“هناك غياب ملحوظ للمؤسسات الرسمية التي تقدم تدريباً في الفنون الأدائية أو المسرح أو السرد البصري؛ هذا النقص يؤثر بشكل غير متناسب على النساء اللواتي لديهن بدائل أقل بكثير لدخول الفنون الإبداعية”، هذه خلاصة تقرير لتقييم حالة الصناعات الإبداعية في اليمن لمنظمة اليونسكو في عام 2023.
التقرير خلص إلى إن النساء يواجهن وصمة مزدوجة تتعلق بنوع الجنس، وبطبيعة العمل الإبداعي، مما يؤدي إلى فرص أقل بكثير حتى في البرامج الثقافية التي تقودها منظمات مستقلة أو غير حكومية في اليمن.
خلاصة تقدم صورة كاملة عن المشهد الفني والفنون الإبداعية المتصلة به، وهو ما يمثل حاجز صد مباشر أمام كثير من النساء اليمنيات اللواتي يتطلعن لحضور أكبر على المستوى الفني، وصناعة الفارق من خلال المشاركة الفاعلة في الدراما إما كممثلة أو مؤلفة ومخرجة ومساهمة بأي دور حقيقي في هذا المجال، وهو ذاته ينطبق على المسرح وكافة الفنون الإبداعية التي لا تجد فيها النساء فرصهن الكافية لتحقيق ما هو مأمول على المدى القريب.
مكامن الفجوة
تكتفي كليات الفنون الجميلة في مجمل الجامعات التي تحتضنها بالفعل الأكاديمي على الجانب البنيوي كمخرج يتسق مع متطلبات الأعمال الفنية والدرامية اليمنية، يمثل هذا التحدي عائقاً للجميع، ولكنه يصبح أكثر صعوبة أمام المرأة التي لا تمنح فرصاً بديلة لتغطية العجز العملي والتدريب المنهجي في هذه الكليات.
كما أن هناك صعوبات أخرى خارج القدرة البشرية تمثلت في اندلاع الحرب وانعكاس ذلك على الحياة برمتها والفنية على وجه التحديد، ففي عدن، جنوب اليمن، أرغم معهد جميل غانم للفنون الجميلة على الإغلاق بفعل الاقتتال الذي شهدته المدينة بعد محاولة الحوثيين السيطرة عليها عام 2015، مر بعدها بضائقة مالية حجمت من أدواره في ظل عدم وجود ميزانية حكومية معتمدة، ليعود المعهد الأقدم في البلاد إلى الحياة مجدداً في عام 2018، بشكل مختلف تحت غطاء وزارة الثقافة، ويعني الوضع الجديد للمعهد كمدرسة ثانوية فنية أن الطلاب يمكنهم الالتحاق بعد الصف التاسع ودراسة الفنون الجميلة والموسيقى وعدد من المواد الأخرى لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم الحصول على شهادة الثانوية العامة المعتمدة رسمياً من قبل وزارة التربية والتعليم.
تربط حنان الإغواني، وهي فنانة ومديرة تنفيذية لمؤسسة سطور للتنمية الثقافية، بين هذا الواقع وما آلت إليه الأحوال الثقافية والفنية، ومدى انعكاس ذلك على محدودية الفرص الفنية للمرأة اليمنية، وتعتبره “فشلاً ذريعاً” في ظل المبررات التي يتم سوقها كغياب الموارد وشحة التمويل، لكن الحقيقة -كما تراها- أن هناك أنشطة ومشاريع تذهب في غير محلها، وتصل إلى حد “سرقة الجهود”، وهو ما ينعكس سلباً على الحضور النسائي.
التفعيل والرقابة هما الحل الأمثل بالنسبة للإغواني، وتقترح أن يكون هناك جهد من مكاتب الثقافة في المحافظات؛ كون المسؤولية في الأساس تقع على عاتق الجهات الحكومية لتنشيط الفعل الثقافي في نطاقها الجغرافي.
سطوة التقاليد
حوالي 90% من النساء اليمنيات في سن العمل لسن جزءًا من القوة العاملة. نسبة كبيرة من النساء اللواتي يعملن دون أجر أو في أعمال عائلية غير مدفوعة الأجر، خصوصًا في المناطق الريفية، بحسب تقرير للبنك الدولي، الذي أكد أن العوائق الهيكلية من عادات وتقاليد تقف في وجه المرأة اليمنية وتقيد العديد من أنشطتها.
المخرج والفنان أحمد جبارة، يؤكد على ذلك، ويعتبره سبباً جوهرياً في عدم تمكين المرأة اليمنية فنياً، وهو تحالف غير معلن بين محدودية الفرص وقصر التمويل وما تمليه العادات والتقاليد.
“النظرة القاصرة للعادات والتقاليد تجاه المرأة باعتبارها جوهرة في بيتها، لا تخرج ولا تشارك، تبناها المجتمع وجسدها من المطبخ وبيت زوجها إلى القبر، وهي تركة ثقافية متأصلة في مجتمعنا اليمني”، كما يقول جبارة الذي يعتبر المجال الفني والمسرح والدراما بشكل عام ضحية لهذه الثقافة.
وبالنسبة لجبارة فإن غياب المعاهد المتخصصة فنياً أثر على حضور الجنسين، وإن كانت المرأة أكثر تأثراً بفعل النظرة الضيقة التي تسببت فيما نحن عليه اليوم، يضاف لذلك انعدام التحفيز والتشجيع، وقلة الفرص المتوفرة للمرأة على مستوى الفنون والثقافة.
بيئة طاردة
من ثقافة العيب إلى غياب المؤسسات الداعمة، هكذا تنظر الناشطة النسوية سحر الهادي إلى الواقع الفني الذي حرمت فيه النساء من التأهيل واكتساب المهارات الفنية، وبالتالي إنتاج أعمال فنية متدنية بسبب نقص الخبرات والمهارات الفنية وكذلك فقدان الشغف لديهن وعدم الاستمرارية في تحقيق أحلامهن الفنية.
نظرة، تؤيدها الهادي بأن هناك العديد من المبادرات التي تركز على مجال الفن وتخلق مساحات إبداعية فنية وتمكن النساء وتعزز الوعي داخل المجتمع بأهمية الفن، ولكن بعضها تكون محدودة الإمكانيات إلى جانب صعوبة انضمام النساء إليها للاستفادة منها وذلك بسبب ثقافة العيب التي تنظر لعمل المرأة في الفن أياً كان نوعه بالعيب والحرام إلى جانب أن بعض هذه المبادرات تفتقر للموارد المالية الكافية والكوادر النسائية المؤهلة.
وتحكي الهادي عن تجربتها في مبادرة جسور السلام التي استقطبت الموهوبين في الفن البصري (الرسم التشكيلي والرسومات الجدارية)، مناصفة بين الذكور والإناث، وتمكينهم اقتصادياً وتدريبهم تحت إشراف مدربين متخصصين في مجال الفن البصري لإنتاج لوحات فنية ورسومات جدارية إضافة إلى إنشاء منصة رقمية للمبدعين تهتم ببناء السلام ونبذ العنف والتماسك المجتمعي عبر الفن.
وترى الهادي أن الاستدامة ليست في المبادرات وحدها، لكن في قدرة الأفراد المبدعين على الاستمرارية وخلق فرص لهم بعد انتهاء هذه المبادرات؛ فالعمل في المجال الفني ليس سهلاً وعلى الفنان أن يناضل من أجل فنه، حسب قولها.