منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب الجارية التي ماتزال تكوي بنيرانها اليمنين في مختلف مناطقهم ظهرت أصوات نسائية في الداخل اليمني وخارجه تدعو لوقف الاقتتال والتخفيف من تداعياته التي كان لها التأثير السلبي على حياة العائلات اليمنية.
تلك الأصوات التي كان لها أصداء مبشرة باستجابة أطراف النزاع في إيجاد حلول جزئية للكثير من التداعيات المأساوية على صعيد المجتمعات المحلية في المناطق التي يقـطن فيها كتعزيز أعمال الإغاثة، والمساهمة في صفقات تبادل الأسرى، ومناصرة حقوق المرأة في زمن الحرب، والمساعدة على إيصال الخدمات العامة للمواطنين،كل تلك المؤشرات شجعت نساء أخريات للخوض في تجربة المساهمة في صناعة السلام.
ومع مرور الأيام وتلمُس نتائج إيجابية على أرض الميدان، أخذت هذه التجربة في التوسع، حتى تم تأطير النساء الداعيات لوقف الحرب والوسيطات بين أطراف النزاع تحت مسميات متعددة منها: التوافق النسوي اليمني، تحالف نساء من أجل السلام، رابطة أمهات المختطفين، القمة النسوية، مؤتمر السلام النسوي لليمن، مبادرة مسار للسلام، مجموعة التسع النسوية، وغيرها من المسميات المنضوية تحت مؤسسات وشبكات وتحالفات نجحن في انتزاع الاعتراف بهن وبأدوارهن على الصعيدين المحلي والدولي.
صفقات لإحلال السلام
تعز وهي المحافظة اليمنية الأكثر تضرراً من الحرب المستعرة، وهي ذات الكثافة السكانية المرتفعة ألقت الحرب بتداعياتها على كافة قاطنيها، وهو الأمر الذي جعل العديد من النساء تكافح من أجل إيقاف الاقتتال فيها والتخفيف من الحصار المفروض عليها، أروى عبدالله الشميري من بين تلك النساء التي كان لها بصمات واضحة في تعزيز السلام والتطرق إلى تخفيف معاناة الناس في مجال فتح الطرقات والتفكير بإيجاد طرق بديلة، والتشجيع على عقد صفقات التبادل بين الأسرى والمعتقلين، بالإضافة إلى جهودها في الضغط على أطراف الصراع من أجل إخراج المسلحين من المدارس في الوقت الذي كان الجميع يتخوف ومازال من الكلام عن بعض المدارس التي تحولت إلى ثكنات عسكرية.
جهود أروى كانت نابعة من المعاناة التي تجرعتها إسوة بباقي نساء تعز اللواتي يضطرن لقطع مسافات شاسعة للانتقال من مدينة تعز إلى قرى ومديريات أخرى تتبع ذات المحافظة بهدف الزيارات العائلية أو لزيارات العمل.
كان ذلك الواقع المأساوي دافعاً لأروى لتتحدث عن المعاناة التي يخلفها الحصار في كثير من المناسبات داخل اليمن وخارجه ضمن جهود فريق من الناشطين والناشطات التابعين لمنظمة CMI.
كما دفع ذلك الواقع أروى ورفيقاتها إلى تقديم مبادرات لأطراف النزاع في تعز لفتح الطرقات، ساعدها في مهمتها العديد من مشائخ القبائل والشخصيات الاجتماعية والاعتبارية في المحافظة، نجحت تلك الجهود في تخفيف القيود التي كانت تفرضها أطراف النزاع على المسافرين، وتوسيع خطوط سير بعض الطرقات.
أروى التي تدير مؤسسة استشارية، كانت تعمل أيضاً على توعية النساء بحقهن في المشاركة في صنع السلام في مناطقهن، وتم اختيارها مدربة في التدريب بمجال السلام من منظمة سيفر وورلد الدولية.
في عام 2017 أسست أروى الشميري في مدينة تعز مبادرة “المرأة سلام“، هدفت من خلالها إلى نشر ثقافة السلام في أوساط النساء، وكان للمبادرة أهداف رئيسية أخرى منها المطالبة بثلاث قضايا رئيسية، وهي إنهاء الحصار على مدينة تعز وفتح الطرقات، و إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والمخفيين قسرياً في السجون السرية.
كانت أروى تعمل بجهد ومثابرة في لفت أنظار المسؤلين في تعز بضرورة إخراج المسلحين من المدارس، ونجحت تلك الجهود في إخراج مسلحين من مدرسة سبأ، ومدارس أخرى.
في ملف الأسرى والمعتقلين، خاضت أروى جولات من الوساطات مع مختلف أطراف النزاع بهدف معرفة أماكن تواجد بعض المعتقلين، وعلى إثر ذلك أسست هي ومجموعه من الناشطين والسياسيين لجنة لمتابعة قضية المخفيين قسرياً في سجون تعز السرية، كانت حينها تنشط هي وأقرانها والمتضررين من تلك السجون من خلال تنظيم الوقفات الاحتجاجية للضغط على أطراف النزاع من أجل الإفراج عن أولئك المخفيين،وبالفعل تم إطلاق سراح بعضهم.
تعرضت أروى الشميري لمضايقات، لكنها رغم ذلك ماتزال تتابع طريقها في الوساطة كما تقول.
في حديثها لـ”منصتي 30” يصف الصحفي محمد العامري، الناشطة السياسية أروى الشميري بأنها طبيبة ماهرة في تشخيص ما يجري في مدينة تعز بدقة وحيادية وشجاعة، ويقول: “الكثير والكثير يؤمن بما تعبر به أروى عبر مواقفها وكتاباتها لكنهم ينقصهم الشجاعة وخوفهم من فقد العلاقات والمصالح”.
إشراك النساء
كانت أروى الشميري تمارس أنشطتها السياسية والطوعية في مجال الوساطات ودعم جهود إحلال السلام في محافظة تعز، بمبادرة فردية منها وتحت مظلة شبكة التضامن النسوي التي أُنشئت عام 2013 لدعم حقوق النساء في الدستور اليمني.
وكانت ناشطات أخريات في ذات الوقت يعملن ضمن كيان مشابه تحت مسمى التوافق النسوي اليمني للأمن والسلام الذي تشغل عضويته أزيد من 60 ناشطة وسياسية وصحفية يمنية وأخريات يعملن في مختلف التخصصات والمهن، بحسب قيادات في التوافق تحدثن لـ”منصتي 30“.
تأسس التوافق النسوي في أكتوبر/تشرين الأول 2015، أي في الأشهر الأولى لاندلاع الحرب في اليمن، وعمل التوافق على صياغة أجندة وطنية للنساء والسلام والأمن، إلى جانب تنفيذه العديد من مبادرات بناء السلام في عدد من المحافظات اليمنية، وتقديم إحاطات بشأن وضع النساء والمجتمع في اليمن خلال فترة الحرب إلى العديد من المؤسسات والهيئات الدولية كمجلس الأمن والأمم المتحدة، لكن الكثير من اليمنيين لم يكن يعرف تلك الأدوار التي أخذ التوافق النسوي على عاتقه بأن يقوم بها، بسبب عدم اهتمام الإعلام المحلي والخارجي بتغطية تلك الأنشطة والمهام.
في حديثها لـ”منصتي 30” تسرد الناشطة والصحفية المنتمية لريف تعز وداد البدوي،كيف أنها اتخذت قراراً بمساندة التوافق النسوي من خلال الكتابة عنه وتغطية أنشطته في الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، إذ تقول: “لم يكن للتوافق النسوي أي حضور إعلامي لأن عضواته كن يخفن من ردود أفعال السلطات الحاكمة، ولأنهن أصبحن يعملن مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، الهيئة التي تنسق لعقد لقاءات مع سفراء ووزراء”.
كان التوافق النسوي الصوت الأول للسلام وحينها كانت أطراف الصراع تعيش فترة من التعصب والتزمت، حيث اعتبروا الدعوة إلى السلام بمثابة خيانة للوطن، في ذلك الحين كانت وداد تقف مع نساء التوافق تدعمهن بالكتابة عن مطالبهن في وقف الحرب وإحلال السلام، ومع مرور الأيام أصبحت وداد عضوة بارزة في التوافق.
بدأت النساء يشتغلن وتلقين هجوماً شرساً من مختلف أطراف النزاع، وكانت المشاركة الأولى لهن في المفاوضات الأولى التي أقيمت في الكويت في التاسع عشر من أبريل/نيسان 2016، حينها ذهبت 7 نساء من التوافق النسوي الى تلك المفاوضات من أجل الضغط على فرض السلام وإشراك النساء في العملية السياسية. كما تقول وداد، وخلال سنوات الحرب الثمانية ماتزال النساء في التوافق وفي غيرها من التشكيلات والمؤسسات والمبادرات النسوية يناضلن من أجل إيقاف الحرب وإحلال السلام.
تهديدات ومضايقات
في تلك الفترة كانت هدى الصراري المحامية والناشطة الحقوقية تكافح من أجل المطالبة بإطلاق سراح المختطفين في السجون التي يتحكم بمفاتيحها مختلف أطراف النزاع في اليمن، وفضح الانتهاكات الممارسة في تلك السجون، وتوجت هدى جهودها هي ومجموعة من الناشطات والحقوقيات بتأسيس رابطة أمهات المختطفين التي عملت على تنظيم مئات الوقفات الاحتجاجية والحملات الإعلامية التي تطالب بإطلاق سراح المعتقلين، رغم تعرض هدى للكثير من المضايقات وصلت إلى تهديدها بالقتل، لكن هدى واجهت تلك التهديدات بمواصلة العمل الحقوقي، وعن ذلك ترى هدى في حديثها لـ”منصتي 30“، بأنه من السهل في المجتمع اليمني استهداف الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان من خلال السب والشتم والقذف بشكل مباشر أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب عدم وجود تشريعات يمنية تحميهن.
وتقول هدى: “حملات الاستهداف للناشطات الحقوقيات في اليمن أخذت طابع تحريضي من خلال إلحاق الأذى بالناشطات وخلق وصمة عار بأسرة الناشطة لثنيها عن نشاطها وعملها خاصة إذا كانت تعمل على رصد وتوثيق الانتهاكات أو تتصدر الدفاع عن النساء المعنفات، وبالطبع فإن ذلك له تأثير نفسي على حياة الناشطة”.
تؤكد هدى أنها وأقرانها ماضية في نشاطها وعملها كون ذلك بحسب وجهة نظرها واجب وطني ومسؤولية أخلاقية تجاه الضحايا.
حصلت المحامية هدى الصراري، في جنيف، على جائزة مارتن إينالز للعام 2020، التي تعتبر من أرقى جوائز حقوق الإنسان في العالم، وذلك تكريماً لها على جهودها في كشف وجود سجون سريّة وعمليات تعذيب في بلدها.
أما الناشطة الحقوقية والصحفية وداد البدوي فقد حصلت على جائزة أطوار بهجت في العراق ضمن تكريم نخبة من الصحفيات الأخريات من الوطن العربي.
وتكللت جهود الناشطة السياسية أروى الشميري بتعيينها عضوة مجلس الحكماء بتعز ونائب رئيس لجنة التعليم هناك. كما تم اختيارها ضمن أهم النساء القياديات في منتدى اليمن.