بين الفشل والنجاح، جسر صغير يسمى الإرادة، فالنجاح دائماً مرهون بقوتها، حد تعبير غصون حمود، شابة يمنية، في الثلاثينات من عمرها، توصف في محيطها بالفتاة الطموحة، وتتمتع بعزيمة تدفعها باستمرار لتحقيق الكثير من النجاحات.. من ريادتها في العملية التعليمية، إلى دعوتها للسلام من خلال مبادرات شبابية هادفة، وصولاً إلى إغاثة فئة واسعة من المجتمع اليمني، تتمثل بتقديم المساعدة لذوي الإعاقة، وتعد هي واحدة منهم.
في عامها السابع، فقدت غصون حاسة السمع، إثر الإصابة بحمى شوكية، حينها وجدت الصغيرة نفسها حائرة، لا تستطيع التعرف على ما يدور حولها.. وبفعل الإرادة -تعتبرها الحاسة البديلة- تمكنت الفتاة من اجتياز مشوارها التعليمي، بنجاح ساعدها في الوصول إلى المرحلة الجامعية.. عندها التحقت بقسم الصيدلة، لتتخرج بشهادة دبلوم من المعهد الطبي، ثم عملت كمتطوعة في إحدى صيدليات مدينة صنعاء، وبنفس الوقت، تعلمت لغة الإشارة في معهد خاص بالصم والبكم حتى إجادتها، إضافة إلى تميزها بالقراءة والكتابة.
تقول لـ”منصتي 30“: “واجهت صعوبات كثيرة، أولها غياب دور مؤسسات التعليم لرعاية المصابين بالإعاقة السمعية، ودمجهم بالمجتمع، لكن رسمت طريق مستقبلي من جامعة آزال، كونها تحتوي فئة الصم والبكم.. درست قسم العلاج الفيزيائي، تخصص نادر ومطلوب، وحالياً أدرس ماجستير إدارة صحية ومستشفيات”.
من الدراسة الأكاديمية، إلى الحياة العملية، انتقلت الشابة بِهمّة تبحث عن فرصة عمل، وبعد محاولات كثيرة، عملت في المستشفى السعودي الألماني لأربعة أعوام كأخصائية علاج طبيعي.. تفيد: “عملت بإخلاص، وأصبحت واحدة من المبدعات في هذا التخصص، بشهادة المرضى، وكذلك زملاء المهنة، والكادر الطبي بالمستشفى”.. “بعد أربع سنوات من العمل المتواصل، قرأت مقالة عن الوظيفة، وكيف تسرق العمر، فالاكتفاء بها خطأ، والمقابل الذي نحصل عليه، لا يكفي لتحقيق طموحاتنا والرغبات.. كان في داخلي دافع للتغيير”.
تتحدى الإعاقة، وتتخطى معاناتها بقدر كبير من الثقة الممزوجة بالتفاؤل، وبقناعة راسخة تحاول التغيير من حياتها العملية، والخروج من حالة التذمر والخوف من الصعوبات.. توضح: “إعاقتي السمعية، لم تعق أحلامي، فالحياة مسرح كبير، تتيح للجميع فرصة استثمار طاقته الإبداعية للوصول إلى الهدف، وبعون الله، ودعم أسرتي، تجاوزت المعوقات، وبدأت أشق طريقي في العمل بإخلاص وحب كبيرين”.
لجأت الشابة قبل أكثر من عام إلى إنشاء مركز “خطوة عزم” المتخصص في إغاثة المعاقين، بحيث يقدم الخدمات لمختلف المرضى من الجنسين، تتمثل بعلاج الانزلاقات الغضروفية، والإصابات الرياضية، وما بعد الحوادث، والجروح، والحجامة.. كل ذلك، من خلال أجهزة بسيطة، وخبرة عالية بالعلاج الطبيعي.. يومياً تشرف هذه الإخصائية على عدد من الحالات، بل تسعى إلى مساعدة المريض بتدريبه على الحركة، وإعادة تأهيله، مهما كانت الإصابات، وتستعيد ابتسامة الكثيرين، بفضل بساطة تعاملها وإخلاص عملها.
تقول إن مشروع “خطوة عزم” كان بالنسبة لها حلماً تحقق، لإيمانها بفكرة التعاون أولاً، ثم بحثها عن فريق يحبون النجاح، والتجديد بالعمل، وذلك دليل على عزيمتهم الصادقة: “خطوة عزم، يشكل انطلاقة نحو مستقبل يؤمن بالمستحيل، افتتحت هذا المشروع، بتعاون الإخوة المستثمرين، بعد عجز صندوق المعاقين عن مساعدتنا في بناء هذا المشروع الصغير.. علماً بأنه لم يكن مشروعي الخاص، كما روجته وسائل الإعلام، إنما بالشراكة.. فيه تمكنت من مساعدة كثير من المعاقين، وحققت نجاحات وسط مرضى هذه الفئة”.
وتستطرد: “مؤخراً زادت عدد الحالات الوافدة، وكان من الضروري تطوير المركز.. طرحت الفكرة على الفريق؛ انقسموا بين مؤيد ومعارض.. أحدهم قرر تأجيل هذا الأمر، فقدمت استقالتي، تجنباً للعمل بظروف غير مؤهلة، بحيث لا يؤثر على مشوار النجاح، والبحث عن فرصة عمل جديدة”.
معالجة فيزيائية، تساعد “غصون” في تدريب وتأهيل من فقد حركته، أو المهام الوظيفية بجسده، سواء كانت الإعاقة مبكرة أم حديثة.. لها أساليبها الخاصة، تجعل المريض في حالة من التجاوز، والإيمان بالنفس، وتتخذ قصتها مثلاً لتشجيع الآخرين: “أنت قادر، أنت تستطيع.. هذه قاعدتي في الحياة، ما يقارب 90% من المرضى الذين التقيتهم استطاعوا العودة إلى حياتهم الطبيعية، بعد تأهيلهم الحركي والوظيفي، وهذا إنجاز، أشعر بالفخر حينما أروي لهم قصتي، بالقول: “أمامكم فتاة لا تسمع، لكنها تستطيع العمل”.
ريادة وسلام
“أهم نجاحاتي، هو تَقَبُّل إعاقتي السمعية” بهذه المفردات تجيب الفتاة غصون، رداً على سؤال معد التقرير، عن أبرز النجاحات التي حققتها خلال السنوات الماضية.. فتاة تعتز بنفسها، تسلَّمت درع سفير السلام، نتيجة ريادتها في العملية التعليمية، كامرأة حققت حلمها، بدراستها وممارسة أنشطتها، ومبادراتها، بالرغم من الإعاقة.
في حديثها، تشير: “درع السلام، يجعلني أشعر وكأني فتاة حديدية أو امرأة استثنائية، يدفعني للعمل أكثر.. كذلك تكريمي باليوم العالمي للمرأة في مناصرة قضايا المرأة المعاقة، كعنصر فاعل في المجتمع، وتكريم المبدعين من ذوي الإرادة في مؤتمر إفكت.. هذا الأمر بمثابة دافع للتقدم، وبذل المزيد من أجل المجتمع”.
كما شاركت هذه الفتاة، ومازالت تشارك في العديد من المبادرات الشبابية، التي تهدف إلى السلام المجتمعي.. “أن نساهم في إصلاح بلدنا، فذلك أمر مهم.. كان لمبادرة نشر السلام والمحبة بين أوساط مجتمعنا أثر ملموس، فالجميع يحتاج ذلك، خصوصاً في ظل الظروف التي تمر بها البلد.. السلام هو معركة، تتطلب جيوش، وحشود، وخطط وأهداف، معركة ضد مضاعفات الهزيمة، وهذا ما نقوم به.. إضافة إلى أنشطة متعددة أهمها بالتعليم نبني الوطن”.
القريب من حياة الشابة، سيجد غصون ووالدتها رفيقتين في مختلف محطات الحياة.. أمٌ تشارك ابنتها الإنجازات والنجاحات، فخلف كل شخص ناجح أم عظيمة، حد وصف غصون: “تعثرت، وتجاوزنا معاً كل الظروف، نعمل، نكافح، ولن نستسلم”.
تعتقد غصون أن كل شخص ناجح لديه قصة بدايتها مؤلمة، ونهايتها نجاح، كما تؤمن بأن الحياة لا تروق، إلا للمحارب على أحلامه، وأنه من الواجب أن تقاتل من أجل الوصول.. ثلاث قواعد، تستقيم عليها حياة غصون، رابعها العمل المستمر، واستثمار الطاقة الإبداعية، لتكون بصمة في قائمة القادرين على الكفاح، الواصلين إلى النجاح.
وعلى الرغم من أنها عضو فاعل، تقدم الخدمة للمجتمع المحلي، إلا أنها أرادت لقصتها أن تُذَيَّل برسالة إلى مجتمعها اليمني، مفادها إيجابية النظرة تجاه المعاقين، بدلاً من نظرة الشفقة والرحمة.. “نتمنى أن يعاملونا كالأصحاء تماماً، دون تفريق بالتعليم في المجالات التي نرغبها، أو بالعمل في المنشآت والمنظمات الدولية.. نحن قادرون، ولا شيء مستحيل”.