تلقي الحرب بأثقالها على جميع اليمنيين، بما في ذلك طالبات المدارس في مدينة الحديدة. لكن هناك أعباء مختلفة تجرعتها طالبات “مجمع الشيماء التربوي للبنات” منذ السنة الأولى للحرب.
خلال شهر أغسطس 2015م، تعرض مجمع الشيماء لعدة غارات جوية دمرت مباني المجمع وأخرجته عن الخدمة.
أكثر من أربعة آلاف طالبة صار عليهن البحث عن مدرسة بديلة، معظمهن من سكان حي غليل الشعبي المعروف بكثافته السكانية المرتفعة، وهو ما فرض على الطالبات الانتقال إلى مدارس أخرى بعيدة جداً عن بيوتهن.
القسم الأكبر من الطالبات تم نقلهن إلى مدرسة 30 نوفمبر التي تبعد حوالي 2 كيلومتر عن مجمع الشيماء تقطعها معظم الطالبات سيراً على الأقدام تحت حرارة الشمس الحارقة، إذ ليس بوسعهن دفع تكاليف المواصلات في ظل تدهور الأوضاع المعيشية بفعل الظروف التي خلقتها الحرب. وقد كان لذلك دور كبير في انقطاع مئات الطالبات عن الدراسة.
الطالبة ليلى ناجي (19 سنة) اضطرت للانتقال إلى مدرسة خولة وهي تبعد حوالي 3 كيلومتر عن منزلها، مسافة تتطلب منها ركوب باص عمومي يختصر لها ثلثي المسافة والوقت.
“أدفع نصف مصروفي اليومي لسائق الباص كي لا أتأخر عن الحصة الأولى، بقية مصروفي أشتري به (سندويتش) أحياناً في المدرسة، وأحياناً أستطيع تحمل الجوع وأوفر المبلغ كي أدفعه أجرة للباص عند العودة للبيت كي لا أضطر للمشي على قدميّ تحت شمس الظهيرة”.
هكذا تختصر ليلى صراعها المعتاد مع خيارات إنفاق مصروفها اليومي الذي يتركه لها والدها العامل بمهنة موظف مبيعات في محل تجاري. وهي تعتبر نفسها سعيدة الحظ، بخلاف كثير من زميلاتها، كون والدها لم يخسر مصدر دخله كبقية الموظفين في القطاع العام.
لا يقتصر الأمر على مشاكل المواصلات ونفقاتها، فالتأثير الذي تركه تدمير مجمع الشيماء له أبعاد أخرى منها تراجع مستوى التحصيل العلمي للطالبات.
تتذكر وفاء عقلان (23 عاماً) تجربتها قائلة: “كنت طالبة في الصف الأول ثانوي حين دُمِّرَت مدرستنا، اضطررت للانتقال إلى مدرسة هائل سعيد القريبة من مقر عمل والدي، لكنني لم أتأقلم بسهولة مع الجو الدراسي بسبب شعوري أني غريبة دون زميلاتي ومدرساتي، وبالكاد استطعت تقبل الواقع الذي فرضته الحرب علينا لأكمل تعليمي”.
أنعام الطيب، معلمة رياضيات في مجمع الشيماء، تصف حادثة تدمير المجمع بأنه كان فاجعة أصابت الجميع، الكادر التدريسي والطالبات، بالحزن والألم. تقول: “تألمت كثيراً لأنني قبل التدريس كنت طالبة أكملت دراستي الثانوية في المجمع. بعد تدميره تم نقل الكادر التدريسي والعاملات ومعظم والطالبات إلى مبنى مدرسة 30 نوفمبر، والتي تبعد عن منزلي 3 كم، وجعلني هذا أتحمل تكاليف وأعباء مالية فوق طاقتي خصوصاً بعد انقطاع الرواتب، وحتى أهالي الطالبات عانوا من مشقة تسجيل بناتهم وتحمل نفقات المواصلات بسبب الأوضاع الاقتصادية”.
عن التأثير النفسي للحرب على الطالبات والعملية التعليمية، تشرح الخبيرة التربوية هند السنحاني الوضع قائلة: “الطالبات بحكم تكوينهن النفسي والانفعالي أكثر تأثراً من الذكور بسبب تنوع وكثافة التأثيرات والضغوط النفسية التي تتعرض لها الطالبات، وهو ما يخلق مشاكل تعليمية وتربوية وتحصيلية بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي لأسرهن وعدم قدرة رب الأسرة على تغطية نفقات أسرته واحتياجاتها المعيشية. كل هذا ينعكس على الحالة النفسية للطالبات مع حرمانهن من حاجاتهن الأساسية التي تتناسب مع مطالب نموهن وطبيعية تكوينهن. مجمل هذه الصراعات والمواجهات تجعل الطالبات فريسة سهلة للوقوع تحت تأثير الضغوط النفسية والشعور بالحزن والحرمان والعجز والخوف من المجهول، وهذا يؤثر على تكوينهن النفسي والمعرفي، وعلى قدراتهن التحصيلية، مما ينعكس سلبياً على مخرجات العملية التعليمية”.
أيضاً، تدمير مجمع الشيماء أثر على بقية مدارس البنات في المدينة من حيث الازدحام وجودة التعليم، والمشاكل الإدارية، كما أثر على المجتمع المحلي بشكل عام، بل إن بعض العائلات قررت النزوح نحو مناطق آمنة خوفاً على حياتهم. أما أسوأ النتائج فهي أن بعض الطالبات تركن التعليم.
تختم أ. هند كلامها باقتراح حلول ممكنة هي: توفير بنية تحتية خاصة بالكادر الإداري والتدريسي للمجمع في مكان قريب من الموقع السابق ليتم تعويض أهالي المنطقة وبناتهم، خاصة في ظل أزمة الوقود وارتفاع تكاليف المواصلات، كما يجب تقديم الدعم النفسي لكل المتأثرين بالواقعة وكذلك تدريب وتأهيل اختصاصيين في التعامل مع حالات اضطراب ما بعد الصدمة الناتجة عن الحرب والقصف.
- تم إنتاج هذه المادة من قبل شبكة صحفيي السلام اليمنيين ومبادرة يمن بيس في إطار نشاط بناة السلام لـ”منصتي 30″.