كفاح من أجل الحقوق.. المرأة اليمنية وصراع التنقل والسفر!

في مجتمع يمنح الرجل حريته في التنقل، ماتزال المرأة ضحية إحدى المشكلات المجتمعية التي تنتهك الحقوق الطبيعية للإنسان، وهي مشكلة تقييد حرية التنقل، إذ أن الغالبية العظمى من النساء اليمنيات غير قادرات على السفر بمفردهن، على المستوى المحلي كحد أقصى للتنقل بين المحافظات اليمنية فضلاً عن السفر خارج البلاد، فالأمر يتطلب منهن وجود رجل يرافقهن (محرم)، ليتحملن مضاعفات مادية كبيرة.

كما تشعر بعض النساء اليمنيات بالدونية في غياب الرجل، وذلك تبعاً لثقافة متوارثة تضع النساء في دائرة مفرغة، وغير قادرة على الخروج منها.

معاناة مضاعفة

ابتسام الشرعبي، امرأة في الثلاثين من عمرها، تعيش في إحدى قرى شرعب الرونة (الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله “الحوثيين”)، تعاني من أمراض في العظام، وتحتاج لمراجعة دورية للطبيب كل شهر، داخل مدينة تعز (الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً)، لكنها تتعب كثيراً في الدخول إلى المدينة كل شهر، إذا أنها غير قادرة على السفر إلا بوجود مرافق لها (محرم).

ابتسام في حديتها “لمنصتي 30” تقول: “أتعب كثيراً من موضوع السفر كل شهر إلى تعز، الراكب من شرعب إلى المدينة بـ20 ألف، وأني يالله أوفر حق العلاج، لكن أهلي يمنعوني لو قلت بدخل تعز لوحدي أو حتى مع عوائل من القرية يقولوا لازم يكون معك محرم”.

تضيف وفي عينيها تعب المرض، فتقول: “قال لي الطبيب إن حالتي لازمها متابعة أول بأول لأن عندي التهاب بالعظام وما عندي أحد من أهلي عايش مع أمي وخواتي بالقرية، معي أخ واحد في صنعاء يشتغل، فاضطر أجيب معي ابن أختي، وأجيب له كل المصاريف عشان يرافقني بس، وفوق هذا لو مشغول أجلس أنتظره، رغم إن الدكتور حدد لي مواعيد معينة”.

سكون أحمد ممثلة مبتدئة وطالبة إعلام في تعز، يتيمة الأب ووحيدة أمها، تحكي معاناتها فتقول: “مثلت في فيلم (جوازي بلا وصاية) والذي يحكي معاناة المرأة اليمنية التي لا تستطيع قطع الجواز إذا لم يكن لها محرم، بعد ذلك وجدت فرصة عمل في مسلسل للفنان صلاح الوافي، كان التمثيل في منطقة التربة، أقنعت أمي بذلك، لكنها رفضت بشدة عندما سمعت كلام الناس بالحارة وأنه لا يجوز للبنت أن تخرج خارج المدينة لوحدها”.

تضيف وعيناها مملوءة بالقهر: “ما ذنبي أنا إذا لم يكن لي أخ يأتي معي لكي أحقق أحلامي وطموحاتي؟!”.

ومع ذلك فإن سكون لم تستسلم لواقعها وما تزال تكافح رغم كل الصعوبات والإحباطات التي تعترض طريقها، وتقول إنها لم تتخلَّ عن أحلامها ولو للحظة واحدة، كما أوضحت بأنها معتمدة على نفسها، وقادرة على فعل كل شيء لوحدها.

تختتم سكون حديثها بالقول: “ما أزال أواجه الكثير من التعنيف اللفظي والكلام البذيء، الذي أخجل من قوله، والذي كان يزعلني ويجرحني كثيراً، لكن قويت نفسي وقلت لازم تتغلبي عليهم أنتِ اخترتِ هذا الطريق وتحملي كل ما تواجهينه، بالأخير كلام الناس لا يقدم ولا يؤخر”.

ثقافة المحرم من جانب قانوني

يعيش اليمن حرباً شعواء مستمرة منذ العام 2015، ولم تنجح كل المحاولات دولية لإنهاء الحرب أو تحقيق هدنة لصالح الشعب اليمني، وهذا الفشل انعكس سلباً على حياة المواطن وتضييق الخناق على الشعب من خلال فرض القيود التي تنتقص من الحقوق وتحدّ من الحريات، دون أي تحرك دولي حقيقي لمواجهة هذا الأمر.

المحامية هبة عيدروس تقول إن نشاط النساء الفاعل والمؤثر على الصعيد السياسي والحقوقي والاجتماعي جعل سلطة جماعة أنصار الله (الحوثيون)، تواجهه بحزمة من القرارات والتصرفات القمعية التي تطال حقوق وحريات النساء وفي مقدمتها حرية التنقل المكفولة والمحمية بموجب العهود والمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدستور اليمني وقوانينه المستمدة منه”.

في تصريحها لـ”منصتي 30” تقول إن: “ما تمارسه السلطة السياسية لجماعة أنصار الله هي انتهاكات لحقوق الإنسان وينبغي وقفها ووقف الأضرار التي تلحق بالنساء جراء اشتراط مرافقة رجل من المحارم معهن في كل مرة تريد امرأة السفر داخلياً أو خارجيا بموافقة أسرتها”.

تضيف قائلة: “وإذا رفضت السلطة القائمة ذلك فإن أرادت تطبيق قرارها المخالف للقانون النافذ عليها أن تلتزم بتغطية تكاليف سفر محرم كل امرأة يمنية من وإلى منازلهم”.

وترى هبة عيدروس أن على منظمات المجتمع المدني الحقوقية والإنسانية أن تشكل فريقاً قانونياً للدفاع عن حقوق النساء أمام القضاء وتقديم دعوى/طعن بعدم دستورية القرار الصادر بتقييد حرية التنقل للنساء، وتقديم طلب مستعجل بوقف العمل بالقرار حتى الفصل في الدعوى الدستورية، وفي حالة عدم تصدي القضاء للقرار بتطبيق القانون يمكن اللجوء للمحاكم الدولية.

دور منظمات المجتمع المدني في تعزيز حرية المرأة اليمنية

للحرب الدائرة في البلاد، تأثير كبير على المرأة اليمنية، ومن عدة نواحي، إذ أن المرأة من أكثر الفئات ضعفاً نتيجة التحديات والعقبات التي تقف أمامها، أهمها هو أن المرأة خلال الحرب نازحة أو مهمشة مجتمعياً، كما زاد التضييق خلال الحرب على تحركات المرأة، وتناقص عدد النساء الملتحقات بالتعليم الأساسي والجامعي إثر القوانين التي يفرضها المجتمع عليها.

شائف الجابري استشاري حماية بالمركز المدني لدعم ومناصرة قضايا المرأة، يقول إن فرض الوصاية من قبل الأب أو الأخ على المرأة من العادات والتقاليد التي تساهم في تعنيف المرأة اليمنية.

الجابري في حديثه “لمنصتي 30″، يقول إن: “لمنظمات المجتمع المدني دور كبير في مساندة المرأة، من خلال إقامة الحملات التوعوية، وإشراك النساء في مناصب قيادية بالمؤسسات، وتوفير احتياجاتهن”.

يواصل حديثه فيقول: إن “هناك أساليب تستخدمها المؤسسة لمناصرة المرأة، حيث تشكل 70% من قيادة المؤسسة وإعطاء فرص للنساء لبناء قدراتهن من خلال الترشح لحضور التدريبات وإعداد برامج المناصرة لحقوق النساء”.

الناشطة اليمنية داليا علوان تقول إنه من غير المجدي الحديث عن القيود المجتمعية في ظل وضع غير طبيعي يعيشه اليمن منذ سنوات، لأن الأمر لم يعد قيود مجتمع فقط بل جملة من التعقيدات والعقبات التي تحول دون قدرة المرأة على التنقل.

تضيف: “إذا استطاعت المرأة التنقل وضمنت طريقا آمناً لها فعليها التمسك بحقها في الانتقال والسفر وعدم التنازل تحت أي ضغط مجتمعي، والحقيقة أن العائلة هي المهمة في هذه المعادلة لهذا يمكن أن تلجأ المرأة للحل الأقل كلفة وهو إقناع أهلها، ثم يمكنها اتباع خطوات أخرى على ألا تتعرض سلامتها للخطر”.