في بلد تُقيد فيه الأعراف الاجتماعية والثقافية وصولهن إلى فرص العمل، فإن التأثير يطال النساء أكثر من غيرهن. فقد أفادت العديد من النساء النازحات، بما في ذلك النساء غير المتزوجات والأرامل، بأنهن مستثنيات من المساعدات الإنسانية في اليمن بسبب العوائق الثقافية والاجتماعية التي تمنعهن من الخروج لإعالة أسرهن.
“بالنسبة لكثيرات، فإن الصراع والنزوح وعدم المساواة بين الجنسين، عوامل تفاقم المشقات والصعوبات التي يواجهنها“، بهذه الكلمات افتتح بابار بالوش، المتحدث باسم “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين” مؤتمره الصحفي بمبنى الأمم المتحدة في جنيف، ليُزيح الستار عن المأساة المضاعفة للنازحات اليمنيات، اللاتي فوجئن بالحمل الثقيل الذي ألقي على عاتقهن، ليقفن أمام متاعب النزوح ومصاعب وتحديات المجتمع من حولهن.
“بيوت” الدكاكين
في ظل هذه الحرب المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، فقدت الكثير من الأسر اليمنية، وخصوصاً النازحة منها، من يعيلها من الرجال وتحملت النساء مسؤولية هذه الأسر. نوال اليوسفي (28 عاماً)، فقدت زوجها السنة قبل الماضي بعد صراع طويل مع مرض الفشل الكلوي، كانت نوال وزوجها سالم يعيشون في مدينة تعز، لكن مع اشتداد المعارك، اضطروا لترك المدينة والنزوح إلى صنعاء، بعد تهدم جزء كبير من منزلهم، واستمرار الاشتباكات في الحي الذي كانوا يسكنونه. تعيش الآن هي وطفليها الذين لم يتعدى عمرهما العشر سنوات، في دكان كان في الأصل مخزن للمواد الغذائية، مساحته لا تتعدى الـ 5.7 متر، غرفة واحدة في أحد أركانها المطبخ وأحد أركانها الأخرى الحمام، لا يوجد فيها نوافذ ولا منافذ للتهوية، يضطرون لفتح الأبواب طول الوقت ليتمكنوا من الحصول على التهوية اللازمة، يعيشون في مكان يشبه إلى حد كبير زنازين السجون. كُلفة إيجار هذا الدكان 10000 ريال شهرياً، في معظم الأحيان لا تتمكن نوال من جمع هذ المبلغ، وتقف عاجزة أمام مالك الدكان، الذي تقول إنه يهددهم، كل شهر تقريباً، بإخراجهم إلى الشارع إن لم يدفعوا الإيجار.
تقول نوال لـ”منصتي 30“: “كنت أعتقد أن هذا الدُكان لن يكون سوى مكان مؤقتً أعيش فيه، إلى أن تهدأ الأوضاع وتتوقف الحرب، لأعود بعدها إلى منزلي الذي تركته مجبرة، لكن هذا مالم يحدث، وتحول هذا الدُكان إلى مكان شبه دائم، أعاني فيه من ويلات الفقر وصنوف الإهانة”.
نزوح ومرض
تحملت نوال مسؤولية عائلتها بعد إصابة زوجها سالم بالفشل الكلوي المزمن، كان سالم يحتاج إلى علاج منتظم يبقيه على قيد الحياة، يتضمن عادةً جلستين للغسيل الكلوي أسبوعياً، فضلاً عن الأدوية الأخرى التي يحتاجها للحفاظ على نظامه المناعي. سعت نوال جاهدة لتوفير هذه الأدوية قدر الإمكان، وفي نفس الوقت عملت على توفير لقمة العيش لها ولزوجها ولطفليها. لسوء الحظ، فإن القتال المستمر في اليمن أدى إلى تراجع كبير في أداء مراكز غسيل الكلى، فبحسب “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” فإن نسبة الوفيات بين مرضى الفشل الكلوي وصلت إلى 25 بالمئة، كان سالم أحد هؤلاء المتوفين.
حمل إضافي
وفاة زوجها شكل حملاً إضافياً أُلقي على عاتقها، فكثُر الهمز واللمز في حقها، وزادت المضايقات التي تتعرض لها، وقلّت حتى المساعدات التي كانت تحصل عليها. وحالة نوال ليست استثنائية، فوفقاً لـ “مفوضية الأمم المتحدة للاجئين“، فإن هناك أسرة واحدة من بين كل أربع أسر نازحة، تُعيلها امرأة أو فتاة، تقل أعمار كل خمسة منهن عن 18 عاماً.
تقول الناشطة الحقوقية أماني العوبلي، في حديثها لـ”منصتي 30“: ليس من السهل أن تعيش امرأة بدون رجل في مجتمعنا اليمني، لا لأنها لا تستطيع تحمل المسؤولية، بل لأن المجتمع ينظر إليها نظرة ريبة، ولا يُعترف بدورها ولا بها شخصياً إلا بوجود رجل إلى جانبها، وتضيف: “جزء كبير من المجتمع اليمني، يرى أن المرأة عورة، ويعتبر خروجها من المنزل عيب وعملها خطيئة، بينما لا يرى في جوعها وقلة حيلتها وهي تعاني في سبيل إطعام أطفالها أي خطيئة ولا عيب”، وأشارت العوبلي إلى أنه في الوقت الذي تركز فيه سُلطات “أنصار الله”، في صنعاء وتعز وباقي المحافظات الأخرى، على لبس المرأة ومحاربة الاختلاط ومضايقة النساء العاملات، لا تأكل أربع من كل خمس أسر نازحة ممن تعيلها نساء، بحسب “مفوضية اللاجئين”، سوى واجبة واحدة في اليوم.
متى تنتهي الحرب؟
وفي ظل استمرار هذه الحرب، وقلة فرص العمل وندرتها بالنسبة للنساء، إلى جانب الضغوط الاجتماعية، لم تعد نوال ومثلها الكثير من النساء اللاتي تحملن مسؤولية أسرهن، قادرات على تحمل تكاليف السكن والوجبات الأساسية. واضطرت الكثير منهن لبيع ممتلكاتهن، أو إخراج أطفالهن من المدرسة وإرسالهم إلى العمل، أو التسول في الشوارع، أو تناول وجبة واحدة في اليوم، هذه الوجبة، في كثير من الأحيان، ليست سوى صحن فول أو أرز، أو كوب من الشاي مع قطعة خبز، وغالباً ما يحصلن عليها من مخلفات المطاعم.
ليبقى السؤال المطروح دائماً، متى يتوقف القتال، ليتمكن هؤلاء النازحين من العودة إلى منازلهم التي أجبروا على تركها، وتنتهي هذه الحرب، لينتهي معها كابوس النزوح هذا الذي استنزف الكثير من مخزون الكرامة التي لطالما عُرفت بها المرأة اليمنية؟.