واجهت اليمن منذ ما قبل 2011 مشكلات عديدة في إيجاد فُرص عمل للشباب وتطوير مهارات العاملين وتنظيم سوق العمل بشكل عام، أثّر ذلك على سير العملية التنموية التي كانت تسير بتباطؤ شديد، حتى مع مخرجات التعليم القيّمة التي استقبلتها البطالة، فوفّرت وقتاً كبيراً من الفراغ الذي بدوره أثّر بشكل سلبي في إخراج طاقة الشباب عن مسارها الانتاجي، لاسيما تلك القادرة على العطاء.
عاد الكثير من دراستهم في الخارج دون الاستفادة منهم، وكأن عملية الابتعاث للدراسة في الخارج كانت من أجل الابتعاث فقط ولا وجود لأي خطط من احتوائهم، الخبرات ذهبت سُدى، لولم تؤثّر مخرجات التعليم بشكل حقيقي على تنمية البلاد، ولكن ظلّت الإدارة وفق سلطة القرار التقديري هي السائدة، فقيّدت عمل كثير من المؤسسات المهمة، لعل أبرزها الهيئة الوطنية العُليا لمكافحة الفساد.
إن الحديث عن ذلك يأتي في سياق معرفة أهم أسباب البطالة في اليمن التي وصلت إلى نسبة عالية مؤخرًا كنتيجة من نتائج الصراع، ذلك الذي عطّل الحياة التنموية في اليمن وأصاب الاقتصاد بشلل تام، ما لبث أن دخل مرحلة الانهيار قبل عام مع اختفاء 60 بالمائة من العملة التي ضخها البنك المركزي اليمني، ناهيك عن التلاعب بالعملة وتراجع قيمتها.
البطالة وارتباطها بتأجيج الصراع
تأتي البطالة في أعلى سُلّم ما يدفع الشباب نحو استخدامهم كوقود للصراع، فهي تدفع باتجاه تشكيل مواقف مُناهضة لنظام الحُكم وبالإمكان تسخيرها لخدمة أي مشروع غير سوي، كانخراطهم في جماعات مُسلّحة تُقلق الأمن العام أو تنقلب على نظام الحكم أو فيما يُسمى مواجهة الانقلابين.
وفي ظل عدم وجود استراتيجيات رسمية حقيقة لاحتواء طاقات الشباب وعدم توفير بيئات حاضنة لمشاريعهم الصغيرة العشوائية ما اضطر الجهات المختصة “الأشغال العامة” إلى محاربتها بدلاً من تنظيمها ناهيك عن دعمها، وما يحدث بالفعل في اليمن أن هُناك مواجهة مستمرة بين مشاريع الشباب العشوائية وبين الأشغال العامة التي تُقدّم نفسها كجهة لفرض إتاوات وضرائب، زادت هذه المواجهة بشكل كبير مع الصراع الدائر في البلد، وتشكّلت مجاميع مُسلّحة من الشباب تقوم بمهمة ابتزاز أصحاب المشاريع بحجة حمايتها أو استخدامها للطريق العام.
هذه التصرفات غير الداعمة للعملية التنموية في البلد، أدت بشكل مُباشر إلى تعطيل طاقات الشباب الجسدية بسبب ما سببته من فراغ غير مُستثمر به، وأيضاً من تدهور في الحالة المادية التي أنتجت بالضرورة مواقف مُناهضة لنظام الحُكم.
وإلى جانب الممارسات الرسمية هُناك أيضاً النظرة المجتمعية والأسرية تجاه العاطل التي تنتقص بشدة من العاطلين، هذا الانتقاص يدفع باتجاه تحطيم وتهديم نفسيتهم، وهذا الأمر بالذات -بالإضافة إلى العوامل السابقة- جعلت من العاطلين يتوجهون نحو البحث عن مصدر دخل سواء بالمشاركة في جبهات حرب تضمن لهم دخلاً شهرياً أو على الأقل تضمن معيشتهم دون أن يكونوا عالة على أسرهم، أو بالمشاركة ضمن جماعات تقوم بمهمة سرقة ممتلكات الناس.
كيف يمكن مواجهة البطالة؟
في الوضع الراهن الذي تُعاني منه اليمن، فإن الحديث عن مواجهة البطالة يستلزم تكاتف القوى المحلية (حكومتي الإنقاذ والشرعية) والدول المجاورة والمؤسسات الدولية وذلك من أجل القيام بمهمة التمكين الاقتصادي للشباب وتنمية وتطوير العاطلين عن العمل واستثمار خبراتهم ومؤهلاتهم وشغر فراغهم بما يُقدّم لهم الفائدة ولمجتمعهم ولبلدهم، وأيضاً استيعاب مخرجات الحوار الوطني بإنشاء بنوك التمويل الأصغر لتقديم خدمات الإقراض لمشاريع الشباب بدون أرباح واعتماد مشروعات زراعية وسمكية صغيرة وتعاونية للشباب وضرورة إنشاء صندوق تنمية المهارات وتطوير قاعدة التأهيل والتدريب النوعي للشباب والمرأة بما يُلبي متطلبات التنمية.
وكخطة عاجلة ينبغي الاهتمام بالمشاريع الصغيرة أو متناهية الصغر لاسيما الخدمية منها، فإلى جانب أنها تضيف قيمة لاقتصاد البلاد، هي أيضاً تعمل على خلق فرص عمل للعاطلين ودعم القوة الشرائية وخفض التكاليف، فالمرحلة الراهنة تقتضي إيجاد حلول سريعة وجذرية ولها تأثير على المدى القصير والطويل.
كما يجب تشكيل لجنة اقتصادية تعمل بشكل عاجل على تسخير كافة الموارد من أجل دعم مشاريع الشباب الصغيرة وتأطيرها ضمن كادر من المستشارين المتخصصين في إدارة المشاريع التنموية خصوصاً تلك المشاريع التي تتعلق بالدخل اليومي كالزراعة والصيد والثروة الحيوانية.
وعلى الشباب أنفسهم أن يهتموا بما يعود عليهم بالنفع بدلاً من الاتكالية وانتظار الحلول أن تأتيهم، ينبغي عليهم أن يتركوا الاهتمام بالشأن السياسي وأن يلتفتوا لتحسين وضعهم الاقتصادي، فالسياسة تقوم بتدمير النفسيات، بينما الاقتصاد يقوم بتحسين الوضع الشخصي والمجتمعي، وعلى وسائل الإعلام المُختلفة أن تكون المُرشد لضمان نشر هذه الثقافة على كل أبناء اليمن الذي يُدمّر نفسه.