“الأزياء الشعبية.. شغف، وساحة عمل لي ولنساء أخريات” بهذه الكلمات بدأت بلقيس الهلالي حديثها معنا..
جدارية قديمة نحتت على واجهة صخرة في أقصى الريف الغربي لمدينة تعز، تستمد جمالية التراث من إرث أسلافها منذ أن رافقت جدتها لأبيها وهي ما تزال طفلة، الجدة التي كانت آنذاك من أكثر الناس اهتماماً بالزي الشعبي، في منطقة جبل حبشي، غربي تعز.
شغف استأثر روح بلقيس، تحول إلى اهتمام ذاتي، وتطور مع تقادم الأيام إلى أفكار تبلورت ثم تُرجمت إلى مشروع صغير يعنى بالملبوسات التراثية هكذا كانت البداية، لكن اليوم وبعد مرور ثلاثة أعوام فقد صار المشروع نسوياً خالصاً، كما تقول.
تصاميم يدوية
في أول أشهر العمل، كانت بلقيس تعتمد على مجموعة نساء يعملن في محلات خاصة بخياطة الأقمشة، وذلك من أجل توفير تصاميم يدوية مقابل أجور مناسبة، لكنها وجدت هذا التعامل أكثر شتاتاً وأكبر تكلفة من حيث الإنتاج، والتوصيل، لذا فضلت مؤخراً الجمع بين مكان خياطة وتطريز الملابس التراثية، ومكان عرضها، إذ سعت إلى توسيع مشروعها، حيث خصصت الجزء الأمامي من المحل للبيع وعرض الأزياء، خلفه نساء يشتغلن بشكل يومي على حياكة التصاميم حسب الطلب و يسميّ بـ”المشغل”.
أربع ماكينات خياطة تعمل عليها أيادي نسوية، تحترف مهنة التطريز، وتجيد الحياكة والصناعة المحلية للأزياء التقليدية الخاصة بالنساء وصغار الفتيات، تتنوع بين (الزنان، والمقارم، والفساتين التراثية) والتي تختلف بحسب المناطق والأرياف، إضافة إلى بعض ملبوسات العرسان، واحتفاءات التراث.
أزياء تراثية قديمة
الزي الصبري واحد من أهم انتاجات هذه الكوكبة النسائية، وذلك لأنه يعد أيقونة تعز، يمثلها في المحافل والمناسبات، تعمل النساء على حياكته بأنواع مختلفة، يجري التمييز بينها وفقاً للشكل والنقشات، وغيره كثير من الأزياء التي تعبر عن مناطق معينة من تعز.
توضح بلقيس لـ”منصتي 30″: “تتعدد الأزياء بحسب المناطق، لدي زي عمره خمسين سنة خاص بنساء جبل حبشي، كذلك زي بني شيبة، والذي يعتبر من أصعب أنواع الحياكة، يجري حياكته باليد دون تدخل ماكينة الخياطة، ونحاول التنوع في إنتاج أزياء أصيلة كما كانت قديماً”.
وتؤكد أن العمل الجماعي من خلال العاملات خفف قسطاً من الضغط المالي، وسهل التعامل بينها وبين هواة هذا الصنف من الملابس، وبالرغم من ذلك لم تقطع علاقتها بالأسر الفقيرة التي تقتات على صناعة هذه الأزياء.
يوفر هذا المشغل مساحة واسعة للمرأة في سوق العمل، تستطيع من خلاله رفع مستوى الدخل لدى العاملات، وتفعيل الدورة الاقتصادية بين المجتمع، وتحقيق التنمية المستدامة، فالعمل في مجال الخياطة يساهم في حصول المرأة على دخل مستقل، قد يساعدها في توفير احتياجات أسرتها والتخفيف من النفقات.
مدرسة تراثية
تتردد النساء عادة لمشغلها، إما بحثاً عن فرصة عمل، أو الالتحاق بدورات تأهيلية تعزز من قدرات المرأة، وتمكنها من إيجاد مكان للعمل.
نجود أحمد، (27 عاماً)، التحقت بالتدريب على الخياطة والتطريز، وإنتاج الأقمشة التراثية، وتسويقها في محال البيع.. توضح في حديثها أنها تعلمت فنون ومهارات الخياطة، وتفصيل الأزياء الشعبية من خلال استخدام ماكينة الخياطة، وغيرها من الأدوات المتعلقة بهذا المجال.. اليوم صارت قادرة على إنتاج ملابس النساء والأطفال، لكن ما زالت تسعى للحصول على ماكينة خياطة لبدء عملها الخاص، وتحسين وضع أسرتها.
امتداد تاريخي
من معمل للخياطة إلى مدرسة لتعليم الشابات، والراغبات في تَعَلّم أسرار هذه المهنة، بل وميداناً مفتوحاً لتبادل الخبرات، إلا أنه يهدف إلى المحافظة على الموروث الشعبي بدافع من مالكة المشروع، والتي تعتبر اللباس التقليدي جزءاً من حياتها الشخصية، وامتداداً تاريخياً للمدينة، وهويتها الثقافية.
وتشير الهلالي إلى أن مشروعها يجسد الهوية باعتباره نابع من حب التراث والانتماء إليه، يحافظ على ديمومة الأزياء خصوصاً وأن تعز غنية بالموروث والملبوسات التراثية، والأزياء الفلكلورية التي تشكل حلقة وصل بين الماضي والحاضر.
على الرغم من الحداثة التي صاحبتها تبدلات في الملبس، ما تزال الأزياء الشعبية في تعز محل إقبال المهتمين باللبس التقليدي، لكن ما يعيب هذه الفئة أن أشخاصها قليلون مقارنة بالمجتمع التعزي ككل الأمر الذي يثير مخاوف اندثاره.
وبحسب المعلومات فإن أزياء كثيرة تراجع حضورها، نتيجة انصراف الناس إلى الملابس التي تواكب الحداثة وشراء الجديد في الأسواق، ومن زاوية أخرى متأثراً بالعادات العصرية التي تحول بين الشخص وماضيه وثقافته، لكن ثمة من يرون أن عودة التكتلات النسوية إلى الواجهة بمشاريع صغيرة، تزيد من إنتاجية الأزياء التراثية، أما التسويق الجيد فقد يعيد لهذه الملبوسات كرامتها، وقيمتها الثقافية والمجتمعية، فيما يعتقد البعض أن التجديد ومزج الحداثة بالتراث، طريقاً لبقاء الأخير.
جميل جدا