تعثرت قدم المرأة اليمنية، بعد أن وضعتها على أولى عتبات المستقبل، بالحوار الوطني في العام 2014، الذي أُفشل ونتج عنه واقع مأساوي تشهده البلاد حتى اليوم، لا سيما الحرب التي حطمت الآمال، وصعّدت من وتيرة العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل كبير، ليظهر في الساحة الثقافية اليمنية، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، نماذج من كتّاب ومثقفين، انحازوا لمناصرة المرأة، وساهموا في التقليل من العنف ضدها، الأمر الذي عزز قيماً إيجابية تدعو للتفاؤل، وتبعث على الأمل، بعيداً عن النظرة السائدة للمجتمع، الذي يختطف حقوقها المشروعة، ويحاكمها بعين عوراء، ونظرة أحادية القطب، تميل جلياً نحو الرجل، وتستبعد المرأة، وتعمل على إقصائها في كل مناحي الحياة.
وأثبتت وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، أنها قادرة على تغيير الكثير، سواء للأسوأ أو للأفضل، منها تقديم خطابات معتدلة، تطالب بتغيير واقع المرأة اليمنية، وإثراء الوعي المعرفي، وتسليط الضوء على القضايا المجتمعية.
نخب تساند المرأة
تعد الخطابات المسانِدة للمرأة اليمنية، في منصات التواصل الاجتماعي، مؤثرة بشكل إيجابي إلى حد كبير، ومثمرة أيضاً، حينما يتعلق الأمر بالنسبة للمستقبل.
فهذا الكاتب اليمني فهد سلطان في تصريحه لمنصتي 30 يقول: “كانت المرأة اليمنية قد قطعت شوطاً كبيراً من النضال خلال عقود طويلة، ومع ما حدث في 2014 عادت إلى نقطة الصفر، بل وتحملت أعباء الحرب بشكل مباشر”.
يضيف فيقول: “جزء من التمييز العنصري، يعود للعادات والتقاليد، وكذلك للفهم القاصر للتعاليم الدينية، كما أن البيئة التي تعيش فيها المرأة اليمنية، تمنحها النظرة الدونية، وكلما قل الوعي وارتفعت نسبة الأمية، كانت المرأة، هي أول ضحايا تلك الأوضاع”.
من جانبه يقول الكاتب الأدبي ضياف البراق: “عندما أنظر إلى وضع المرأة اليمنية، ينتابني حزن عميق، وأحس بالخجل الشديد لأجلها؛ فهي مسحوقة دوماً، ويستغلها مجتمعنا الذكوري، استغلالاً قاسياً في جميع الحالات والظروف، ثم يدّعي هذا المجتمع غير الإنساني، بأنه يضع المرأة فوق كل شيء”.
في تصريحه لمنصتي 30 يقول: “الحقيقة أن المرأة لا تعني عندنا شيئاً، ثم إننا أقل عطاءً وصِدقاً منها، هي التي نلقي على كاهلها الكثيرَ من مشكلات حياتنا، وهي تتفوق علينا حتى في التسامح، ولو كنا متسامحين مثلها، لكانت تُمثِّل قيمةً مقدّسة في وطننا، ولكنه وطنٌ ظلاميّ، يُغلِق أبوابَ التقدم والنور في وجهها، ويُردِّد هذه الجملة الفارغة، بحماسٍ كاذب: (المرأة نصف المجتمع)، ولكي تتحرر المرأة من هذه القبضة يجب تفكيك هذه الثقافة الذكورية، وخلخلة هذه الذهنية السائدة المتحجرة المُتسلِّطة؛ ذلك لأن تحرير المرأة، والاعتراف بكامل حقوقها، يقتضي مِنَّا إقناعَ الرجل بأنه ليس كل شيء”.
يضيف فيقول: “إن الحديث عن تحرير المرأة ليس إلا مجرد ترف ثقافي، إنه الآن محض هُراء بلاغيّ بائخ، فالعبث لا تحتاجه المرأة، ولم تستسلم قط، إنها إنسان كريم وصبور ومكافِح، وغداً لا محالة سوف تُحقِّق ذاتها، وتكون مبدعة وقوية وأكثر إشراقاً مما هي الآن، حتى وإن لم يعترف بها المجتمع، والمرأة اليمنية، أكثر كفاحاً، وأكرم عطاءً، وأشد صبراً على المآسي، وهي حزينة أيضاً، ومقموعة ولكنها هي كل شيء، وأساس الحضارة”.
واقع المرأة اليمنية
تعتقد الكثير من الناشطات، أن منشورات وسائل التواصل، لن تفعل شيئاً فيما يتعلق بإعطاء المزيد من الحقوق للنساء، ولكن عندما تقرأها نساء لسن على قدر كبير من الوعي بحقوقهن، يبدأن بالتفكير، وإدراك الظلم الواقع عليهن، لينعكس ذلك على واقعهن.
فيما تقول بعضهن، بأن القانون في اليمن، يعطي مشروعية ويقونن العنف ضد المرأة، كجرائم الشرف التي تمّكن للقاتل من الإفلات من العقاب.
في السياق تقول الناشطة النسوية غيداء محمد، أن “الحديث عن حقوق المرأة، وتمكينها ومساواتها بالرجل في تقلد المناصب، حديث بعيد عن الواقع، فلا وجود للدولة في الوقت الراهن، وسيتأخر في إحداث النتيجة المرجوة، لكنه ضروري للإسهام في تهيئة الوعي المجتمعي، لتقبل التغيير”.
في حديثها لمنصتي 30 تقول: “إن لم تكن مهمة القانون الحد من الجريمة وردعها بشكل صريح وقاطع، فهذا يسهم في انتشار الجريمة وشرعنتها، مواد قانون قضايا الشرف، تقف في صف القاتل لا الضحية، أي القتل تحت مظلة القانون، وقوانين الأحوال الشخصية، تكرّس التمييز الجنسي ضد النساء، وتلغي حقوق المواطنة المتساوية بين الجنسين، بالإضافة لكون العادات والتقاليد تقف دائما بصف الرجل، وتمنحه مزايا على حساب المرأة”.
تضيف فتقول: “إذن لدينا تمييز مجتمعي وقانوني ضد المرأة، لذلك لابد من استمرار خطابات التوعية، وإثارة هذه القضايا الحساسة، لضمان استعادة حقوق المرأة وتمكينها، وستأتي أُكلها ولو بعد حين”.
جذور التمييز العنصري
التمييز العنصري والنظرة الدونية للمرأة، ليس أمراً محصوراً على المجتمع اليمني، ولكنه منتشر على المستوى العالمي، إلا أن ثقافة المجتمع اليمني، تضع المرأة في أسفل دركات السلم الهرمي للمجتمع.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز “ياسر الصلوي” يقول “إن جذور التمييز ضد المرأة، يكمن في الإرث الثقافي الذكوري، هذا الإرث الذي يعطي الرجل مكانة عليا، والمرأة مكانة دنيا، لتكرِس بذلك الممارسات والسلوكيات السائدة في المجتمع”.
ويعتبر أن “صمت النساء اليمنيات يعزز من ثقافة القهر للمرأة، كما أن تفسيرات النصوص الدينية ظلمت المرأة، وزادت من قهرها، والعادات والتقاليد تلعب الدور الكبير في هذا التمييز، وتنحاز للذكور ضد النساء”.
يضيف فيقول: “تغيير ثقافة المجتمع، تحتاج إلى وقت وجهد كبير، لكن هناك بعض الجهات، مثل الدولة والقيادات السياسية، ممكن يكون لها دور كبير في الحد من التمييز ضد المرأة، وذلك حينما يكون لديها وعي، تنتصر من خلاله للمرأة”.
من جانبها تقول صفاء غانم، المذيعة في قناة يمن شباب، أن الحراك الحقوقي النسوي على منصات التواصل، ينتقل إلى أرض الواقع، من خلال الاحتجاج، والمطالبات بالتغيير في أوضاع النساء.
في تصريحها لمنصتي 30 تقول: “إذا كان للقانون اليمني هيبته وإنصافه، فإنه يستطيع أن يكون له القول الفصل، في إيقاف التمييز المبني على النوع الاجتماعي، وتمكين المرأة من حقوقها، التي هي حقوق طبيعية وعادية”.
تضيف فتقول: “القانون اليمني غير منصف، بل إنه يعطي مشروعيته للعنف ضد النساء، وإذا كان في بعض بنوده قد يقف مع المرأة، إلا أن العادات والتقاليد أقوى في سلطتها من القانون”.