صورة نمطية ومعتقد متوارث بأن أصحاب البشرة السوداء لا يستطيعون الوصول إلى ما وصل إليه غيرهم من علم وثقافة وعمل، ولكن بالأمل والإرادة استطاع الشاب محمود كليب البالغ من العمر (29 عاماً) المنتمي إلى فئة الأشد فقراً الملقبين مجتمعياً بـ(المهمشين) أن يخلق تغيراً كبيراً في النظرة السائدة الدونية لهم.
عمل محمود عاملاً في النظافة وهو في الثالثة عشر من عمره وحرص على التوفيق ما بين دراسته، وعمله ففي الصباح الباكر يلبس الزي المدرسي، وفي الظهر يستبدله بزي البلدية (عمال النظافة) ليبدأ بعمله، فعليه أن يشارك في دخل أسرته، ويغطي تكاليف دراسته الثانوية، والجامعية.
من رحم المعاناة يولد الأمل
“معاناتي في الطفولة من عنصرية، وتهميش دفعتني للوصول الى النجاح“، بهذه الكلمات بدأ محمود سرد قصته لمنصتي 30. يقول كليب “واجهت التمييز العنصري منذ طفولتي وكان الكثير من الناس لا ينادونني باسمي ويستخدمون لفظ (خادم) لينادوني به وكانت هذه الكلمة كسهم مسموم في جسدي ولكني لم أجعلها حجرة تعيق طريقي وإنما زادتني إصراراً للكفاح في إثبات الوجود والقدرة على كسر حاجز التهميش، وتمثيل قدوة حسنة للآخرين”.
وبعيون مليئة بدموع الفرح استذكر محمود موقفاً إيجابياً في حياته مثل جانباً مشرقاً لطفولته عوضاً عن الجوانب المظلمة التي عاشها مع العنصرية وفتحت له نافذة جديدة للأمل. يقول كليب: “في إحدى مراحل تعليمي الأساسية لم أمتلك ثمن الزي المدرسي والمستلزمات الدراسية، وقررت وقتها ألا أذهب إلى المدرسة ولكنني فوجئت بأن المعلمين والطلاب جمعوا لي مبلغاً لأشتري به المستلزمات الدراسية وحينها شعرت فعلاً أنني استطعت أن أكون واحداً منهم ولا فرق بيننا”.
مناهضة العنصرية تبدأ بخطوة
التعليم هو السبيل للتخلص من الفقر والتهميش هكذا كان الشعار الذي اختاره كليب هو ومجموعة من قرنائه في مناهضة العنصرية من خلال حث أبنائهم وإخوانهم ومجتمعهم على التعليم، حيث قام محمود وزملاؤه بعمل إعلانات في مناطقهم السكنية بالتكفل بتكاليف أي طالب يريد إكمال دراسته الجامعية، ومن هذه الخطوة بدأت عملية الاندماج مع فئات المجتمع الآخر وإقناعهم بأن هناك من فئة المهمشين المثقف والمتعلم المحامي والطبيب كغيره من فئات المجتمع الأخرى.
وفي حديثنا مع الشاب محمود من داخل منزله المتواضع في باب السبح في صنعاء أكد على أهمية نشر الوعي بين أفراد فئته حول التعليم والتغيير للأفضل، حتى يتقبل وجودهم بين فئات المجتمع الأخرى، مضيفاً “فمتعلم في كل بيت كفيل بأن يغير مجتمع بأسره”.
استطاع الشاب محمود كليب أن يدمج بين أفراد فئته وفئات المجتمع الآخر بقيامه بعدد من المشاريع والفعاليات من ضمنها مشروع التعليم وفعاليات ترفيهية كالمرسم الحر، ورحلات جمعت فئات متعددة بالإضافة إلى مشاركة أطفالهم في برلمان الأطفال.
ويعمل محمود هو وأفراد مبادرته على عمل دوري رياضي يحمل اسمهم، يضم فرقاً من جميع فئات المجتمع للمنافسة في رياضة كرة القدم، وكان الهدف من هذا المشروع نشر ثقافة المساواة والعدالة وإشراك هذه الفئة مع غيرهم من فئات المجتمع لنشر الوعي بمبدأ تقبل الآخر رغم الاختلاف.
يقول محمود لمنصتي 30: “ساهم مشروع المشاركة الرقمية للفئات الأشد فقراً في توسيع الفضاء المدني لدى هذه الفئة، وخلال هذا المشروع تم إيصال أصواتنا إلى المجتمع المحلي والدولي من خلال إنشاء منصة رقمية تفاعلية تحت اسم “أصوات منسية“، وكانت هذه المنصة منبراً حراً تم من خلالها طرح قضايا المهمشين بالإضافة إلى عرض إنجازات القيادات الشبابية والمبادرات المجتمعية والفرص التي يمكن أن يشارك فيها أفراد هذه الفئة.
ويضيف محمود: “هناك أكثر من 100 شخص منا تلقوا التدريب على المشاركة في المجال الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة حديثة وفاعلة في مناصرة قضايا التميز العنصري والتهميش ونشر ثقافة المساواة والعدالة”.
ويختتم محمود كلامه لمنصتي 30 بقوله: “لن نقبل بالعنصرية ولا التهميش، وسنحاول جاهدين أن نلغي العنصرية والتمييز، والمطالبة بقانون يجرم كل من يمارس العنصرية أياً كان نوعها، ويجب أن يعلم الجميع أنه أينما يوجد الظلام يوجد في الجانب الآخر النور، وأينما وجدت التعاسة توجد بالمقابل السعادة، ولكن نحن من يجب أن نبحث عنها ونسعى لكي نصلها”.