“الإخوة الأعداء” عبارةٌ تجسدُ حال اليمن التي تشهد حرباً للعام السابع على التوالي بين جماعة أنصار الله والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، حربٌ عملت على تشظي المجتمع وساهمت في تفكك الأسرة وإحداث شرخ عميق في كيانِها.
طوال سنوات الحرب اتجهت أطراف الصراع إلى استقطاب الأفراد سيما “الشباب” لمناصرتها والقتال معها، ومن هنا كان دخول البعض لتأييد طرف معين، لكن في المقابل هناك من يكون معارضاً له ومؤيداً للآخر، ويحدث أن يكونوا من أسرة واحدة، الأمر الذي أدى إلى خلق عداوة بين أفراد الأسرة وتفككها وتفرقها، وهذا ما حدث مع أسرة المسنة مسك “اسم مستعار” (55 عاماً) في مدينة تعز، التي تقول إن اثنين من أبنائها مع أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء، وآخر مع القوات الحكومية.
وتضيف مسك: “الحرب شردتنا وأبعدت عني أبنائي، ومن بداية الحرب أُسرتي لم تجتمع على مائدة واحدة، كما كانت في السابق”.
تسبب التعصب في الولاءات السياسية والمذهبية للأفراد تجاه أطراف الصراع، في نشوب إنقسامات وخلافات بينهم على مستوى الأسرة الواحدة، والتباين لم يقتصر على الرأي فقط بل امتد إلى الاقتتال في الجبهات والمواجهة المباشرة بين الشخص وشقيقه، الأمر الذي زاد من حدة وتيرة الصراع وعمل على إجهاض عملية السلام وتعقيد المشهد أكثر في البلاد.
الحرب.. كُلفة اجتماعية
للحرب تداعيات سلبية على كافة الأصعدة في المجتمعات التي تستعر فيها، ولها كلفة اجتماعية تتمثل في حدوث انشقاقات وخلافات أسرية واجتماعية، خصوصاً إن كان هناك تعصب مقيت لأفراد المجتمع في الولاءات السياسية والمذهبية، كما يقول محمود البكاري، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز.
ويرى البكاري أنه من المفترض أن يتم التعامل مع الحرب بعقلانية على اعتبار أن المجتمع اليمني في الأساس مجتمع موحد ولا ينبغي أن تصل الأمور إلى مرحلة التشظي والانقسام والصراع والتناحر الاجتماعي.
وبنظر البكاري هناك العديد من الأسباب والعوامل التي تدفع الأفراد للتعصب لطرف معين وتخلق العداوة بينهما، وهي: تدني مستوى التعليم، وغياب الوعي المتكامل بين الناس، إذ هناك الكثير منهم يعملون على أساس خدمة مصالح أطراف أخرى نتيجة ولاءهم لها، في الوقت الذي يلحقون أضراراً بأنفسهم ومصالحهم الخاصة. وكذلك تعرض أفراد المجتمع “للتعبئة الخاطئة” التي تنتهجها الأطراف المتصارعة، وتحثهم على ممارسة العنف ضد بعضهم، بالإضافة إلى العامل الأهم وهو “الحاجة المادية” للناس بسبب الظروف المعيشية القاسية جراء استمرار الحرب والتي سعت الأطراف لاستغلالها وخلقت خلافات وصراعات بين الناس وقادتهم إلى جبهات القتال. وهناك أيضاً السبب الأخير وهو “المصلحة” فكثير من الناس يحاولون أن يبحثوا عن مصالحهم مهما كانت النتائج ومهما كانت المشاكل المترتبة من ذلك.
السلام.. طريقُ الخلاص
يرى مراقبون أن رأب الصدع الحاصل في المجتمع والأسرة اليمنية وتحقيق التماسك الإجتماعي هو أبرز عوامل إحلال السلام، لأنه يؤدي إلى خفض حدة التصعيد الحاصل بين الأطراف المتصارعة وتقديم التنازلات لإنهاء الصراع والذهاب إلى طاولة الحوار، ويتحقق ذلك من خلال حلول ومقترحات يتفق معاها البكاري أيضاً، وهي: توعية المجتمع بخطورة استمرار الصراع، بأنه لن يقودهم إلى حل، وبأنه ليس وجودي ومحتم عليهم، إنما يرتبط أمر إنهائه على مدى تقبلهم لأفكار وآراء بعضهم البعض واللجوء إلى التحاور للوصول إلى نقاط مشتركة تجعلهم يتجهون نحو مبدأ التعايش، والسعي نحو تحقيق بناء السلام وتنمية مستدامة.
إضافةً إلى “ضرورة إدراك أفراد المجتمع بأن الحرب لن تحقق فائدة وليس هناك منتصر فيها، وستكون الخسارة للجميع لأن الكل على سفينة واحدة مهما حاولت الأطراف التبرير وتقديم نفسها على أنها المستفيد أو الأقوى، لأن الحرب لا تعني سوى الدمار والهلاك”، وفق البكاري.
ويعتقد البكاري أن “السلام أصبح ضرورة في الوقت الحالي؛ لأن الأوضاع التي وصلت إليها البلاد، مأساوية حقاً، وتكفي لأن نضع في الاعتبار أن ما حدث ليس بقليل وعلى امتداد ست سنوات قضت الحرب على كل مقومات ومتطلبات الحياة، وبالتالي من الضروري أن يتجه الجميع لحلول سلمية تفضي لبناء سلام دائم في وطن يتسع للجميع”.
ومؤخراً اتجهت المنظمات الإنسانية الدولية العاملة باليمن نحو تبني مشاريع تساهم في تعزيز التماسك المجتمعي وتكريس ثقافة الحوار، ضمن إطار جهودها في عملية بناء السلام، “كمنظمة البحث عن أرضية مشتركة (SFCG)” (دولية غير حكومية) تعني بتعزيز السلام والاستقرار في المجتمعات من خلال ترويج ثقافة الحوار والاعتدال والتسامح، وعملت على تنفيذ “مشروع بناء السلام في اليمن” الذي يهدف إلى تعزيز التماسك الإجتماعي والمساهمة في تحقيق الاستقرار وتعزيز آليات منع النزاعات.
وأيضاً أطلق “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” مطلع العام الماضي مشروع يهدف إلى تمكين المجتمع المحلي من أجل بناء السلام وحل القضايا المحلية وتعزيز الترابط الاجتماعي، بالإضافة إلى تنفيذ ورشات تدريبية لمنظمات محلية غير حكومية، تستهدف القيادات المجتمعية المؤثرة وتهدف إلى تفعيل دورها للحد من الأزمات والنزاعات المحلية بما يعزز التماسك الاجتماعي.
فعلا الحرب شتت الكثير أنا لدي أحد اصدقائي هو مع المقاومه بالساحل الغربي واخوه الاكبر مع الحوثي بالحديده