تواجه المرأة اليمنية مستويات متعددة من العنف والانتهاك، لم تقتصر على الواقع المعيشي الصعب في ظل الحرب، بل امتدت إلى الفضاء الإلكتروني، حيث تحوّلت منصات التواصل الاجتماعي إلى أدوات ضغط وتحريض وتشهير، تبرّر العنف وتحوّل الضحايا إلى متهمات، فمع تصاعد الحرب والانهيار المجتمعي، ازداد منسوب العنف ضد المرأة بشكل واضح. وترافقت هذه الظاهرة مع تحول الفضاء الرقمي من ساحة للتعبير عن الحقوق، إلى ساحة للتنكيل بالنساء وتشويه صورتهن، بل والتأثير على مجرى القضايا القانونية والاجتماعية المرتبطة بهن.
تحريض رقمي وتبرير للجرائم
وفي الفترة الماضية، تصدرت عدة قضايا الرأي العام، أغلبها قضايا عنف ضد النساء وصل بعضها إلى القتل في ظل تبرير للعنف الذي تتعرض له النساء ترافقت هذه الجرائم مع تفاعلات سلبية واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم تكتفِ بتجاهل حق الضحية، بل تجاوزته إلى تبرير الجريمة وتشويه سمعة النساء، مستخدمين خطابًا أخلاقيًا زائفًا لقذفهن، هذا النوع من التفاعلات، كما يؤكد مختصون، لا يقتصر أثره على الضحية، بل يضغط على أسرتها ويؤثر في مجريات العدالة، بل وقد يدفع أقارب الضحية إلى التنازل أو ارتكاب جريمة بدافع “غسل العار”، نتيجة للتحريض المتصاعد في منصات التواصل.
التحريض الإلكتروني جريمة قانونية
المحامي والناشط الحقوقي علي الصراري، شدّد على ألّا يلتفت القضاء للتفاعلات في مواقع التواصل الاجتماعي، سواءً كانت إيجابية أو سلبية، لأن “القضاء ملزم فقط بما هو أمامه من أوراق وأدلة، ولا يجوز له أن يتأثر بما يُنشر على السوشيال ميديا، لأن ذلك يدخل في باب التأثير على العدالة، ويتعارض مع الدستور والقوانين النافذة”.
وأضاف في تصريح لـ منصتي 30 أن “مواقع التواصل لا تمتلك التفاصيل الحقيقية لما يدور داخل القضية، وحتى إن وُجدت معلومات، فإنها لا تُعد دليلًا قانونيًا ما لم تُعرض أمام المحكمة بشكل رسمي. القاضي لا ينظر إلى أي دليل لم يُطرح في جلسة المحكمة، وكل ما يتم تداوله خارجيًا لا يُعتدّ به”.
وحذر الصراري من أن من يثيرون قضايا عبر مواقع التواصل بطريقة تؤدي إلى حرف مسار الحقيقة، قد يقعون تحت طائلة القانون، مشيرًا إلى وجود “جرائم التشهير، ونشر الأخبار الكاذبة التي تكدر السلم العام. قانون الجرائم والعقوبات اليمني شدد العقوبات على من ينشر مثل هذه الأكاذيب أو الافتراءات، خاصة في ظروف البلاد الاستثنائية”.
وأكد أن “نشر اسم الضحية أو المتهم وتفاصيل القضية يُعد جريمة قانونية، لأنه تدخل في أعمال القضاء، ويشكل ضغطًا غير مشروع، وقد يؤدي إلى تشويه سمعة أبرياء”.
وأوضح الصراري أن هناك العديد من القضايا التي تم تداولها في مواقع التواصل، وانتهى الحكم فيها إلى تبرئة المتهم بسبب غياب الأدلة، مما يؤكد أن ما تم نشره كان افتراءً وأثر سلبًا على المجتمع والعدالة.
وأشار إلى أن “بعض الأسر تخلّت عن بناتها أو أقاربها بسبب إشاعات كاذبة منشورة على الإنترنت، لدينا حالات موثقة لأشقاء قتلوا شقيقاتهم بسبب ما نشر في منصات التواصل، وأحيانًا يخرج المتهم أو المتهمة من السجن ببراءة، لكن المجتمع لا يغفر لهم بسبب ‘النقطة السوداء’ التي رسختها التعليقات والمنشورات”.
وختم بالقول: “القضايا المنظورة أمام القضاء يجب أن تُترك للقاضي والنيابة والمحامي، وليس للعامة. من يتناولون هذه القضايا بطريقة غير قانونية يساهمون في ظلم الضحايا والمتهمين على حد سواء”.
الضحية تُعامل كمذنبة والأسرة تدفع الثمن
من جانبها، أكدت القائمة بأعمال رئيسة اتحاد نسا اليمن بمدينة تعز، صباح راجح، أن ردود الفعل في مواقع التواصل الاجتماعي تترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا بالغًا على الضحايا وأسرهن، وتدفع بالرأي العام إلى التعامل مع الضحية وكأنها الجانية.
وقالت راجح في حديثها لـ منصتي 30 إن “أغلب القضايا التي تظهر على السوشيال ميديا يتم مناقشتها من زاوية لوم الضحية”، وأوضحت أن “الأسرة تتحمل تبعات هذه الردود، إذ تلحق بها وصمة العار، ويُنظر إلى الفتاة الضحية وكأنها منحرفة أو جلبت لنفسها ما حدث، ما يؤدي إلى ضياع حقها القانوني، وتشويه سمعة أسرتها بالكامل”.
دعوة للإنصاف والمحاسبة
وجّهت راجح رسالة واضحة لكل من يبرر أو يميع قضايا العنف ضد النساء، وقالت: “يجب أن نمتلك مبادئ وقيم إنسانية. ضع نفسك مكان الضحية، أو مكان والدها أو أخيها. لا تنظر للمرأة وكأنها دائمًا مذنبة، هذا ظلم أخلاقي وديني وإنساني”.
وطالبت بمحاسبة كل من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للتشهير بالنساء أو تشويه سمعة الضحايا، مشددة على “ضرورة سن تشريعات رادعة تطال كل من ينشر ادعاءات باطلة أو يبث خطاب كراهية وتحريض ضد المرأة، لأن هذا السلوك يهدد المجتمع ككل”.
كما دعت إلى إطلاق حملات توعية تستهدف النساء وأسرهن، تحثهن على عدم الانجرار خلف الإشاعات، وتوعّيهن بكيفية التعامل مع المخاطر الرقمية.
وقالت: “الضحية يجب أن تتحلى بالوعي، وأن لا تصدق كل ما يقال أو يُعرض. لا تذهب إلى أماكن غير آمنة، ولا تنساق خلف وعود قد تقودها إلى الخطر. كذلك، على الأسرة أن تدعم ابنتها، لا أن تتخلى عنها تحت ضغط الرأي العام”.
وختمت بالقول: “المجتمع بحاجة إلى نخبة تردع الخطاب السيء، وترفض تبرير الجريمة، وتقف مع الضحايا. من دون هذا التكاتف، سنخسر مزيدًا من النساء، لا بفعل الجريمة وحدها، بل بفعل تحريض إلكتروني يضاعف الجريمة ويطمس الحقيقة”.