لا تنعكس آثار العادات والتقاليد السلبية في المجتمع اليمني، على المرأة وحسب، إذ أنها تطال الرجل الذي ينحاز بمواقفه لأجل المرأة، وبمجرد تبنيه لقضايا عادلة تخصها، فإنه بذلك يكون قد اختلف مع سائد مجتمعي، يتم على إثره مهاجمته بطريقة قاسية، تجعله يدفع الثمن غالياً، وينال المجتمع من كرامته، ويشكك في رجولته، فيكون لهذه السلوكيات الإيجابية تبعات مؤلمة، تهدد نفسيته وسلامه الداخلي، وحتى أمنه الشخصي، حتى يغدو الأمر أشبه بمعركة غير متكافئة بين مجتمع وفرد.
ردود مجتمعية قاسية
يركّز هذا التقرير بشكل خاص، على حكاية المحامي ياسر المليكي، مؤسس حملة “جوازي بلا وصاية” في مدينة تعز، وما تعرض له جراء مواقفه الداعمة والمسانِدة لقضايا المرأة، لاسيما حملته الأخيرة، التي تعرض بسببها للكثير من الأذى، والتهديدات، والقدح، والتشهير، بسبب انحيازه لحقوق مشروعة تخص المرأة.
بدأت فكرة الحملة بذهن المليكي في فبراير 2021، عندما ذهب مع عمته وابنتها إلى مصلحة الجوازات، وما واجههم هناك من عراقيل في استخراج جوازات سفر، إضافة إلى أن ياسر متأكد من عدم وجود مادة في القانون اليمني، تمنع قطع جواز سفر للمرأة.
كما أن الكثير من قصص معاناة النساء، بسبب صعوبة استخراج جواز سفر، جعلت ياسر يفكر بعمل الحملة، وكل ذلك من واقع عمله في الجانب الحقوقي.
في حديثه “لمنصتي 30” يقول: “لقد بدأت ردود الفعل منذ اليوم الأول لإطلاق الحملة، وقتها أصبح وضعي كله استنفار، في البيت، لا أذهب للعمل، وبدأت التهديدات والسب والشتم لي ولعرضي بشكل لا يوصف”.
يضيف فيقول: “في يوم الوقفة الاحتجاجية أمام مبنى الجوازات كانت ردود الأفعال سيئة جداً، كنت واقفاً وبجواري زوجتي وأختي، وعدد من النساء نسمع الشتائم والسباب لي ولعرضي بدون توقف، من المارة وأصحاب الدراجات النارية وأصحاب الباصات، كنت أستحي من زوجتي التي تسمع تلك الكلمات البذيئة”.
يواصل ياسر حديثه: “لقد انعكس هذا الأمر سلباً على نفسيتي وعلى زوجتي وكل أهلي، ومع مرور الوقت واستمرار الشتائم والتجريح والتهديد بالقتل والذبح، كدت أستسلم وأتخلى عن كل شيء”.
“أنت مش رجال، حتى أنت بينهن”، “ثالثكن خواتي”، “ديوث”، هذه الكلمات جزء من العبارات التي كان يطلقها الناس المليكي يوم الوقفة، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، منشورات، وتعليقات وإشارات، كلها هجومية، حتى دخل في حالة من التوتر النفسي، يقول ياسر: “لقد كان أسوأ ما حدث هو أن زوجتي بجواري تسمع وتتابع كل أنواع السباب والشتائم والقذف، وما تشاهده على فيسبوك، والاتصالات التي تردني، كلهم يطلبون مني التوقف، بسبب ما يشاهدونه من الشتائم الموجهة لي ولأسرتي وأهلي”.
رسائل تهديد صريحة وبشكل شخصي يقول: “لقد كانت تهددني الكثير من الأسماء الوهمية، وكثير من الأسماء المعروفة تسبني وتشتمني وتتنمر عليّ، مثقفون وكتّاب مارسوا التنمر ضدي، واتهموني بالدعوة للرذيلة والعهر”.
ولم ينجُ ياسر من حملات التشويه حتى شارك فيها خطباء المساجد في معظم مساجد تعز وحتى كثير من المدن اليمنية، أعدت خطب مختصة بالحملة ويقذفون أصحابها.
نظرة سلبية
توحد المتشددون ضد حملة جوازي بلا وصاية، رغم اختلاف توجهاتهم، ليظهر متشددون من جميع الأطراف.
رئيس قسم علم النفس في جامعة تعز، الدكتور محمد حاتم الدعيس يقول إن تعرض الرجل لآثار سلبية نتيجة مواقفه الداعمة للمرأة، أمر طبيعي، وذلك بسبب الموروث الثقافي الاجتماعي، والنظرة السلبية التي ينظر المجتمع بها للمرأة، وتصويرها على أنها عورة وأقل من الرجل.
في تصريحه “لمنصتي 30” يقول: “في مجتمعنا الرجل الذي يقف مع المرأة، يستحي من مواجهة المجتمع، عندما تشن حملات تشويه ضده، وذلك بسبب نظرة المجتمع السلبية تجاه المرأة”.
يضيف فيقول: “لكي يتحمل الرجل تبعات مواقفه، لابد أن يكون قوياً على مواجهة كل ما يبدر من المجتمع، لأن نظرة المجتمع لن تتغير بسهولة”.
من جانبه يقول شهيم عبد الله إن ردود الأفعال المجتمعية إزاء كل رجلٍ يساند المرأة ويقف إلى جانبها لانتزاع حقوقها، تقول إن غاية ذلك الرجل يسعى لاستغفال المرأة واستغلالها.
في حديثه “لمنصتي 30” يقول: “الكثيرون في مجتمعاتنا ينظرون للمرأة بنظرة بدائية، مجرد “متاع”، سهلة المنال، ومحدودة التفكير “ناقصة”، ويتوجب أن تبقى دوماً تحت وصاية الرجل، وهو من يختار عنها، ويحدد قراراتها”.
يضيف فيقول: “هناك عادات موروثة تضع تسلط الرجل معياراً لمدى رجولته وأخلاقه، لذلك دائماً نلحظ أن الرجل المساند للمرأة، يوصم بالعار أو يقذف بالدناءة، ويصل به الأمر أحياناً إلى التعرض للاعتداء الجسدي”.
عراقيل ومعوقات ثقافية ومجتمعية
تنخفض تنمية المجتمع، حينما يتم تعطيل قدرات المرأة، وكل المبررات التي تتجمع، لا تخرج من مأزق التمييز ضد المرأة، فيتم استبعادها من كل حيز، رغم أنها شريك رئيسي في المجتمع مع الرجل، وهي معادلة واضحة، يجب أن تحظَ المرأة بنفس القيمة التي يحظى بها الرجل.
مدير مركز الإرشاد النفسي بجامعة تعز جمهور الحميدي يقول إن الحديث عن حرية المرأة، حديث مهم، لاسيما في تحديد ومعرفة العراقيل والمعوقات التي تحول دون تحقيق حريتها في المجتمع.
في تصريحه “لمنصتي 30” يقول: “حرية المرأة ليست بمعزل عن حرية الرجل، ومتى ما حصل الرجل على حريته، حصلت المرأة على حريتها”.
يضيف فيقول: “التسلط على المرأة، سلوك يمارسه الذكر لعدم حصوله على الحرية، وهناك حقوق يقابلها واجبات، من خلال إتاحة الفرصة الكاملة للفرد، وللمرأة في ممارسة دورها الاجتماعي وفق قدراتها واحتياجات المجتمع، في فرص متساوية مع الرجل”.
الكاتب عبده تاج يقول إن: “الفرد في المجتمع تغيب عنه التنشئة الفكرية السليمة، فينشأ مُكلّفاً بحراسة تقاليد مشوهة، تتعسف المرأة، ليس عليه أن يطبقها في حياته، بل أن يفرضها على الآخرين بكل أدوات القوة المتاحة له، وبتفويضات مجتمعية، أو تشريعات من الدولة”.