في العالم أجمع، لا تعتبر الدراما، والسينما للتسلية فحسب، ولا تقتصر على القصة فقط، بل بطريقة، أو بأخرى، تقوم بإيصال رسائل من نوع ما، قد تكون إيجابية، أو سلبية. إلا أن من ضمن مهام تلك الإنتاجات هي تقديم بعض القضايا للمشاهدين، بهدف إثارة نقاش حولها، مما يساعد في صناعة حل لها، أو جعلها حاضرة في الوعي.
في الدراما اليمنية الموسمية هناك الكثير من الرسائل، والتي قد تحضر بفجاجة تخل بالعمل. لكن، وحسب ملاحظات بعض المتابعين، فإن هناك تغييب فيما يخص قضايا النساء، ووضعها بالمجتمع. وفي هذه المادة، نقاش حول الأسباب التي تحد من حضور مثل هذه القضايا، ولماذا لا يوجد مواكبة للدراما والسينما العربية والعالمية، والتي تضع حقوق المرأة ضمن أولوياتها. وما مدى أهمية إبراز مثل تلك المواضيع؛ أي هل معالجتها درامياً، سيصنع تغييراً واقعياً؟
تغييب قضايا النساء
في المجتمع اليمني، وعلى أرض الواقع، هناك حقوق كثيرة لا تُمنح للمرأة، ومع ذلك، يعتبر البعض أن مثل تلك القضايا لا تناقش في الإنتاجات الدرامية اليمنية، عن سبب ذلك التغييب، تعطي الممثلة اليمنية فريال يوسف، رأيها لمنصتي 30، قائلة: “السبب في ذلك يكمن في نقص التوعية لا أكثر، نحتاج إلى التوعية بقضايا المرأة، وبشكل واسع، كي يتم الالتفات لها من قبل الدراما، وكذلك حل مشكلاتها على أرض الواقع”.
لا يوجد سبب واحد لعدم حضور بعض القضايا عبر الشاشة، بل عدة أسباب، لمنصتي 30، تتحدث الناشطة هند قطران، قائلة: “مازالت مجتمعاتنا تعاني من فجوة كبيرة في فهم قضايا المرأة، ويعود ذلك لغياب الوعي في المجتمع، حتى من قبل القائمين على الثقافة، والفن، والسينما. إلى جانب أسباب أخرى؛ وجود الأنظمة الدينية، وأنظمة الدولة الأبوية، بالإضافة إلى الأنظمة القمعية التي لا تشجع على التطرق لقضايا المرأة، بل، إنها ستوجه للكتاب والمخرجين مجموعة من التهم”.
ولأن الدراما اليمنية تتهم بالتقادم، ولا يوجد فيها مناقشة للقضايا الحديثة؛ عن ذلك، تقول المخرجة اليمنية، مريم الذبحاني: “الدراما اليمنية أصبحت تدفع الفرد لعدم المتابعة، بسبب التكرار، وعدم التحديث، ولا يوجد اهتمام بالمادة المقدمة. ولا تعليم يفيد بالمواكبة، ولا دعم للفنان. كما أن هناك عقبات في نوعية المواد التي يتم تحويلها إلى مسلسلات، ومن الذي يقرر ذلك، في ظل سيطرة للرجال، وتراجع الإناث للحصول على تلك الفرص”.
وفي العلاقة بين الوضع العام للبلد، والقضايا التي تناقشها الدراما، تتحدث الكاتبة، والمترجمة غيداء محمد، قائلة: “التراجع الذي يحدث للمجتمع، والسوء في وضعه، يكون تأثيره على المرأة مدمر، وتصبح مناقشة قضاياها في نظر الغالبية مجرد رفاهية”.
عدم مواكبة للقضايا العالمية
في الإنتاجات الخليجية، وأيضاً المصرية، والشامية، وكذلك العالمية، هناك توجه كبير لإظهار قضايا معينة، من ضمنها قضية المرأة وحقوقها، لكن في اليمن لا يوجد مواكبة لذلك. عن السبب، تتحدث مريم الذبحاني، قائلة: “هناك كوتا معينة ومنتشرة في العالم، بحيث تكون البطلة امرأة، والكاتبة امرأة، والمخرجة امرأة، وذلك ساعد في عمل نهضة كبيرة حالياً، وجعل النساء تتعلم من تجاربهن، ويكسبن الثقة. بينما عندنا يوجد تحليل مُبَالغ يُضخّم من أخطاء النساء، كما يوجه لهن النقد في كل الجوانب؛ عن دخولها المجال، وشكلها، ومظهرها، وأن النساء لا تمثل عندنا، ولا يتم التركيز على المادة. ثم إنهم لا يلتمسون لها أي عذر، بعكس الرجال، الذين يعذرونهم كثيراً”.
هناك من يقول إن فارق الإمكانيات، بالإضافة إلى مستوى الحرية، بين اليمن والدول الأخرى قد يكون السبب. فريال يوسف، تؤكد ذلك، قائلة: “الدراما اليمنية تعمل بإمكانيات بسيطة، لذا؛ تكتفي بالتركيز على القضايا الرئيسية، لكن إذا توفرت الإمكانيات الموجودة، وقلت المعوقات التي تقف أمام الفن، وحرية التعبير، والتفكير، ستحدث كثافة في الإنتاج، وسيتم الالتفات لقضايا المرأة، وصنع مواد عنها، وعن كل المواضيع المهمشة، والمركونة جانباً”.
أما غيداء محمد، تنحاز إلى فارق الظروف التي تصنع الإنتاجات اليمنية، والعربية، ناهيك عن الأجنبية، المختلفة، وتضيف: “لا يمكننا الحكم بنفس المعايير، لأن التراجع في كل مناحي الحياة ينسحب على الدراما أيضاً”، بينما الناشطة هند قطران، تقول إن في الدراما العربية هناك نوعاً ما محاولات لكسر التابوهات في بعض القضايا، لكنها مازالت سطحية، بينما اليمن والذي لا يجاري العصر ومتطلباته مازال بعيداً، وبشكل عام، جميعها لا تتطرق بما فيه الكفاية لقضايا المرأة، بل إنها ترسخ للعادات والسلوكيات السيئة.
وتضيف قطران: “نرى تدميراً لكل مشروع يحاول ولو بالقدر البسيط التطرق لقضايا المرأة. ويتم تشجيع وتمويل كل مشروع يظهر الأفكار المهينة، والعنصرية، والتي تتعامل بانتقاص مع المرأة، وتنمي ثقافة التمييز بين الجنسين. ومازال يتم إعطاء أدوار مهينة للنساء السوداوات، هذا في حال وجود نساء من أقليات السود أساساً في التمثيل، لأنهم في الغالب يقومون بتغيير اللون، وهذا يعتبر عنصرية، ويمارس كثيراً في الدراما والسينما اليمنية، وكذلك العربية”.
احتكار في إدارة الإنتاج
هناك من يقول إن سيطرة الرجال على القيادة في الإنتاج يؤثر على نوعية القضايا التي تناقش، وذلك لأن المخرجين وكتاب السيناريو، وشركات الإنتاج، وكذلك القنوات يديرها رجال، عن ذلك غيداء محمد، تقول: “غياب العنصر النسائي له تأثير في عدم إظهار قضايا المرأة، وتقديم مسلسلات تهتم بشأنها من منظور نسائي بحت. كذلك خوف الرجال القائمين على الإنتاج من ردة فعل المجتمع المتمسك بالعادات والتقاليد البالية، والتي تحكم المرأة بقوانين قهرية، هو ما يمنع تقديم قضايا النساء الشائكة، كالوصاية، والمساواة، وحرية المرأة”.
لأن المرأة أكثر إدراكاً بقضاياها، هناك أهمية تتطلب إشراك النساء في تقرير القضايا التي ستناقش بالإنتاجات الدرامية، عن ذلك تقول هند قطران: “لن يفهم واقع المرأة غير النساء اللاتي يعانين من التمييز والتهميش منذ ولادتهن، فهناك موروث يقوم على شيطنتهن، والتعامل معهن كمختلات، ونجاسة، وأنهن الغواية، والشيطان، لذا؛ بالتأكيد لن يدرك الذكر ذلك مهما حاول”.
وعن احتكار الرجال على الإنتاج، والأثر الذي يصنعه، تقول الذبحاني: “صحيح جداً، وهذا الشيء ليس في اليمن فقط، بل مازال مستمر في كل مكان، حتى الأمريكان يتحيزون لإظهار البطلة في شكل معين، وكذلك في الوطن العربي، لا يسمح للبطلة أن تدخل إلا بمواصفات محددة، أو كما يريدها في ذهنه، بسبب سيطرة الرجال، ومنظور أحادي البعد، وعندنا أيضاً، يتم تشكيل شخصيات نمطية معينة، كالجميلة التي تغوي، وتصنع المشاكل، أو الضعيفة، والمضحية”، وتختتم الذبحاني حديثها بأهمية وجود المرأة خلف الكاميرا ككاتبة ومخرجة، وأمامها كممثلة، ومنفذة للفكرة.
أما عن الإمكانية في صناعة تغيير الوضع في حال دخلت النساء في موضوع الإنتاج، تقول الممثلة فريال يوسف: “أني مؤمنة أنه مع مرور الوقت، وزيادة المواهب من العنصر النسائي مؤخراً، سيتم تسليط الضوء عليها، وسوف تُصنع دراما خاصة بها، تخدم وتناقش قضايا النساء، وبشكل مركز”.
التشابه بين الواقع، والدراما
هناك من يقول إن المرأة التي تظهر في الدراما، وهي في وضع طبيعي، لا تشبه المرأة في الواقع، بينما يقول آخرون إنها في الحالتين تظهر نفس الشيء، كامرأة غير فعالة، وليس لها دور مؤثر، هند قطران تعطي رأيها في ذلك، قائلة: “هناك تشابه كبير، فالدراما والسينما في مجتمعاتنا تظهر دور المرأة في الطبخ، والإنجاب، وأن لا قيمة لها إلا برجل، وأنها عار، وشرف العائلة، ولازم تأخذ الإذن من ولي الأمر، وهذا يشبه الواقع، ويرسخ النظرة السيئة للنساء”.
وعن الكيفية التي تقدم المرأة في الدراما، تقول غيداء محمد: “مازالت تقدم في أدوار هامشية، لا تخرج عن الزوجة الخاضعة، أو الكنة الشريرة، والضرائر اللائي يتنافسن لنيل رضا الزوج، دون ملامسة قضايا جوهرية، أو التطرق لواقع المرأة اليمنية اليوم”.
في صعوبة اقتراب دور المرأة في الدراما من تجسيد المرأة الواقعية، تتحدث فريال يوسف قائلة: “هناك تشابه، لكنه مع بعض الشخصيات، لأنه، لا ننسى أن المجتمع يحتوي على فئات كثيرة من النساء. بينما الأدوار التي يتم تمثيلها ماهي إلا جزء ضئيل من المرأة، وليست كلها، وهذا الشيء يعتبر كأي مجتمع طبيعي، يحتوي مختلف الفئات، والقضايا”.
بينما عن الكاركتر الظاهر في الدراما، واتصاله بالواقع، تتحدث ايضاً مريم الذبحاني، قائلة: “هناك عالم مصطنع، وغير واقعي في الدراما، وموجود في العالم كله، وهذا مسموح، لكن نتج عن ذلك صناعة شكل امرأة غير حقيقي، أحياناً تكون مثالية، وبنمط معين، يؤثر ذلك على المتابعات بشكل سلبي، لذا مهم جداً التنوع، لتجسيد المرأة بكل حالاتها. وفي مجتمعنا مهم إيجاد شخصيات قوية، ومستقلة”.
أهمية استحضار قضايا النساء
هناك من يعتبر أن استحضار قضايا النساء في سرديات المسلسلات مهم للغاية، لما للدراما من تأثير، وقد يساعد في التغيير من واقع المرأة، بخصوص ذلك، فريال يوسف، تقول: “تعد الدراما إحدى الوسائل التي تساعد في تطوير المجتمعات، بل وتغيير القوانين. مثلاً: يحدث في مصر حالياً أن ساهمت عدة مسلسلات ناقشت بعض القضايا، في تعديل نصوص من القانون. الدراما مهمة جداً، ويجب استخدامها وتطويعها لخدمة المجتمع، وإصلاحه، وتهذيبه”.
هناك أسباب كثيرة لمناقشة تلك القضايا في المسلسلات الموسمية، غيداء محمد، تقول: “لأن هناك شريحة كبيرة من المجتمع يتابع هذه المسلسلات، يجب استغلال ذلك، وعرض معاناة المرأة في الواقع، لأنه قد تؤثر في تغيير الواقع المزري الذي تقبع تحته النساء، مثل تعنيف المرأة، أو زواج الصغيرات، وحرمانها من الميراث، والكثير من القضايا الأساسية التي يمكن تقديمها بطريقة هادفة، ومؤثرة، للتوعية، وهو جوهر، ورسالة الفن”.
ولماذا تعتبر إظهار قضايا المرأة، ومحاولة صنع حلول لها، شيء مهم، تجيب الناشطة النسوية، هند قطران، قائلة: “لا يأتي حق المجتمع إلا عندما يحترم، ويحمى حق الفرد الواحد، فما الحال والنساء نسبة كبيرة في المجتمع، وهن أساس بناء الأسرة، والمجتمع، وبناء الاقتصاد، والدولة ككل. وعدم التطرق الجاد لقضايا المرأة، ومعالجتها، وإعطائها كل حقوقها يعني الموافقة على بقاء مجتمع بكل ما فيه من أفراد ومؤسسات، وقيادة، وأنظمة، مختل، ومعاق”.
بخصوص فعالية الدراما مع المجتمع، تقول مريم الذبحاني إن هناك إلهام كبير تصنعه الدراما، موضحة أن قضايا النساء، هي قضايا إنسانية عامة، مضيفة: “هي قضايا إنسانية بشكل عام، لكن مهم أن تستحضر من وجهة نظر النساء. لذا؛ إيجاد قصص نساء ملهمة من حولنا، في سياق الموضوع، وتكون حقيقية، وصادقة، سيساعد كثيراً. وكما قلت هي قضايا إنسانية لأن قضايا مثل الطلاق، ومنع التعليم، أو امرأة لم تتزوج وكيف ينظر لها المجتمع، وزواج القاصرات، والشرف هي قضايا مجتمعية إنسانية بشكل عام، ومشتركة بين الجنسين. وليست على النساء فقط، كذلك كل القضايا هي تشمل الاثنين، لكن يجب أن تناقش من وجهة نظر النساء، وستصنع تغييراً مجتمعياً”.
في النهاية، قد لا يصنع إظهار قضايا المرأة في الدراما اليمنية ذلك التغيير الحقيقي، والفعال، لكن، من الأهمية الالتفات إلى جزء من المجتمع، يعيش وضعاً صعباً، ويحرم من أبسط حقوقه، كالتعليم، والعمل، والتعبير، والحركة. والتحدث بأن هذا الذي يحدث معها هو سلوك غير طبيعي، ويجب نبذه بكل الوسائل، والسعي نحو تغييره.