لاشك أن الأفراح في اليمن لها مذاقها الخاص وتقاليدها المستمدة من موروث إنساني ضارب في جذور التاريخ بدء من أغاني (الزفة) وأصوات المزمار الشعبي وإقامة الولائم على شرف الضيوف الذين يحيون احتفالات العريس .
أتساءل الآن بغبن شديد وفي ظل الحرب والدمار اللذين أحاطا بالبلاد، هل يجوز لي أن أحيي حفل قراني على أنغام الفنان اليمني الشهير أيوب طارش وهو يصدح (رشو عطور الكاذية على العروس الغالية) أم أكتفي بعرس جاف من الصخب الموسيقي كتعبير عن احترامي لمشاعر آلاف الأسر اليمنية التي اكتوت بنيران الوجع وتذوقت طعم الفقدان المرير؟!
في الحقيقة لا أفراح تضاهي أفراح اليمنيين في الجمال والتكافل والزخم، ولا أحزان تشبه أحزانهم أيضاً. فهم قوم يتفوقون على أقرانهم في الفرح والحزن ويتحاملون على أوجاعهم مهما بلغ حجم مصابهم، ولن يكون غريباً إن شاهدت أفراحهم في اطراد رغم كثافة الغارات الجوية التي تحصد مئات الأرواح يومياً في المدن والأحياء السكنية .
لقد خلق الله اليمنيين أقوياء في أجسادهم، وصدورهم واسعة بوسعها تضميد الجرح بفرح يتبعه في نفس اللحظة لدرجة أن تجد أما تستقبل جثة فقيدها في الحرب بزغاريد لا تقل حرارة عن زغاريد الأفراح .
كل هذا يحفزني لأقيم فرحاً صاخباً في قريتي الغائبة عن أعين الحرب وسدنتها، ولن تكون أفراحي مثار استفزاز لمشاعر المكلومين في وطني هكذا يحدثني قلبي .
لكن تظل الغارات العشوائية لدول التحالف هاجساً يعرقني وغيري من الشباب الذين يدشنوا أعراسهم وسط هذه الحرب اللاأخلاقية بامتياز .
هناك العديد من الأعراس كانت هدفاً لغارات التحالف السافر في أنحاء شتى من بلدي الذي كوفئت مروءته بالخذلان العالمي .
لست أخشى هذا السفاح الذي يصطادنا من السماء ولا ذاك الوحش الذي يوزع علينا قذائفه من الأرض، فقط أخاف على جفاف الضمير الإنساني للأمم المتحدة وزوال الإنسانية من قلب سفاح يقتلنا باسم الدين الذي نتشارك فيه جميعاً .
الأهم من كل هذا بأني سأحتفل بزواجي ليس لكونه زواج فحسب بل لأنه انتصار لحب بريء قاوم عواصف الحرب واجتاز ظروفها القاسية سأحتفل بزواجي ليعلم صناع الحروب بأن الحب لا يخشى الحرب ولا تبعاتها سأحتفل ليعلم بان كي مون بأن لدى اليمنيين روح حية تنبض بالحب وتمتلك الجرأة اللازمة لمواجهة القتلة على مر العصور .
لست متحاملاً على الأمم المتحددة بقدر ما أعبر عن سخطي على موقفها من جرائم الحرب التي ارتكبها التحالف بحق اليمنيين بما فيها جرائم استهداف مخيمات الأعراس في أكثر من منطقة يمنية ولإثبات حسن نيتي ها أنا أدعو السيد كي مون لحضور حفل زواجي فهل له أن يقبل دعوتي ونكسر طقوس الحرب معاً؟!
* مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر أصحابها، ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي “منصتي 30”.