تختلف صنعاء في طقوس الولادة عن باقي المحافظات اليمنية، التي تبرز الكثير من تفاصيل الاحتفاء بهذه المناسبة التي تعتبر من أهم المناسبات داخل البيت الصنعاني.
أمه الرزاق جحاف، باحثة في التراث اللامادي وكيلة الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية، تقول لمنصتي 30: “يبدأ طقوس الولاد من أثناء الحمل، حيثُ أن هناك مميزات وخصوصية للحمل والولاد في صنعاء، فعند حمل الأم تعتبر مسؤولية الجميع الاهتمام بها، وكل من عرف من محيطها الاجتماعي أنها حامل يبدأ يدللها وما تشتهي يسألها ما تخور، ما تشتي، ما في نفسك”، لأنهم يعرفون جيداً أن الأم في هذه الفترة من الحمل تكون نفسيتها متعبة، ولا تستطيع أكل الأشياء التي اعتادت عليها قبل الحمل.
وتتابع جحاف أن “المحيط الاجتماعي من جيران وأهل يعملون على خدمة هذه الأم الحامل، فأي جارة تقوم بعمل طبخة لابد أن يكون لتلك الحامل نصيب منها ويتم إرسالها إلى بيتها”.
تجهيزات قبل الولادة
تقول جحاف: “تبدأ تجهيزات الولادة من الأشهر الأخيرة للحمل، حيث يتم تجهيز كل ما سوف تحتاجه الأم (الوالدة) أثناء الأربعين يوم الولاد، من مأكل ومشرب فيتم تجهيز البر البلدي الذي يستخدم في أكلات الهريش والعصيد، قهوة الوالدة، البيض البلدي، الدجاج البلدي، السمن البلدي، والعسل البلدي، في هذه الفترة يحرصوا على أن يكون أكل الوالدة مغذي ومفيد لجسمها، وتكون المأكولات بلدي لما يعرفوا من القيمة الغذائية العالية للأكل البلدي، كما يقوم أهل الزوج بتجهيز ما يكفي الوالدة لمدة عشرين يوم، وعشرين يوم على أهل الوالدة (الزوجة)”.
وتتابع جحاف أنه “يتم كذلك تجهيز ملابس المولود ومنها الشاشة التي تغطي المولود بها، حيثُ يتم تطريزها يدوياً بكلمات لطيفه وجميلة مثل (مبروك، الحمد لله على السلامة) وكذلك نقوش ورسوم، وقد تشتريها الأم أو تُهدى لها، التثوير، تجهيز الغرفة الذي تستقبل فيها الوالدة التهاني في الأيام الأولى لولادتها، وتنظيف النحاس.. وغيرها”.
أثناء الولادة
وتقول جحاف لـ”منصتي 30″: “يتميز البيت الصنعاني بغرفه تسمى المكان العجمي، هذه الغرفة تخلو من النوافذ أو أي فتحة، وتكون عادة في الاتجاه الجنوبي، أو غربي جنوبي، تكون دافئة، فتوضع الأم ساعة الولادة في هذه الغرفة، لكي لا يسمعها أحد، حيثُ يتم إخفاء ساعة الولادة لأن أهالي صنعاء يعتقدوا أن إخفاء ساعة الولادة مهم حتى لا تتعسر الأم أثناء الولادة”.
بعد الولادة
وتصف جحاف الغرفة التي تنتقل لها الأم بعد الولادة مباشرة لاستقبال المهنئين، حيثُ تعد هذه الغرفة بشكل خاص، تجهز فيها مرتبة للأم الوالدة وتوضع على الجدران سجاد تعلق عليها المصاحف، ويستحسن أن توضع المرتبة تحت رف من الأرفف ويوضع فيها صور لأهم الشخصيات في الأسرة الأب، الأخ، الزوج…
وتقول جحاف: “غالباً ما تضع الأم مولودها البكر في بيت أهلها، وإن وضعته في بيت زوجها تأتي أم الوالدة وتجلس عند بنتها أما فترة طقوس أيام الولادة كاملة إذا كانت متعبة أو لمدة أسبوعين، وتكون الأم في خدمة البنت وكل أفراد أسرة الزوج في خدمة البنت وأمها، حيثُ أن أم الوالدة تقوم برعاية الوالدة وطفلها وتعليمها إذا كان المولود الأول “كيفية الرضاعة والاعتناء بالطفل”.
وتجلس الوالدة في هذه الغرفة بما يسمح لها صحتها من عشرة أيام إلى أسبوعين، خلال هذه الفترة تستقبل التهاني من الأهل والجيران والأصدقاء، وغالباً تكون زيارة سريعة مراعاة لوضع الأم الصحي.
التبشير
تقول جحاف إن “الولاد يعتبر شيء مهم وعظيم، وذلك لأن النساء يتعرضن لكثير من المخاطر، حيث أن البعض يفقدن حياتهن أثناء الوضع، لهذا عندما تولد الأم بالسلامة، يكون هناك تبشير بسلامتها، حيثُ توكل هذه المهمة إلى أحد أطفال البيت بأن ينقل هذه البشارة إلى الجدات والجيران بعبارة “نبشركم أن فلانة ولدت“، وفي صنعاء ميزة عندما يسمعوا هذه البشارة يقوموا بالرد عليها بعبارة: “بشرك الله بوجه النبي، وجنة بعافيتها“.
وتصف جحاف أن في صنعاء تختلف لفظ المباركة للوالدة عن باقي المحافظات فلا يتم استخدام مبروك وإنما عبارة “جنة بعافيتها” وكأن عافية هذه الأم بالنسبة لهم الجنة وما فيها من نعيم.
وتشير جحاف أنه في صنعاء يتغير اسم البيت “اللقب” إلى “بيت الولاد” ويتم التعارف بين الجيران على هذا المصطلح لمدة الأربعين يوم.
علامات تميز الطفل إن كان ذكراً أو أنثى
تقول جحاف إن في المجتمع الصنعاني لا يوجد فرق في الاحتفاء بقدوم طفل ذكر أو أنثى، ولكن هناك طقوس تعرف إن كان الطفل ذكراً أو أنثى، فعند تهنئة الأهل والجيران للوالدة يقومون بالمحجرة فإن كان المولود ذكر تكون المحجرات ثلاث محاجر متوسطة الطول، أما إن كان المولود أنثى فتكون محجرة واحدة طويلة.
وتتابع جحاف أن من عادات أهل صنعاء تزيين جبين المولود بمادة الصبر الأسود، حيث تزين جبين المولود الأنثى بشكل الهلال على الجبين فوق العين، أما المولود الذكر فيكتب كلمة الله وسط الجبين، فتكتفي المهنئة النظر إلى وجه المولود وتعرف إن كان ذكر أو أثنى دون السؤال.
وتقول جحاف: “إن كان المولود مغطى بالشاشة، يوضع على الشاشة ما يسمى بالهيكل وهو عبارة عن كيس صغير من القماش، ويكون على شكل مثلث إذا كانت المولودة أنثى، وعلى شكل مستطيل إذا كان المولود ذكر”، وهذان الرمزان يتم استخدامهما الآن في العالم للدلالة على الجندر.
وتشير جحاف أنه يتم تعبئة هذا الكيس الصغير بالملح و الرماد والحبة السوداء، والصبر حيث يعتبر حرز من العين.
وتوضح جحاف أن من عادات أهل صنعاء استخدام مادة الكحل للطفل فيقومون برسم حواجبه وتكحيل عينه اعتقاداً منهم أنه يكون له حواجب ورموش.
كما يقوم أهل صنعاء برمي الحبل السري للمولود في بئر مهجور وعميق أو دفنه، اعتقاداً منهم أن المولود يكون سره عميق.
الفرحة
تصف جحاف الفرحة أنها من الأشياء الجميلة التي تقدم للوالدة، وهي عبارة عن مبالغ رمزية من المال والمقصود منها البركة، كما تستعين بعض الأمهات على هذه الفرحة في مواجهة تكاليف الولاد الصنعاني.
الشذاب
تقول جحاف إن الشذاب دائماً يرافق كل المناسبات السعيدة في حياة المرأة الصنعانية، حيث يعتبر من علامات الولاد في البيت، ويتم وضعه في المزهريات، وعلى رأس الوالدة، وفي غطاء المولود وثيابه، كما يعتبر أهل صنعاء الشذاب حرز من الشياطين.
التثوير
هو نوع خاص من البخور، حيث يعتبر جزء من طقوس الولاد في صنعاء يستخدم من أول يوم الولاد وحتى الوفاة، ويتم تثوير البيت أثناء ما يتم إعطاء الوالدة فطورها وعند المغرب، كما يستخدم في العصر عند زفة الوالدة، حيث يعتقد أنه يطرد الأرواح الشريرة.
الحمام البخاري
تقول جحاف إن “من عادات أهل صنعاء أن تذهب الوالدة إلى الحمام البخاري قبل ما تدخل مكان الولاد، ومن ضمن الطقوس وضع غصن شذاب على خيط المرجان الذي تلبسه الوالدة على رقبتها من الخلف، عندما تدخل من باب الحمام تأخذ غصن الشذاب وترميه في البركة التي تتوسط البهو قبل الدخول إلى الحمام، وهذا معناه أنها تحط بينها وبين الشياطين حاجز، كما يربط على ساعدها الأيسر بقطعة بلاستيك بها حلتيت ومر، وعند خروجها من الحمام تأخذ غصن الشذاب الذي رمته عند الدخول في البركة وتنفضه و تتمشقر به، ويتم كسر بيضة عند خروجها من الحمام، كما يتم كسر أخرى عند دخولها البيت”.
مكان الولاد
تقول حجاف: “تنتقل الوالدة من الغرفة العادية التي كانت فيها من بداية الولادة إلى الديوان والذي يسمى مكان الوالدة، حيثُ تقوم المنشدة بزفها إلى داخل مكان الولاد، تجلس الوالدة على مرتبة خاصة وهي عبارة عن سرير مرتفع أو مجموعة من الفرش مرصوصة بدقة، وتزين الجدران المحاطة بالمرتبة بالمفارش والحناظل والمصاحف وتوضع صور وتحف ومزاهر بها شذاب فوق الرفوف وهذا ما يسمى السجاف.
وتصف جحاف أن المنشدة تقوم بزفة الوالدة زفه خاصة، حيثُ تصف مكان الولاد والسجاف والأشخاص الذين قاموا بترتيب مكان الولادة، وتصف المنشدة معاناة الوالدة عند ولادتها، وبعدها يبدأ شكر لكل أفراد الأسرة بما يسمى بالحجاب.
الزيارة
وتقول جحاف “إن من عادات أهل صنعاء أن يقوم أهل الزوجة بالزيارة ويحضرون معهم المواد الغذائية لعشرين يوم، ويجبوا هذا الزيارة بعد الأسبوعين، ويأتوا بها بالليل، ويجيء صباح يوم الثاني خال البنت ويدي لها كسوة للوالدة والمولود”.
وتتابع جحاف “عند الدخول مكان الولاد، يقوم الأهل بعمل يوم الزيارة ويأتي الأهل (بتورة) طبق من الخزف عليها ما سيتم تقسيمه للضيوف وفوقها (قواره) وبداخلها (كسوة) ملابس للوالدة والمولود، ولابد أن تكون الزيارة شيء يشرف الزوجة أمام أهل زوجها، ويتم تحديد يوم الزيارة من قبل، كما يتم استقبال الزيارة من قبل أهل الزوج بالمحجرات”.
البن
تقول جحاف إن من مراسيم الاحتفاء أن يقوم الأقارب من عمات وخالات وعموم وصديقاتها (بتبنينها)، و يختلف البن كل واحد حسب استطاعته، وقد جرت العادة أن يحضر البرعي أحد أيام البن.
الوفاه
تقول جحاف بالنسبة لليوم الأخير والذي يسمى يوم الوفاه بالهاء، وهناك من يقول يوم الوفاء بالهمزة والأصح هو يوم الوفاه دليل لاستكمال مراسيم الأربعين اليوم.
وتتابع جحاف “في يوم الوفاه تتنقش الوالدة، وتتزين وتلبس لبس جديد، يعملوا لها تاج يمني أو (قمباعي) أو عصبه ذهب”.
تختتم جحاف حديثها “يتميز هذا اليوم بأن تأتي محزوية قديماً، ويسود هذا اليوم الفكاهة والمرح، حيثُ أن من طقوس آخر يوم تكسير اثنين أو ثلاث كاسات القهوة، وأحياناً جميع الكاسات، وكذلك تكسير (بوري أو بوريين) رأس المداعة على أساس أنه اكتملت طقوس الولادة، وانتهى الجهد الذي كان طيلة الأربعين يوم”.
الذي يشتي يزرهم هل يجيب لهم فلوس الى حدود كم