يعد التمييز من أبرز التحديات التي تواجهها المرأة اليمنية، خاصة أن هذا التمييز يستند على إرث ثقافي وعادات وتقاليد اجتماعية متوارثة تنظر للمرأة نظرة دونية في مجتمع تقليدي يتسم بأنه ذكوري بحت..
ولاشك أن الحراك الحقوقي المطالب بحقوق المرأة قد أحدث تغييرًا ولو جزئيًا في النظرة المجتمعية نحو المرأة التي بدأت تؤمن بشراكة المرأة، وحقوقها المدنية المكفولة دستوريًا.
غير أن المشكلة الأبرز تكمن في أن ثقافة التمييز ضد النساء باتت تقرها عدد من مواد القوانين النافذة في البلاد، والتي تتعارض تمامًا مع ما أقره الدستور اليمني الذي أقر مبدأ المساواة أمام القانون.
ومن أبرز القوانين التمييزية ضد المرأة والتي أقرها المشرع اليمني، هو قانون الجرائم والعقوبات الذي اعتبر أن دية المرأة نصف دية الرجل، استنادًا إلى تفسير خاطئ للنصوص الدينية، يتناقض مع مبدأ الكرامة الإنسانية التي أقرها الإسلام، ومع الدستور اليمني الذي أقر مبدأ المساواة بين جميع اليمنيين.
وعلى الرغم من عدم وجود نص ديني صريح على أن دية المرأة نصف دية الرجل، إلا أن المشرع اليمني وهو يصيغ قانون الجرائم والعقوبات قد استند إلى أن ميراث المرأة نصف ميراث الرجل، وبالتالي حدد دية المرأة بنصف دية الرجل، على الرغم من عدم وجود صلة بين الميراث وبين العقوبة الجزائية.
وتنص المادة (42) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني على أن “دية المرأة نصف دية الرجل، وأرشها مثل أرش الرجل إلى قدر ثلث دية الرجل، وينصف ما زاد، ويعتمد في تحديد نوع الإصابة على تقريرٍ مِن طبيبٍ مختص أو أهل الخبرة، وإذا طالت الإصابة أو سرت إلى ما لم يقدر أرشه، فيلزم حكمه بما تراه وتقدره المحكمة“.
كرامة ومساواة النفس البشرية
وقد أكد الدين الإسلامي على كرامة النفس البشرية بغض النظر عن جنسها أو دينها أو لونها، حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {ولقد كَرَّمۡنَا بَنِیۤ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَـٰهُمۡ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَـٰهُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِ وَفَضَّلۡنَـٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِیرࣲ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِیلࣰا}.
أما الدستور اليمني فقد شدد على مبدأ المساواة بين الجنسين، حيث أكد في المادة (41) على المساواة بين جميع المواطنين، رجالًا ونساء، في الحقوق والواجبات العامة” كما أكد في المادة (31) على أن “النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون”.
ويختلف مقدار الدية حسب نوع الجريمة (عمد، شبه عمد، خطأ) ونوع المجني عليه (ذكر، أنثى). فالدية في القتل العمد وشبه العمد للرجل هي 5.5 مليون ريال يمني، وللمرأة 2.75 مليون ريال يمني، أما دية القتل الخطأ للرجل فهي 1.6 مليون ريال يمني، وللمرأة 800 ألف ريال يمني.
وعلى الرغم من الحراك الحقوقي المطالب بتعديل القوانين التمييزية إلا أن ذلك لم يتم حتى الآن، نتيجة تهرب المشرع اليمني من القيام بذلك، خاصة في ظل صعوبة الإجراءات الفنية والإدارية التي تسمح بتعديل القوانين اليمنية التي تتسم بالجمود.
الناشطة الشبابية سارة محمد، قالت لـ”منصتي 30” إن “التمييز ضد المرأة يمثل عرفاً اجتماعياً في مجتمع مازال ينتقص من المرأة ويقلل من قيمتها، ويمنحها مرتبة دونية باعتبارها مجرد تابع للرجل الذي يملك حرية التصرف والقرار، ويسعى الرجل في المجتمع اليمني لتعزيز سطوته هذه عبر مقولات منسوبة للأثر الديني أو الإرث الثقافي والتي تجسد أن المرأة ناقصة عقل ودين”.
تمييز مخالف للدين والدستور
وتؤكد سارة أن هذه الثقافة يتم تعزيزها من قبل الدولة التي أصدرت قوانين تمييزية ضد النساء، بشكل مخالف للدين وللدستور اليمني وللطبيعة الفطرية التي منحت المرأة كيانًا وعقلاً ونفسًا تمامًا مثل الرجل الذي يساويها في الأصل (النوع) ويختلف معها في الفرع (الجنس) والأصل يجب أن يقاس عليه، ولذا لابد من مساواة دية المرأة بدية الرجل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى كرامة لرجل يهودي مرت جنازته حين قال: أليست نفساً”.
بدوره يقول المحامي خليل قاسم، إن المشرع اليمني خلال إقرار قانون العقوبات وتحديدًا في المواد التي تتحدث عن القتل والديات تجاهل موضوع هام، وهو أن الدية عقوبة رادعة لجريمة القتل، وبالتالي فأثر هذه الجريمة على الفرد والمجتمع هو نفسه سواءً كان المقتول رجلاً أو امرأة أو طفل، وبالتالي يجب أن تكون هذه العقوبة ثابتة وموازية للجرم المرتكب، أضف لذلك أن تحديد دية المرأة بنصف دية الرجل يتناقض مع الدستور اليمني الذي يعد مرجع القوانين اليمنية كافة”.
ويشير المحامي قاسم، إلى أن هناك الكثير من المواد القانونية التمييزية ضد المرأة والتي تناقض الدستور اليمني بحاجة إلى تعديلها، لكن هناك اشكاليات تعيق تعديل هذه القوانين تتمثل بتعطيل مؤسسات الدولة وعلى رأسها مجلس النواب الذي يعد السلطة التشريعية في البلاد المعني بتعديل القوانين وإقرارها”.