في اجتماع لفرع الاتحاد العام لنساء اليمن في إحدى المحافظات تم التقاط صورة للتوثيق ونشر الخبر، لكن تلك الصورة كانت مثارًا للسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي وواجهت امتعاض الكثير من الناشطين والمهتمين بتمكين النساء، ويكمن السبب في أن جميع الحاضرين في ذلك الاجتماع المخصص لنساء اليمن لم تكن بينهم أي امرأة، بل جميع المشاركين من الذكور!.
هكذا الحال عمومًا، ففي كثير من المناطق النائية في اليمن، لا تزال التحديات التنموية مرتبطة بعدم إشراك جميع الفئات في عملية صنع القرار، وخصوصًا النساء.
على سبيل المثال، في إحدى القرى، لاحظ السكان تسرّب الفتيات من التعليم، خاصة في المرحلتين الإعدادية والثانوية. ورغم أن المجلس المحلي خصّص ميزانية لبناء مدرسة وتوفير معلمات، إلا أن النتائج لم تكن كما هو متوقع. هذا التسرّب لم يكن مجرد رقم؛ بل كان له أثر طويل الأمد على حياة الفتيات ومستوى تعليم أبنائهن، وأدى إلى تفاقم الفجوة في الوصول إلى خدمات حيوية تقدمها النساء، مثل الرعاية الصحية.
لكن لماذا لم يحقق هذا المشروع أهدافه؟ للإجابة على هذا التساؤل، دعونا نستعرض أمثلة أخرى تتطابق في أسبابها مع ما حدث من تسرب للفتيات من التعليم ثم نعود لنكشف السبب بعدها.
في قرية أخرى، أقرّ المجلس المحلي مشروعًا لشق طريق يصل إلى رأس الجبل حيث يقع منزل عضو في البرلمان. رغم أن هذا المشروع تم تمويله ضمن موازنة التنمية المحلية؛ إلا أنه تجاهل احتياجات السكان الحقيقية. كان يمكن استثمار هذه الأموال في مشاريع أكثر إلحاحًا وتستفيد منها أكبر شريحة من المجتمع، مثل إنشاء مراكز صحية أو تحسين شبكة المياه، ولكن غياب النساء والشباب وغيرهم من الفئات عن دوائر صنع القرار أدى إلى انحياز القرارات لمصالح فردية بدلًا من تلبية احتياجات المجتمع بأكمله.
وفي منطقة ثالثة، قرر المسؤولون إنشاء مدرسة خاصة للفتيات بهدف تعزيز فرصهن في التعليم. على الورق، يبدو هذا القرار مثاليًا، لكنه لم ينجح على أرض الواقع. نسبة التسجيل كانت ضئيلة جدًا، وسرعان ما تسربت الفتيات بسبب مسؤولياتهن المنزلية مثل جلب الماء من البئر أو جمع الحطب. هذه المسؤوليات كانت تتطلب منهن ساعات طويلة يوميًا، مما جعل التعليم خيارًا ثانويًا. كان يمكن تجنب هذا الوضع لو تمت استشارة النساء أثناء التخطيط لتحديد الأولويات الحقيقية.
إشراك المرأة في مراكز صنع القرار في المدن كذلك يُعد أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق تنمية حضرية شاملة. ففي المدن، تواجه المرأة تحديات متعلقة بالإسكان، والنقل العام، والصحة، وفرص العمل.
غياب النساء عن عملية صنع القرار لم يؤثر فقط على تنفيذ المشاريع، بل أدى إلى تضييع فرص تنموية حقيقية. فمثلًا، في القصة الأولى، كان بناء المدرسة بجوار سوق شعبي سبب رئيسي لتسرب الفتيات. هذا الموقع أثار حفيظة العائلات التي خشيت على بناتها من المرور اليومي أمام الرجال في السوق، مما دفعها إلى منع الفتيات من مواصلة التعليم. لو كانت النساء جزءًا من عملية التخطيط، لاقترحن مواقع بديلة أكثر أمانًا للمدرسة، ما كان سيضمن استمرار تعليم الفتيات.
مشاركة المرأة في صنع القرار ليست فقط قضية حقوقية، بل هي أيضًا قضية عملية. المرأة اليمنية، بحكم دورها المحوري في الأسرة والمجتمع، تمتلك فهمًا عميقًا لاحتياجات المجتمع الحقيقية. إذا كانت النساء شريكات في التخطيط، فإنهن يمكن أن يقدمن حلولًا مبتكرة وقابلة للتطبيق، مثل تحسين خدمات الصحة، والتعليم، والمياه.
تجارب دولية عديدة تثبت أهمية تمثيل النساء في مراكز القيادة. في رواندا، مثلًا، حيث تمثل النساء أكثر من 60% من أعضاء البرلمان، أدت هذه المشاركة إلى تغييرات إيجابية كبيرة في مجالات الصحة، والتعليم، وتمكين المرأة اقتصاديًا. هذه الأمثلة توضح أن تمكين النساء ينعكس إيجابًا على التنمية الشاملة.
كذلك النساء العاملات في منظمات المجتمع المدني والناشطات المدنيات ورائدات الأعمال استطعن أن يثبتن للمجتمع مدى النجاح والأثر الإيجابي الذي يمكن لهن أن يحققنه، النماذج كثيرة جدًا، وحصلت الكثير منهم على جوائز محلية وعالمية تقديرًا وإبرازًا لجهودهن ومنهن على سبيل المثال لا الحصر سميرة عبيد، وتوكل كرمان، وأفراح با دويلان، وعلا الأغبري وسمية الحسام، وهدى الصراري، ورضية المتوكل.
تعزيز مشاركة النساء في مراكز صنع القرار ليس رفاهية ولا خيارًا جانبيًا، بل هو ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة. فالمرأة ليست فقط متلقية للخدمات، بل هي أيضًا شريكة في تقديم الحلول.
واقع مشاركة النساء في اليمن مؤسف، وبحاجة لأن يتكاتف الجميع لتغييره للأفضل، ففي تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي صادر عام 2023 بعنوان: “المرأة اليمنية: الريادة نحو المستقبل”، ذُكر أن “نسبة وصول النساء والفتيات إلى التعليم 35 في المائة، ولا يحصلن سوى 6 في المائة على فرص عمل مدفوعة الأجر. غالباً ما يكون صوت النساء محدوداً ولا وجود ملحوظ لهن على طاولة صنع القرار ، حيث يشكلن 4.1 في المائة فقط من المناصب الإدارية ومناصب صنع القرار في اليمن”.
الخلاصة أن بلدنا بحاجة إلى سياسات وإجراءات تضمن تمثيل النساء في مواقع القيادة، والمسؤولية كذلك تشمل الإعلاميين والمثقفين والمعلمين وجميع المؤثرين للمساهمة في تمكين النساء. فإذا أردنا تحقيق تنمية شاملة وعدالة اجتماعية، فلا يمكننا تجاهل نصف المجتمع. دعونا نعمل معًا على منح النساء اليمنيات الفرصة للمشاركة بفاعلية في بناء مستقبل أفضل، لأن التنمية الحقيقية تبدأ من إشراك الجميع، دون استثناء.
- هذا المقال أحد المقالات المرشحة ضمن “القائمة القصيرة” في مسابقة “المقال” ضمن أنشطة حملة “مشاركة النساء في مراكز صنع القرار بالسلطة المحلية” التي نظمتها منصتي 30 للعام 2024.