الفضاء العام المرأة جوائز حكم نظام
article comment count is: 0

وضع المرأة كمعيار للفضاء العام!

النساء لسن نصف المجتمع فحسب، بل مرآة للفضاء العام برمته، فمن خلال وضع المرأة بالإمكان قياس المستوى الذي وصل إليه بلد ما، ويتم أخذ المرأة كمعيار للتقدم، والتراجع، فكلما عشن النساء فترة سيئة، دل على أزمة في الظرف العام، بينما التحسن الذي يجري على الدول، ينعكس على المرأة وحياتها، قبل كل شيء، بل وأبعد من ذلك، عند تناول حقبة محددة من تاريخ البلدان، تصبح المرأة مرجحة لأي جدل، ففي كل تناول، يتم استحضارها كرمزية لطريقة حكم نظام معين، ومن خلال تقييم المساحة التي حصلت عليه النساء، يتم حسم سوء تلك المرحلة، أو جمالها.

من المعروف أن اليمن عاش أفضل فتراته في الماضي، فعظمة التاريخ اليمني مازالت ماثلة حتى اللحظة، انعكس أيضاً بوصول المرأة إلى أعلى هرم السلطة، أروى، وبلقيس، بينما اليوم لا توجد امرأة في السلطة التنفيذية باليمن، لذا؛ ومن ذلك المنطلق، قد تكون هذه الفترة التي تعيشها اليمن من أسوأ المراحل في تاريخ البلد، ليس لتعدد الشواهد الداعمة على كل المستويات لهذه الفرضية، فهذا أمر واسع، ومن الصعب حصره، بل من خلال تقييم فضاء المرأة -باعتباره معيار معمول به- والتي تم التضييق عليها، وإقصائها بشكل لم يسبق له مثيل، إلى الحد الذي بات فيه نصف المجتمع، بعيداً عن مراكز القيادة في السلطة، وهذا يعكس خلل اجتماعي عميق، فالدول لا يمكنها التطور، وجزء منه مستبعد، ومحروم من المشاركة، لأن الانتقال يتطلب الاستفادة من كل الإمكانيات، وليس تعطيل نسبة كبيرة منها، أيضاً؛ شرط الحياة هو التوازن، بينما الاستفراد بالسلطة من قبل جنس معين، ينتج نظرة حكم أحادية، يتجسد على شكل أخطاء في كل القرارات، والخطوات.

يزيد من تفاقم المشكلة، هو أن ذلك يحصل حالياً؛ أي في القرن الواحد والعشرين، والذي أصبحت فيه، نسبة كبيرة من النساء اليمنيات، مؤهلات، ولديهن كفاءة عالية، وخريجات من أفضل الجامعات في العالم، ويحملن شهادات رفيعة، بينما وبدل الاستفادة من ذلك، يتم إهمالهن، وإبقائهن بعيداً، فقط لأنهن نساء، وهذا السلوك يشعرهن بالإحباط، ويدمر نفسية نصف المجتمع، ناهيك على أنه يدل على عنصرية سيئة، يتم التصرف فيها بحسب الجنس، فالصدفة التي جعلت من إنسان ذكر، أو أنثى، بموجبها تتحدد مسيرة حياته بالكامل، وهذه جريمة بحد ذاتها، فالعنصرية ليست محصورة على اللون فقط.

قد تكون النساء اليمنيات من أكثر النساء جدارة، وكفاءة، هذا ليس حكم شخصي، بل تجلى باعتراف دولي، تم بشكل رسمي، ومن خلال تقديرات مختلفة، فخلال العشر السنوات الأخيرة، تم تكريم العشرات منهن، بجوائز رسمية رفيعة، وتم ذكر أسماء بعضهن في قوائم رفيعة، من قبيل أهم النساء، وما إلى ذلك، وبكل تأكيد، أن الجهات تلك معاييرهم عالية جداً، ولا يتم اختيار أي نساء، بل من لهن دور مجتمعي كبير، ويتمتعن بشخصية، وقدرات مختلفة، والمؤكد أكثر، أن هؤلاء اللاتي استطعن تلبية المعايير العالمية، يملكن الإمكانية لإدارة أي وحدة إدارية في سلطة محلية لمنطقة بسيطة في اليمن، ويعتبر، عدم اختيار أسمائهن بمبرر عدم الكفاءة، هو كذبة كبيرة، وعذر مكشوف.

بالرغم من أهمية الوعي المجتمعي بالمرأة، وحقوقها، لأن مجتمع اليمن يعتبر من المجتمعات المحافظة، ويجب الاشتغال على هذه المسألة كثيراً، إلا أنه، ومن خلال التجارب فإن التغيير يأتي من الأعلى، فعندما تكون السلطة لديها توجه واضح لدعم المرأة، ورؤية مكتملة تمضي نحو إشراك المرأة، فإن المجتمع يستجيب على الفور، بينما يتضاعف التعقيد، عندما تعمل السلطة على إزاحة المرأة، وعزلها من المشهد، وهو ما يحدث في اليمن، وعلى إثره، وصفت التقارير الدولية اليمن، بأنه أسوأ مكان للنساء في العالم، وذلك باعتباره يأتي في المراكز الأخيرة من حيث الفجوة بين الجنسين.

أيضاً، يجب القول بأن عدم الثقة بالمرأة، هي مشكلة متجذرة، وتعم البشرية، وليست على مستوى اليمن فقط، فهناك دراسة حديثة، تقول إنه حتى في الدول التي قادتها نساء، كألمانيا مثلاً، هناك نسبة في المجتمع كانت وما زالت تعارض الأمر، لكن المختلف، أن العالم يمضي نحو الإصلاحات، ومنح النساء الفرصة في أعلى هرم السلطة، وبمستواها المتوسط، والأدنى، بينما نحن نتراجع، ونحاول تكريس نظرة سيئة تجاه المرأة، وليس على المستوى المجتمعي فقط، بل على مستوى النظام، والحكم، والذي يستبعد النساء من أي مناصب في السلطة، ويشطبها من الحسابات المستقبلية.

أؤمن بأن الصوت يستطيع صناعة تغيير، وبإمكان المناصرات أن تفضي إلى نتائج مختلفة، وحصل ذلك، في عدة قضايا، في اليمن بالتحديد، وتم تعديل بعض القوانين التي تحمل توجه صريح ضد المرأة، أيضاً؛ سبق للنساء، وأن انتزعن نصوص مهمة في مخرجات الحوار الوطني، وفيما بعد، تم التراجع عن بعض التضييقات، بسبب الاعتراض الذي تم، لذا، فإن هذه الحملات قد تنتهي بالتقويم، وهذا أمر مهم، ليس للنساء فحسب، بل لأجل البلد بشكل عام، فمن الأهمية عدم تعميق المشاكل، إلى الحد الذي يصعب علاجها في المستقبل.

  • هذا المقال أحد المقالات المرشحة ضمن “القائمة القصيرة” في مسابقة “المقال” ضمن أنشطة حملة “مشاركة النساء في مراكز صنع القرار بالسلطة المحلية” التي نظمتها منصتي 30 للعام 2024.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً