نساء من تعز بالزي الشعبي في مهرجان للتراث بعدن
article comment count is: 7

أزياء اليمنيات.. من التنوع إلى اللون الواحد

تشكل الملابس جانباً من الهوية الثقافية لأي مجتمع، وجزءً لا يتجزأ من التراث اللامادي، ويمكن القول إن ثمة محددات عدة لها الدور الأساس في تنميط وتحديد الملابس في أي مجتمع، أولها المنطقة الجغرافية، والطقس وما يفرضه على الملابس طولاً وسماكة واتساعاً وعدد القطع، إضافة للمحددات الاجتماعية والدينية والاقتصادية والحضارية.

وفي اليمن ما تزال ملابس الرجال التقليدية علامة على المنطقة الجغرافية ونستطيع بسهولة أن نخمن منطقة هذا الرجل أو ذاك.

وإلى فترة قريبة قد لا تتجاوز بضعة عقود من الزمن كان من الممكن تحديد المنطقة التي تنتمي لها هذه السيدة أو تلك من ملابسها التي ترتديها خارج المنزل، فترتدي المرأة العدنية خارج منزلها الشيذر ومن تحته الدرع والفوطة، وتظهر الصنعانية في الحي أو السوق بستارتها ذات الألوان البهيجة، وتنزل نساء صبر من قراهن لبيع المحاصيل الزراعية مرتديات القميص الصبري المطرز، متزينات ببعض الفضة والنباتات العطرية تجاور آذانهن، وفي إب ترتدي النساء ما كان يسمى بالفوطة والقميص الذي يتميز بأكمامه الطويلة الواسعة والتي تقوم بطيها وربطها خلف رقبتها لتتمكن من العمل كما تقوم بحمل مشترياتها داخل كم القميص وتمسك طرف الكم بأصابعها بتحكم ومهارة، والقميص الواسع يصبح في حضرموت ثوباً يُلبس عليه حزام حضرمي قد يكون من الفضة ويتميز الثوب بذيل من الخلف ويكون من الأمام أقصر قليلاً حتى لا تتعثر المرأة.

تم النشر بواسطة ‏عبدالرحمن الغابري‏ في الأربعاء، ٢ يناير ٢٠١٩

 

وستصادفنا أسماء كثيرة للأزياء النسائية في كل منطقة ففي تعز مثلاً هناك: عرج النخلة والحجرية ورجل الحمامة والمدرجات، وسلاسل المطر، وغرز الرياحين، ولكل منطقة أزياؤها وتصميماتها ومسمياتها، وألونها البهية المبهجة، وهكذا حيثما يممت وجهك تستطيع تمييز المنطقة التي تنتمي لها كل امرأة من ملابسها التي ترتديها، في الجبل أو الساحل أو الصحراء بانوراما من الجمال والتنوع والألوان صمدت لقرونٍ وكانت آية في الاحتشام والأناقة والتميز والخصوصية.

سائحات بجانب يمنية من تعز باللباس الشعبي – Shutterstock

من الطبيعي أن تحتفظ الشعوب بهويتها الثقافية والتي من ضمنها ما يميزها من ملابس، ومن الطبيعي أيضاً أن تتجه إلى النسق العصري في الأزياء مع الحفاظ على الخصوصية المجتمعية والثقافية والدينية، لكن من غير الطبيعي أن تتحول الألوان إلى لون واحد!

 إذن، ما الأصل؟، وكيف حل اللون الواحد محل التنوع والألوان؟

كانت البداية بالشرشف الأسود المكون من قطعتين: تنورة تُلبس من الخصر وقطعة تُلبس من فوق الرأس تسمى بالجناح ويغطى الوجه باللثام والمغمق. وتُجمع أغلب القراءات أن هذا الزي انتشر بتأثير تواجد الاحتلال العثماني، وقد تم إدخال تعديلات على تصميمه وطوله بمرور الوقت.

نساء يمنيات باللباس الأسود في صنعاء – AP

ظل الشرشف لباس خارج المنزل لنساء العديد من المدن لسنوات طويلة، وفي أواخر الثمانينيات من القرن العشرين بدأت النساء لبس العباءة أو البالطو مع الطرحة والبرقع واعتبر ذلك تمرد على الشرشف، لكن سرعان ما أصبح هو السائد حتى أن أطرافاً دينية أضافت الجلباب لينتشر بشكل واسع ويصل إلى مناطق لم يكن النقاب من لباس نسائها كمحافظة عدن، وتدريجياً أصبحنا نحكم على الانتماء السياسي والحزبي الديني للمرأة من العباءة أو البالطو والجلباب الذي ترتديه خارج المنزل، وخلال فترة وجيزة طغت العباءة أو البالطو الأسود على كل ملابس الخروج للنساء في المدن اليمنية، ثم زحف تدريجياً إلى الريف حتى أصبح اللون السائد.

وقليلات من يظهرن في المجتمع ومقرات العمل بملابس عصرية ولا يسلمن من اللوم والانتقاد والهجوم أيضاً.

قدم محمد منصور عوض باعليان -أستاذ آثار وحضارة اليمن بجامعة عدن- في كتابه (الملابس في اليمن القديم دراسة من خلال التماثيل والآثار) وصفاً لشكل ملابس النساء من خلال دراسة التماثيل والأثار للممالك اليمنية القديمة بدءاً بحضارة معين وحمير وقتبان وأوسان فيقول: “يتألف الثوب النسائي عادةً إما من قطعة قماش واحدة تستر البدن من الرقبة حتى أعلى القدمين، أو من قطعتين تستر بهما المرأة جسمها بطرق مختلفة، فإما أن يكون اللباس عبارة عن ثوب طويل تعلوه عباءة تلتف على البدن، أوقد يتكون الثوب من قطعتي قماش إحداهما تستر أعلى الجسم حتى الخصر والأخرى تستر الجزء السفلي منه، وتلتحمان أو تلتقيان على منطقة الخصر، إضافة إلى ذلك  هناك عناصر مكملة لرداء المرأة، كأغطية الرأس والحلي والنعال”. وتَظهر الزخارف والنقوش الأثرية في ملابس النساء والتي ما زالت ملامحها في الأزياء التقليدية حتى اليوم.

عروسة من محافظة شبوة
الصورة فيلم نيقاتيف عام ١٩٩٥م

تم النشر بواسطة ‏عبدالرحمن الغابري‏ في الجمعة، ٨ مارس ٢٠١٩

 

كما قدم الألماني (نيبور) وهو أقدم الرحالة الأوروبيين في الجزيرة العربية وصفاً تفصيلياً لجغرافيا وتاريخ ومجتمعات العرب قبل قرنين ونصف، وقد طالت فترة بقائه في اليمن فزار صنعاء وبيت الفقيه وأبو عريش، ويظهر في أحد مؤلفاته رسم تخطيطي لامرأة تهامية ترتدي القميص ذي الأكمام الواسعة والسروال المطرز في أطرافه.

نساء بملابس تهامية في مهرجان للتراث بعدن – منصتي 30

لم يكن اللون الواحد هو الأصل بل كان هو الدخيل على التنوع.

في فترات التحول الاجتماعي يحدث التغيير، لكن تظل هناك فترات مراوحة تستغرق وقتاً أطول، وتظل الحقيقة التاريخية الموثقة أن أزياء اليمنيات ليست لوناً واحداً، وأن ذلك الثراء والتنوع هو الأصل، وهو تراث ينبغي دراسته وتوثيقه والحفاظ عليه.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (7)

  1. فعلا يجب على اليمنيات أن يعودن إلى الملابس التراثية قد لاتكون هذه الملابس هي تراثية فقط وقد يطفئ على ملابسهن بعد الحداثة

  2. كثيره هي عاداتنا وتقاليدنا
    وموروثنا الشعبي المتنوع والنادر من كل النواحي
    فلكل منطقه تشتهر بلباسها المميز بحيث انك لو شاهدت هذا الزي تعرفت علي هوية اللابس من خلال ملابسه فمثلا عندنا في تعز بصبر من اول نظره تعرف انها صبريه بلباسها التقليدي الاسود المطرز والمقرمه المشجر

  3. اتمنى ان نعود للبسنا القديم ؛ كي نعمل على اعاده احياء التراث اليمني الذي نعتز ونفتخر فيه .