article comment count is: 1

على السوشل ميديا.. مواجهة الحرب بروح الفكاهة

بالنكتة السياسية والتعليق الطريف يقاوم اليمنيون على شبكات التواصل الاجتماعي قساوة الأوضاع ويجابهون تحديات مآلات الحروب وانتشار الأمراض والأوبئة، ومن بين مخالب الأزمات المتوالية وتدهور مظاهر الحياة المعيشية، ينتزع اليمنيون على السوشل ميديا ابتسامات خاطفة مفعمة بالسخرية اللاذعة حيناً، والكوميديا الاجتماعية حينا آخر.

يرسمون مآلات الحرب والصراع السياسي، عند كل منعطف وتحول دراماتيكي، وعند كل حدث محلي وعربي ودولي، يسارع هؤلاء لتداول تعليقات ومواقف كوميديانية تمس في معظمها شخصيات وهيئات عامة ذات علاقة بالشأن العام.

ومن آخر الأحداث العالمية، حيث فيروس كورونا، يروي الناشط على فيسبوك، الشاعر صدام الحطوار، أنّ “سيدة صينية شاهدت يمنية وسألتها : لما تضعون لثاماً على وجوهكن؟ هل وصل فيروس كورونا عندكم؟ فردّت اليمنية: لا عندنا فيروس يهاوزونا”.

ولعلّ أشهر نكتة تناقلها اليمنيون مع ظهور فيروس كورونا في الصين، جاءت في شكل أمنية بأن تقوم الحكومة الصينية بدعوة واستضافة قيادات وزعماء أطراف الصراع اليمني في مدينة ووهان (حيث ظهور الوباء) وذلك لإجراء حوارات لحل الأزمة اليمنية.

مجموعات خاصة

لم يقتصر الأمر على التناول الفردي لنشطاء شبكات التواصل الاجتماعي لهذه النكت والتعليقات الطريفة، فقد أنشئت مجموعات عديدة لهذا الغرض على مواقع (فيس بوك، تويتر، واتس آب، تيليجرام)، وانخرط في عضويتها آلاف المهتمين.

ومنذ إنشائها في سبتمبر/أيلول 2015م، حازت صفحة مجموعة نكت يمنية على إعجاب 141977، فيما بلغ عدد أعضائها 75655‏ عضواً حتى اللحظة، يليها صفحة نكت يمنية قوية والتي حازت على 24883 إعجاب حتى اللحظة، منذ إنشائها في يناير/كانون الثاني 2014م.

نكت صرف الرواتب

وفي هذه المساحات يسلّط الأعضاء الضوء على قضية انقطاع صرف الرواتب عن موظفي الدولة، وتفاقم معاناة الموظفين، حيث تروي هذه الصفحة في أحد منشورات أعضائها أنّ مسماراً دخل قدم موظف يمني، وفي المستشفى طُلب منه مبلغ ألف ريال لنزع المسمار، فما كان من الموظف إلاّ أن طلب من الطبيب عطف (ثني) المسمار حتى صرف الرواتب.

سلاح شعبي للتخفيف من الضنك

وفي قراءته لظاهرة انتشار النكتة السياسية بين اليمنيين على شبكات التواصل الاجتماعي، يرى الكاتب الصحافي اليمني، حسن عبدالوارث، أنه “كلما اشتدّت المظالم وتردّت الأوضاع واحتدّت الأزمات، أكان على صعيد الحريات أو الحقوق أو المعيشة أو الخدمات أو غيرها من أمور الحياة، لجأ اليمنيون إلى ما يصفه بـ(السلاح الشعبي الخطير)، ويعني به النكتة، وتحديداً النكتة السياسية، مشيراً في حديثه لـ(منصتي 30) إلى استخدام اليمنيين بشراسة لسلاح النكتة السياسية”، بعد أن يقنطوا من جدوى الدعاء على الحكام أو استجداء السماء بإنزال مزن الفرج”.

والى حدٍّ قريب يتفق معه في هذه الرؤية الإعلامي ورسام الكاريكاتير والناشط على شبكات التواصل الاجتماعي، صالح الحنشي، الذي يعتقد هو الآخر أنّ “الناس حين تتزايد معاناتهم ويضيق بهم الحال، ويفقدون الأمل في تحقيق انفراجة ممكنة، تصبح النكتة هي السبيل أمامهم للتخفيف من هذا الضنك”، مشيراً كذلك إلى تمتع اليمنيين بطبيعتهم بروح الفكاهة وخفّة الدم.

إقرأ أيضاً:

 

مشاكل الإنترنت ومنع العملة

مجموعة أخرى مشابهة على موقع فيسبوك تحمل اسم (نكت وطرائف يمنية)، أنشئت بتاريخ 28 يناير 2018م، ويأمل القائمون على الصفحة من معجبيهم (23) ألف تقبل النكت بجميع أنواعها، راجين كذلك عدم أخذ هذه النكت على محمل الجد.

وأوردت هذه المجموعة نكتة في شكل خبر إعلامي يقول: “إنّ وزير الاتصالات في الحكومة الشرعية يؤكد ويطمئن الجميع بأن الإنترنت يعمل بكفاءة عالية في الرياض ولا صحة للإشاعات”، وذلك في إشارة لقضية الانقاطاعات المستمرة لشبكة الإنترنت في اليمن لعدّة أيام أحياناً.

وشبّه نشطاء هذه المجموعة خلافات حكومتي صنعاء وعدن على تداول أوراق العملة المحلية (الريال اليمني)، في نكتة سياسية تلخّص معاناة المواطنين وجاء في النكتة: “حكومة صنعاء تلغى التعامل بالعملة الجديدة، وحكومة عدن تلغى التعامل بالقديمة، وبالتالي أصبحنا مثل اللي فيه جنِّي، الشيخ يلبجه من خارج، والجنِّي يرفسه من داخل”.

مواجهات نهم

يسابق صناع النكتة السياسية ليس التطورات السياسية فقط، فحتى نتائج المعارك الحربية والتطورات الأمنية تحظى باهتمام هؤلاء وتعليقاتهم الطريفة، فعلى وقع نتائج مواجهات منطقة نهم (بين صنعاء ومأرب)، روى هؤلاء “أنّ  وزير الدفاع في حكومة الشرعية المقدشي كان يشرح للجنود في معارك نهم ويقول هذا المدفع يبلغ مداه 20 كيلو، قبل أن يسأله أحد الجنود الفضوليين قائلاً: ولو كان الحوثي على بعد 1 كيلو فقط إيش نعمل؟، فيرد المقدشي: عادي.. انسحب 19 كيلو باتجاه مأرب واضرب أبوه بالمدفع من وسط مأرب”، وذلك في إسقاط كوميدي لما قالت قوات هادي أنّه “انسحاب تكتيكي”.

وخلال مسيرة التاريخ، يرى الكاتب الصحافي، حسن عبد الوارث، أن النكتة السياسية كانت حاضرة إلى جوار البندقية في مقارعة الاحتلال البريطاني والعثماني، كما كانت متوافرة في مجرى النضال ضد ما يصفها بـ(الأنظمة الكهنوتية والجائرة والفاسدة)، وعلى مرّ الزمان، يعتقد عبد الوارث أن أبناء صنعاء وذمار ولحج وعدن وغيرها من مناطق اليمن “أهل نكتة” بحق وحقيقة.

ازدهار النكتة في زمن الحروب

يشير عبد الوارث إلى ازدهار النكتة السياسية، في ظل الأوضاع القائمة اليوم، وعلى نحو لم يكن له مثيل في أي عهد مضى أو وضع مماثل، ويرى عبد الوارث أن ما يصفها بـ(الإجراءات الباطشة والممارسات القاهرة التي تكررت وتنوعت وتضخمت من قبل حكام الأمر الواقع في صنعاء) باتت مثار سخرية الناس، الذين تفننوا بصورة يومية ومبدعة في إطلاق سهام النكتة ضد هؤلاء.

حزام البالطوهات وميناء ذمار

ولم تمرّ واقعة منع ومصادرة رباط البالطوهات في صنعاء مرور الكرام على نشطاء سوشل ميديا، حيث يروى شادي سعيد “ما قيل إن بنات الجامعات والمعاهد هذه الأيام سوف يضعن رباط البالطوهات في الأمانات مثل الجنابي (خنجر أبيض يمنع حمله داخل الجامعة والمدارس والمعاهد)”.

وفي ترابط تاريخي للأحداث، يروي عبدالله الشواحي قائلاً: “في السبعينيات، أصحاب ذمار.. طالبوا الرئيس السلال بميناء.. وفي عام 2018 أصبح لديهم جمارك في ذمار”، مضيفاً “قد تتأخر الأحلام فترة من الزمن.. لكنها قد تتحقق في ظروف غير متوقعة”.

وحسب الناشط الإعلامي صالح الحنشي، فإنّ النكتة السياسية تعد إحدى وسائل الرفض المجتمعي، وقال في حديث لـ(منصتي 30) إن النكتة هي دليل على أن الناس قد فقدت الأمل في أي عملية إصلاح في هذه السلطة، “وأنها أي هذه السلطة أو نظام الحكم، وصل إلى مراحل متأخرة جداً من الفساد والفشل والعبث”، وبالتالي -حسب الحنشي- لا يصلح التعامل معها إلاّ من خلال السخرية منها.

احتياج لدراسة الظاهرة

ويرى الكاتب الصحافي حسن عبد الوارث أن مشهد النكتة السياسية والاجتماعية اليوم، وفي ظل هذه الأوضاع في حاجة ماسّة إلى دراسة جادّة لا يستوعبها كتاب أو مجلد، في تقارب مع رؤية الناشط الإعلامي ورسام الكاريكاتير، صالح الحنشي، الذي يرى أن “المشكلة عندنا في اليمن أنّ الواقع اصبح كاريكاتورياً، أكبر من قدرة أي عمل كاريكاتوري، ومضحك أكثر من أي نكات”، مشيراً إلى عدم احتياجك في أحيان كثيرة لصناعة نكتة للسخرية من وضع معين “ولكن يكفي أن تروي حدثاً حصل فعلاً، فتجده مثيراً للضحك ولا أجدع نكتة”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (1)