ارتبط الفنانون بالطبيعة والاستلهام منها للتعبير عمّا بداخلهم من مشاعر، لم يقتصر الأمر على ذلك بل كانوا على مقربة من القضايا المتعلقة بالناس وحياتهم، لذلك يعد الفنانون أدوات للتعبير والتغيير والمناصرة للقضايا الحساسة ذات الأولوية في كل زمان ومكان. إلا أن الطبيعة التي ارتبط بها الفنانون تحدق بها اليوم مخاطر كثيرة منها أزمة المناخ والتغيرات البيئية التي لعبت دوراً في تدهور التنوع البيولوجي، نتج عن ذلك تغيير النظم الإيكولوجية البحرية والبرية والمياه العذبة في العالم أجمع.
وعي المجتمع المحلي
ما يزال وعي اليمنيين بالتغيرات المناخية والتلوث البيئي ضعيف، ربما بسبب وقائع الحرب والدمار، التي ألقت بظلها على أوجه الحياة والاهتمامات، إذ يجهل الكثيرون المخاطر المترتبة عن التغيرات المناخية رغم أنهم يتأثرون بها، من احتباس حراري وكوارث وفيضانات ما يؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي المحلي وينعكس على الحالة الاقتصادية العامة.
في الآونة الأخيرة ظهرت حلول ولو كانت ذات تأثير محدود، إلا أنها ترمي حجراً في مياه الوعي المحلي الساكنة، هذه الحلول يقودها فنانات وفنانون محليون يستخدمون الفن في مناصرة قضايا المناخ والبيئة، من خلال تقديم أعمال فنية عن طريق إعادة تدوير النفايات، ويقصد بذلك عملية تحويل النفايات إلى مواد جديدة ذات قيمة.
فن أخضر
مشروع “فن أخضر” في حضرموت أحد المشاريع التي نفذها منتدى آرت مكس الفني في مارس 2023 بتمويل مشترك من الاتحاد الأوروبي ومعهد جوته كمساحة لحالة إبداع يمنية.
هدف المشروع إلى تفعيل دور الفنانات التشكيليات في حماية البيئة المحلية ومعالجة التلوث البيئي من خلال توظيف المواد الخام ومخلفات البيئة وإدخالها في إنتاج أعمال فنية ذات قيمة جمالية بما يحقق للفنان الاكتفاء الذاتي واستدامة أعماله.
استهدف المشروع 39 فنانة تشكيلية من ثلاث مديريات في وادي حضرموت وهي سيئون والقطن وشبام. تقول الفنانة التشكيلية ومديرة المشروع “منال صالح” إن «مشروع فن أخضر يعد الأول من نوعه في اليمن، ويسعى إلى تمكين وتأهيل الفنانات وإكسابهن المهارات الأساسية لصنع أعمال فنية صديقة للبيئة، عبر تدوير بعض المخلفات وإعادة استخدامها أو استخدام المواد الطبيعية في تكوين اللوحات الفنية»، وتضيف: «المشروع يتكون من ثلاث مراحل.. مرحلة تدريب الفنانات، مرحلة إنتاج الأعمال الفنية، والمرحلة الأخيرة عبارة عن معرض لعرض الأعمال الفنية».
لا تقتصر أهمية مشروع “فن أخضر” على إعادة تدوير النفايات فحسب، بل بناء ثقافة إيجابية تمنع هدر المواد المفيدة المحتملة، وتقلل من استهلاك المواد الخام، إضافة إلى رفع وعي المجتمع المحلي بضرورة المحافظة على البيئة، ومعرفة مخاطر التلوث البيئي والتغيرات المناخية.
وتشير مديرة المشروع الى أن “المشاركين استطاعوا إنتاج ألواح كانفس من البيئة المحلية من خلال تدوير بعض الأقمشة والأخشاب التي يمكن رميها دون الاستفادة منها وذلك بدل شرائها بأسعار مرتفعة”.
إلى جانب ذلك تقول منال صالح ” الفنانات اكتسبن مهارات في صناعة فرشاة الرسم من تدوير بقايا الفرشات القديمة بعد عملية تنظيفها أو صنعها محلياً، من مخلفات المباني”، وتضيف: ” تم إنتاج ألوان الأكريليك من البيئة نفسها مثل نوع من التراب يسمى الحامورة أو أوراق النبات مثل الهرد والورس وأنواع أخرى، وأيضاً من ألوان الطعام التي انتهت صلاحيتها”، مشيرة إلى أن “الفنانات استطعن خلال التدريب إنتاج مادة الصمغ والغراء القوي من شجر السيسبان الذي يغطي مساحات من محافظة حضرموت، وغالبية الناس لا يستفيدون منه بل يقومون بحرقه والقليل يتم تقديمه كأعلاف للأغنام”.
الفنانة “منال بافطيم” إحدى المتدربات في مشروع “فن أخضر” تقول: “أحدث المشروع بعض التغييرات الإيجابية في أسلوب الرسم الخاص بي والطريقة التي أوظف فيها بعض خامات البيئة في لوحاتي، وأصبحت لوحاتي معبرة أكثر من قبل، وتعاملت مع الألوان المصنوعة محلياً حيث إني لم أكن أستخدمها من قبل في رسم اللوحات”.
كان أحد مخرجات المشروع معرض يحتوي على أكثر من 80 لوحة وعمل فني من أعمال المشاركات في مشروع “فن أخضر“، المعرض شهده جمهور واسع من المواطنين المحليين ليتعرفوا على اللوحات التشكيلية، ويكتسبوا وعياً بأهمية تدوير المخلفات وتوظيف المواد من البيئة المحلية في إنشاء المشروعات الذاتية.
تقول الفنانة “منال بافطيم” بفرحة ظاهرة: “الزوار كانوا سعيدين ومبهورين بعدد اللوحات التي استخرجناها ووظفنا فيها خامات البيئة، والإبداع الذي كانت اللوحات تنبض به، إضافة إلى الأفكار الكثيرة التي خلقناها في اللوحات.. كانوا سعيدين بما رأوه وفخورين بنا”.
أما عن تأثير تجربة مشروع فن أخضر والحلول التي شاركها مع بعض مسؤولي السلطة والجمهور المحلي المشاركين في المعرض الختامي تقول الفنانة “نسرين برك” حول هذا التأثير إن «بعض الجهات منها الحكومية، أبدوا تفاعلهم مع المشروع للعمل على توسيع نطاق تأثير حلول المشروع في مناطق أخرى مثل عرض الأعمال الفنية الصديقة للبيئة على المستشفيات والأماكن العامة لتزيينها والتوعية بأن المواد المستخدمة في هذه الأعمال الفنية هي من البيئة المحيطة ومعاد تدويرها من أجل زيادة المدارك البيئية للمجتمع».
وتضيف نسرين: «ما زال مشروع فن أخضر بعد اختتامه له أثر على كل المشاركات في التدريب بحيث أن مكّنهن من استخدام هذا النوع من الفن في تقديم الأعمال الفنية الخضراء للمدارس حتى تعمم وتوسع فكرة استخدام المخلفات البيئية وإعادة تدوير المواد لإنتاج مواد ذات قيمة والحفاظ على البيئة المحلية».
إطارات السيارات صديقة للبيئة
الفنان سفيان نعمان الذي يقيم في صنعاء يقوم هناك باستثمار الإطارات التالفة المضرة للبيئة ويحولها إلى أشياء صديقة لها.
حيث يقوم الكثيرون بإحراقها فتنبعث منها غازات وأبخرة مضرة بالبيئة، وحياة الناس أنفسهم.
يعمل نعمان على تحويل تلك الإطارات إلى منتجات ذات أهمية كالكراسي والطاولات والمزهريات والمجسمات الجمالية وألعاب الأطفال.
تبدو هذه الحلول التي يقودها الفنانون في إعادة تدوير المواد التالفة وخلق وعي لدى المواطنين بأهمية المحافظة على البيئة محدودة جداً، ذلك أن الأمر ما يزال في بداياته. إضافة إلى شحة دعم المشاريع الفنية في مجال “الفن الأخضر“.
“يمكن لتكاتف الجهود المحلية من القطاعين العام والخاص توسيع نطاق تدوير المخلفات وإنتاج مواد جديدة تستخدم مرة أخرى. كما يمكن لزيادة الدعم الموجه نحو الفنانين وأدواتهم الفنية مثل الرسومات والصور الفوتوغرافية والموسيقى والأفلام، أن تكون شيئاً له أثره في توسيع دائرة توعية الجمهور، وإدراك المخاطر والعمل على تعزيز اخضرار الطبيعة والاهتمام بها”.. يقول فنانون ومواطنون.
- تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.
المرأة لها إحترامها في كل دور لكن عندنا في اليمن ما يسمحوا لها برأي ولو حتى واحد وإذا تدخلت المرأة في الصراعات التي تحدث في اليمن برأئ ستحل جميع المشاكل وشكرا