article comment count is: 1

«فخر العزب».. شاعر قدس الأم وساند المرأة اليمنية وتغنى بمنجزاتها

لم يتوقف الشاعر فخر العزب أحد الشعراء اليمنين الشباب عند كتابة القصائد عن والدته الراحلة وزوجته وابنته الصغيرة “سيرين” وأطفاله الذكور وأصدقائه والشخصيات الملهمة بل أفسح حيزاً في نتاجه الشعري الثري بقصائد للأم والمرأة اليمنية في داخل محافظة تعز وغيرها من محافظات البلاد والمنطقة العربية أيضاً.

كما رثى “العزب” والدته التي فقدها عندما كان طفلاً في ديوان شعري أطلق عليه “على قبر أمي” وهو باكورة أعماله الشعرية التي صدرت العام 2015 عن دار جامعة صنعاء للنشر يواصل رثاءها حتى اليوم كما يرثي أخريات من خارج نطاق عائلته ويناصر ويدعم بشعره وقصائده المرأة اليمنية ويشيد بإنجازاتها وحضورها كما يتغنى بإبداعاتها ونجاحاتها، والمناسبات المخصصة لها، ويتبنى في قصائده معاناتها وقضاياها والانتهاكات التي تطالها.

ولد “العزب” في 27 ديسمبر 1987، في مديرية مشرعة وحدنان، التابعة لجبل صبر المطل على مدينة تعز جنوب غرب البلاد ونشأ وترعرع وتعلم في القرية إلى أن تخرج من الثانوية العامة ومن ثم انتقل إلى صنعاء ليلتحق بكلية الإعلام في جامعة صنعاء.

مخاض موهبته

ولدت موهبة العزب من أوجاع الفقد المبكر لوالدته والبيئة التي تربى فيها، يقول الشاعر فخر العزب لمنصتي 30 منذ صغري أهوى القراءة، وكنت أحرص على قراءة الصحف التي يقتنيها والدي خصوصاً صحيفة الوحدوي (الناطقة باسم التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري)، وفي المرحلة الثانوية كنت متيماً بالشعر لدرجة أني كنت ألقي فقرة الشعر في الإذاعة المدرسية بشكل يومي، حتى وإن كانت الإذاعة على فصل آخر.

ظهرت موهبة العزب الشعرية إلى الوجود في مرحلة الدراسة الجامعية ويذكر لمنصتي 30: “كنت أكتب في المطويات الجامعية، وأنشر أيضاً قصائدي في الصحف وفي مقدمتها صحيفة الثقافية الأسبوعية والصادرة عن مؤسسة الجمهورية للصحافة الرسمية”.

عوامل عدة صقلت موهبته وأثرت في شخصيته الأدبية وانعكست على شعره وكان لها دور في تعزيز الثقافة الذاتية أبرزها طبقاً للعزب كثرة القراءة، وممارسة النشاط الحزبي ومعايشة مشاكل وهموم المجتمع.

أفرد العزب منذ ولادة موهبته الشعرية الكثير من قصائده للأم والابنة والزوجة والطفلة والمرأة اليمنية في منطقته ومحافظة تعز وغيرها من محافظات البلاد ففي حين كتب قصائد لنساء بعينهن وأفرد قصائد حول النساء بشكل عام، تحضر المرأة في الكثير من قصائده التي تطرق فيها لمواضيع أخرى كما تبين لمنصتي 30 من خلال البحث في دواوينه وقصائده التي نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

القصيدة أنثى

يوضح العزب لمنصتي 30: “القصيدة أنثى، وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون الأنثى عنوان وجوهر النص الشعري، وهي الملهمة أيضاً لكتابة القصيدة، وبالنسبة لأمي فأراها قدوة، وإنسانة لا تتكرر، وكان لرحيلها المبكر أثر في حياتي، حيث صار الحزن توأمي السيامي الذي لا ينفصل عني”.

ينظر العزب في شعره حول المرأة من منظور مغاير، فالأم مصدر الحب والضوء والحنان والإلهام والدفء والطمأنينة، والأنثى ثورة، وهي عظيمة وأعظم حينما تكون أماً. ويوضح لمنصتي 30: “إذا أردنا أن ندرك عظمة الأم، ينبغي علينا التأمل لعالم الحيوان، وحينها سنجد الأمومة حاضرة بقوة” كما يلفت إلى أن عظمة المرأة جعلتها تحتل مكانة كبيرة في وعيه وثقافته وحياته وكتاباته أيضاً.

تتزاحم الجوانب والقضايا والهموم التي طرقها العزب في قصائده حول المرأة وهي كثيرة ومتشعبة خصوصاً مع استمرار الحرب الدائرة في البلاد منذ العام 2015 وما ترتب عليها من معاناة وآثار وأوجاع نالت منها النساء نصيب الأسد كما يقول لمنصتي 30.

محطات

مرت تجربة العزب ونتاجه الشعري بعدة مراحل ولأن النساء عظيمات جاء ديوانه الأول والمعنون “على قبر أمي” قبيل 8 أعوام مختزلاً مشاعر التعظيم التي يكنها العزب للمرأة، والتي حضرت بقوة في قصائده التي كتبها إبان ثورة 11 فبراير الشبابية والتي كان أحد المشاركين الفاعلين فيها حسب العزب.

يشير العزب إلى أن ديوانه البكر ضم قصائده التي كتبتها في رثاء والدته، مضيفاً ليس لديوان “على قبر أمي” ثيمة واحدة، وإنما ثيمات متعددة ومختلفة، يجمع بينها الشعور باليتم والفقد، والتعبير عن مكانة أمي والتي كانت وما زالت وستظل تحتل مساحة شاسعة جداً من فكري ووجداني وشعري.

يكاد يتفرد في ذلك بين زملاء جيله، لكنه واحد من الشعراء اليمنيين القلائل الذين رثوا أمهاتهم في ديوان شعري، ويستحضر الشاعر العزب كتاب “الأم” للشاعر اليمني الراحل عبد العزيز المقالح منوهاً إلى أن فقدان الأم يجعل الإنسان يشعر باليتم وإن كان في الستينيات أو السبعينيات من عمره كما شعر به المقالح وعبر عنه من خلال كتاب الأم.

وبالرغم من أن العزب فقد والدته في طفولته إلا أنها عاشت معه في أحلامه وذكرياته وتفاصيل حياته اليومية ولم تفارق حتى اللحظة قصائده المتواترة حيث ذكر في مرثية كتبها مؤخراً ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي:

أبكيكِ في ذكراكِ

أعلن للحقيقة أنني فعلاً حزينْ

وأنني منذ ارتحالك

لا سوى دمعي يمر من الوتينْ

وأنني أقضي سنين العمر

متشحاً ترانيم الحداد المستبيحة أضلعي

وأنا أقاسم عمري حشرجة القصائد

والأنينْ.

في حضرة القصيدة

وفيما يكتب العزب عن الأنثى ككيان، خصص في واحات أشعاره قصائد لزوجته باعتبارها شريكة الحياة، والسند، وأم الأولاد، وهي تمثل كل النساء بالنسبة له كما يقول. ويترجم ذلك في قصيدة طويلة كتبها حديثاً إلى ميادة.. القمر الذي أنجب لي كواكبي الثلاثة قائلاً:

ها نحن منذ البدءِ.. حتى صوت دمدمةِ القيامةِ والأبدْ

شركاءُ في العشقِ المقدسِ

والحياةِ وحلوها والمرِّ

والعيشِ المظللِ بالمودةِ والولدْ

ها نحن نبني عرشنا الأبدي

أوسعَ من جنانٍ باذخاتٍ في أرائكها

وأكبرَ من بلدْ.. إني أحبكِ

ابنته الصغيرة سيرين تحتل أيضاً مكانة في قلب الأب والشاعر العزب فيفرد لها قصائد عبر فيها عن أهميتها في حياته وأحاسيسه تجاهها وقيمتها التي تفوق أشقائها الذكور ولم يكترث يوماً بنظرة المجتمع القاصرة والتي ترى في الفتيات عبء، وتقلل من قيمتهن وتجد البعض يرثي حظه ويتشاءم عند ارتزاقه بمولوده.

يقول العزب لمنصتي 30 بميلاد ابنتي سيرين شعرت بمواساة يتمي، وأراها أم وابنة وحبيبة أيضاً، ولم أشعر بشعور الأبوة الحقيقي إلا حين ولدت، رغم أني رزقت قبلها بطفلين ذكور كما يضيف ابنتي بالنسبة لي عالم من العطف والحنان والرقة، ويسكنني شعور جارف من الحب نحوها لم أشعر به من قبل، وأجد فيها ذاتي، وأستشعر حبها لي كما لم أستشعر حباً من قبل.

كتب في ديسمبر 2022 قصيدة حول سيرين ذكر في ختامها:

قمرٌ أخبئهُ بقلبي

حوله يرقصنَ نجماتٌ ثلاثٌ

شاهقاتٌ مثل حلمٍ أخضرَ الوجناتِ

كان يموجُ فيهن الصدى

يرتدُّ في جدرانِ قلبي

ثم يغمرني بشوقي واللواعجِ والحنينْ

شجون

وفيما يتعلق بنساء قريته والمنطقة والمحافظة التي ينحدر منها والمحافظات الأخرى يقول العزب: كتبت عن نساء راحلات تركن أثراً وفراغاً شاسعاً برحيلهن مثل ماجدة الصبري وعائدة العبسي وصفية علي قحطان التي توفت بسبب مشاهدتها لمشاهد جمعة الكرامة، وكتبت نصوصاً لرائدات في مجالات معينة مثل الرسامة والأكاديمية الدكتورة آمنة النصيري وغيرها.

نشر مطلع يونيو الماضي قصيدة

عنوانها دهشة أهداها إلى الدكتورة النصيري وذكر في مطلعها:

العتمةُ

حين تجنُّ على أصقاعِ الكونْ

لا شيء يبددها أو يفلقها

كالصبحِ

ويمنحها االدهشةَ والضوءَ

سوى الفرشاةُ الممزوجةُ ببهاء اللونْ

تضامن في شعره مع الصحفية والكاتبة الدكتورة سامية عبد المجيد الأغبري على خلفية إقالتها مؤخراً من رئاسة قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة صنعاء قائلاً:

هي قلمٌ

يكتبُ في صحفِ الشعبِ الحالمِ

في صفحاتِ الحبِّ

وفي صفحاتِ الثورةِ والجبروتْ

قلمٌ مصقولٌ بالفكرةِ

تعرفه القاهرةُ وبغدادُ وبيروتْ

وتنكره صنعاءُ المحكومةُ – واأسفي – بالكهنوتْ

انعكست نظرته للأم والمرأة اليمنية على قصائده لكونها الحياة، ومن يشكل حياة الأبناء والمجتمع ككل، “وما نحن بسلبياتنا وإيجابياتنا إلا نتاج لدور وجهود المرأة” يقول العزب.

يقوده الواقع بمآسيه نحو الكتابة للأمهات اليمنيات وعذاباتهن ومعاناتهن ودورهن المحوري على المستوى الشخصي والأسري والوطني حيث كتب قصيدة حول معاناة وصمود وأوجاع أمهات المعتقلين كما كتب أخرى جسد فيها معاناة ومخاوف ومشاعر القلق التي تنتاب زوجات المقاتلين في الجبهات أثناء لحظات انتظار عودتهم.

قاده وعيه وإحساسه بقيمة المرأة والأم نحو الكتابة حول مناسبات خاصة بهن، ومن أبرز تلك القصائد “الثورة أنثى” وعدة قصائد حول عيد الأم وأخرى للمرأة في يومها العالمي، وقال

إليها، تراتيلُ قلبي الولوعِ.. لأنها تبني، تربي، تقومُ بواجبها الصعبِ والغارمِ

وتبدعُ من عقلِها المستنير.. وتعطفُ من قلبِها الراحمِ

فكيف وقد أيقظت أمةً.. تبيتُ على غفوةِ النائمِ

وكيف وقد أشعلت جذوةً.. أنارت دجى ليله الحالمِ

وأمست هي النورُ في واقعٍ.. يسيرُ أصماً، ويمضي عمي

هي الأمسُ واليومُ.. -يا بختها-

كما أنها معظمُ القادمِ

دموع وحضور

يدفعه للكتابة حول أوجاع النساء ودموع الطفولة يذكر العزب لمنصتي 30: “كتبت قصيدة بعنوان دمعة منال، ومنال طفلة من قريتي كنت أجريت معها حواراً صحفياً عن أخيها الشهيد فاختنقت بالدموع ولم تستطع الكلام، فكانت عنوان قصيدة”.

وحينما يكتب حول النساء في مجتمع يتحاشى الثناء والتباهي بانجازاتهن أو حتى رثاءهن، لا يفكر فخر العزب بردود الأفعال سواءً كانت سلبية أو إيجابية كما يقول.

ولكثرة الأسامي النسوية التي كتب حولها لم يستطع أن يستعرض أسماء جميع النساء اللواتي كتب حولهن لكنه يجزم أن المرأة حضرت وبقوة في ثنايا إصداراته الثلاثة بما فيها ديوان فراغات الوحشة وكتاب تعز، وإن كان الأخير صدر حديثاً ليرسم ملامح مدينة تعز ومعالمها وأبرز وجهاتها الشعبية وشخصياتها المعروفة والفاعلة في المشهد الثقافي والفني إلا أنه أفرد قصيدة أطلق عليها المدينة الأنثى وبائعة القات.

ويوضح “المرأة كانت عنوان وموضوع أحد دواويني”، وهي حاضرة في الديوانين الآخرين، والقصائد الغزلية التي كتبها ويضيف: “الشاعر عاشق أبدي، وبالتالي في كل مراحلي هناك قصائد غزلية كتبتها، لأن قلبي أخضر، ولأني أنظر للأنثى ككيان إنساني سامي ومقدس”.

للعزب قصائد غنائية بينها قصيدة لأم شهيد بعنوان “يا نور حسن” وتتحدث عن الحرب التي شهدتها منطقته في جبل صبر، وتتضمن أبياتها مواساة لأم الشهيد حسب العزب والذي أكد لمنصتي 30 أن ما كتبه حول الأم والنساء اليمنيات لم يكن أمر عفوياً وإنما نابع من اهتمام وتوجه شخصي، مضيفاً: “النصوص الشعرية تعكس قناعات وثقافة الشاعر، وقصائدي تعبر عني”.

يذكر الكاتب الصحافي والشاعر فتحي أبو النصر في مقدمة ديوان فراغات الوحشة -صادر عن دار أروقة للدراسات والنشر بالقاهرة 2023-” ولد الفخر بين جيلين من الفقد والخسائر السياسية والاجتماعية والثقافية.. لكنه الجيل الأنقى، لأنه الأكثر استقلالاً ذهنياً.. والأكثر ثورية.. وفي التجريب على صعيد الكتابة أيضاً؛  يكابد من أجل الاختلاف واللمسة الخاصة”.

وحول خطط وتطلعات العزب المستقبلية فيما يخص الكتابة حول المرأة يقول العزب لمنصتي 30 أفكر بكتابة نصوص شعرية كبورتريهات خاصة بنساء يمنيات رائدات.

 

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (1)