اكتئاب ما بعد الولادة وكيفية التعامل معه!

“أصوات البكاء تملأ المكان، أحدهم يصمت ويصرخ الآخر، الضجيج يملأ رأسي، أكاد أن أجن”، هكذا تقول أمل محمد (31 عام) وهي أُم لخمسة أطفال أحدهم حديث الولادة، مضيفة أن الاحتياجات الأسرية وتضايق الزوج من التقصير في تأدية حقوقه بالإضافة إلى الضغط الذي أصابها بسبب الولادة المتكررة، وولادتها الأخيرة التي جاءت وهي غير مستعدة لها وبعد أقل من سنة من ولادتها السابقة، أصابها الأمر بحالة ضيق نفسي وكرب استمر معها لأسابيع وتفكير في الانتحار لأكثر من مرة، صنفت حالتها لاحقاً من قبل أماني الشرعبي (طبيبة نفسية) على أنها اكتئاب ما بعد الولادة. تقول أمل: “كثر الضغط عليّ وزادت مشاغلي لم أعد أعرف ماذا أنجز؟ “تصمت أمل لوهلة ثم تقول: “لا أستطيع النوم كرهت نفسي وأطفالي”.

• ما هو اكتئاب ما بعد الولادة؟

تعاني أمل محمد من “اكتئاب ما بعد الولادة” وهو حسب المؤسسة الوطنية للصحة العقلية في الولايات المتحدة الأمريكية، اضطراب نفسي في مزاج الأم يصيبها أثناء الحمل أو بعد الولادة والأخير هو الشائع، يصاحبه خوف وقلق شديد واضطرابات في الشخصية وصعوبة في النوم، يصعب معه تقديم الرعاية اللازمة لها ولطفلها، بالإضافة إلى توارد أفكار مزعجة تصل إلى التفكير بالانتحار. وتبدأ أعراض الإصابة بالظهور على الأم في الغالب بعد انقضاء الأسبوع الأول من الولادة، وتشير أبحاث المؤسسة الوطنية إلى أن 15% من الأمهات حديثات الولادة قد يصبن باكتئاب ما بعد الولادة وأن الرجال قد يكونون عرضة للإصابة أيضاً، فما هي الأسباب وأعراض الإصابة؟ وكيف يمكننا الوقاية منها؟ وهل فعلاً قد يصيب الرجال؟!

• أسباب اكتئاب ما بعد الولادة

ترجع منظمة الصحة العالمية أسباب الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة إلى الفقر والضغط الشديد والتعرض أيضاً للعنف المنزلي، وأيضاً لأسباب تتعلق بقصور خدمات الدعم الاجتماعي والصحي ولذلك أظهرت المنظمة ضمن أحد التحليلات نسبة الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة بين الأمهات لتصل إلى 15% وترتفع هذه النسبة إلى 20% في الدول النامية ومنها اليمن. وتظهر أيضاً من ضمن الأسباب عوارض بيولوجية وأخرى ترتبط بالتاريخ المرضي للعائلة، نذكرها تضميناً كالتالي:

1. اضطرابات هرمونية بعد الولادة ناتجة عن انخفاض هرمونات الأستروجين والسيروتونين.
2. الولادة المتعسرة والتعرض لعنف التوليد.
3. وجود أعراض مرضية في تاريخ العائلة مرتبط بالإصابة بالاكتئاب والأرق.
4. الولادة المتكررة.
5. تعرض الجنين لمخاطر صحية أثناء أو بعد الولادة.
6. حمل وولادة الفتاة القاصر وعدم استعدادها الجسماني والنفسي للولادة.

• كيف أعرف أني مصابة بالاكتئاب؟

تتغير أعراض الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة حسب درجة التأثر التي تطال الأم فور ولادتها فالضغوط الأسرية وعدم وجود الدعم الاجتماعي لها فور ولادتها وقصور الوعي لدى عائلة الأم وغياب الاستعداد النفسي للولادة، قد يؤثر بشكل كبير على إصابتها بالاكتئاب ويظهر ذلك من شدة الأعراض المرافقة لها وتقل هذه الأعراض مع توفر الدعم الأسري والنفسي للأم فور ولادتها.

نورد هنا بعض الأعراض التي قد تظهر جميعها أو البعض منها على الأم حسب درجة تأثيرها:

1. البكاء بشكل مستمر.
2. اضطرابات الأكل والنوم.
3. الشعور الدائم بالخوف والقلق والرغبة في إيذاء الجسم أو الطفل.
4. الانعزال وعدم الرغبة في تكوين عاطفة مع الطفل.

• هل يصاب الرجال باكتئاب ما بعد الولادة؟

يحدثنا هاشم عبد الله (28 سنة) أحد مرتادي العيادات النفسية في صنعاء عن تأثره النفسي بشكل كبير بعد ولادة زوجته بطفلته الأولى بعد انقضاء أقل من سنة على زواجهم، يقول: “لم أكن أتوقع أن أشعر بكمية الغضب من زوجتي وطفلتي، بدأت زوجتي في الاعتناء بطفلتها لأصبح ضمن الاهتمامات الثانوية لها، لم أقضِ وقتاً ممتعاً معها وكل الخطط والأحلام بحياة زوجية سعيدة تلاشت والسبب طفلتنا”. جمعية علم النفس الأمريكية تحدثت عن إصابة 13 % من الآباء الجدد بأعراض يمكن تصنيفها على أنها اكتئاب ما بعد الولادة وتظهر الأعراض على عينات البحث كاضطرابات النوم والأكل والقلق المستمر بالإضافة إلى أعراض عضوية ناتجة عن القلق والاكتئاب.

• كيف يكون العلاج؟

ظهور أعراض اكتئاب ما بعد الولادة على الأم أو الأب يستدعي تقييم حدة هذه الأعراض ومراجعة طبيب نفسي للتأكد عما إذا كانت هذه الأعراض ترتبط باكتئاب ما بعد الولادة، وغالباً ما تكون الأدوية عبارة عن مضادات للاكتئاب بالإضافة إلى جلسات دعم نفسي تساهم في تجاوز التأثير، وقبل حدوث ذلك فإن بإمكان العائلة إتباع أسلوب معين للوقاية من الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة، كالدعم النفسي والأسري خصوصاً من قبل الزوج، والحصول على استشارات مستمرة بخصوص الحمل والولادة عوضاً على تكوين شبكة داعمة من الأسرة والأصدقاء لتجاوز الأمر.