخر، تؤكد يسرى عباس -كاتبة سيناريو- أن “النقد عنصر أساسي لتطور صورة المرأة في الدراما، لكن بشرط أن يكون نقدًا بنّاءً”.

وتقول لمنصتي 30: “النقد الإيجابي من المختصين ضروري، على عكس النقد العشوائي من عامة الناس الذي يتحول أحيانًا إلى هجوم أو وصاية. الفن انعكاس للواقع وكشف لما وراء الكواليس، وما نطلبه من الخطاب النقدي هو التوقف عن حصر المرأة كضحية أو تابعة للرجل”.

وتضيف أن المرأة، مثل الرجل، شخصية إنسانية معقدة تحمل تناقضات مختلفة، وعلى الدراما أن تبرزها في تطور الأحداث بالنسبة لها، تصوير المرأة في أدوار سطحية لا يعكس الحقيقة بل يكرّس النظرة الضيقة لها.

كسر القالب

توضح عباس أنها تحاول دائمًا في كتاباتها كسر القالب التقليدي، مضيفة: “لا يمكن أن تُحاصر المرأة في أدوار ثابتة، خصوصًا عندما تكون في موقع البطولة. لكن صناع الدراما يطلبون ذلك أحيانًا خوفًا من ردود أفعال المجتمع”. وتكشف أن شركات الإنتاج تميل إلى إعادة تدوير الأدوار التقليدية للنساء، باعتبارها “الأكثر أمانًا” أمام الجمهور، ومع ذلك، تؤمن يسرى أن الجيل الجديد بفضل السوشل ميديا أصبح أكثر وعيًا ورفضًا لتلك القوالب، ما يشجعها على المضي في كتابة أدوار تعكس أبعادًا إنسانية أعمق للمرأة.

دراما مدرسية

أما الأديب والكاتب قائد غيلان فيرى أن الدراما اليمنية، رجالًا ونساءً، ما زالت أسيرة القوالب التقليدية، ويستشهد بمسلسل دروب المرجلة الذي اعتمد على الارتجال حتى بدا أقرب إلى مشاهد مدرسية، “بعض المسلسلات اليمنية تفتقر إلى الحبكة والانسجام، لكنها قدمت أحيانًا نماذج كسرت النمط مثل المرأة القوية التي تحمل السلاح وتدافع عن القبيلة، ومع ذلك يبقى التغيير محصورًا في دور واحد، بينما تظل بقية الأدوار غارقة في التكرار.” يقول غيلان لـ”منصتي 30″، ويشدد  على أن التطور الحقيقي للدراما يتطلب التخلي عن الفكرة المسبقة بأن الجمهور يريد أعمالًا سطحية أو شخصيات هزيلة.

المجتمع يريد

من جانبه، يرى المخرج الشاب يوسف بدر أن المجتمع نفسه يضغط باتجاه تكريس الصورة النمطية، مفيداً أن المجتمع يريد أن يرى المرأة في أدوار الزوجة أو الأم أو الأخت، بدافع التعاطف معها.

موضحاً لـمنصتي 30: “في النصوص المكتوبة والمخرجين والمنتجين جميعهم يبررون حصر الأدوار برغبة المجتمع، بينما الحقيقة أن المخرج يتحمل المسؤولية الأكبر في تقديم صورة مختلفة”.

ويضيف بدر أنه يحاول، كمخرج مستقل، أن يكسر النمط رغم ضعف الإمكانات، مؤكدًا أن وجود المرأة في الدراما أمر مطلوب وضروري. لكنه يعترف في الوقت ذاته أن ضعف البنية التحتية وغياب الدعم المؤسسي يجعل من كل عمل درامي تحديًا كبيرًا أمام أي محاولة للتجديد.

من خلال آراء الممثلة والكاتبة والناقد والمخرج، يتضح أن صورة المرأة في الدراما اليمنية ماتزال محل شدّ وجذب بين التقليد والتغيير، فالمجتمع ما زال يفرض قيوده، وصنّاع الدراما يوازنون بين الجرأة والخوف من ردود الأفعال ومع ذلك، هناك محاولات جادة لكسر القوالب الجامدة وتقديم أدوار أكثر إنسانية وعمقًا.

إن النقد الفني، حين يكون واعيًا وبنّاءً، يمكن أن يكون بوابة لتطوير الدراما، ودافعًا لصنّاعها لتجاوز التكرار نحو أدوار تُبرز المرأة كإنسانة كاملة الأبعاد وبين القيود المجتمعية والطموحات الفنية، تبقى الدراما مرآةً لواقع يتغير ببطء، لكنها تظل قادرة على زرع بذور وعي جديد يفتح آفاقًا لمستقبل مختلف للمرأة على الشاشة.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً