تمتلك محافظة تعز الكثير من المعالم والمقومات والرموز التي أهلتها لتكون عاصمة للثقافة اليمنية، ومن بين هذه المقومات وجود الكثير من الأصوات الغنائية من النساء اللواتي يغردن بأغانٍ وألحان شجية، منهن من عُــرفن بفنانات الرعيل الأول كـ”منى علي”، و “نعائم بنت شريان”، و “حُسن قاسم”، و “نجيبه عبدالله”، ومنهن أصوات شبابية برزن خلال العشرة أعوام الماضية كـ”هاجر نعمان”، و “حنين أغواني”، و “العنود أحمد”، و “نوال”، و “أمل الأغبري”، و “حنان الحكيمي”، و “ضحى”، و “داليا”.
بعض هذه الأصوات ظلت في طي التغييب المتعمد والنسيان، والبعض الآخر مازلن يقاومن العديد من التحديات رغم تعرضهن لتنمر مجتمعي من أشخاص مستنكرين عليهن حقوقهن في إبراز مواهبهن في الفن والغناء. تقول حنين الأغواني، وهي فنانة عشرينية أنها غالباً ما تتعرض لتنمر في الواقع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويتمثل هذا التنمر من خلال بعض التعليقات المسيئة لها، وتعليقات أخرى تقلل من شأنها بسبب تأديتها للأغاني، وترى حنين في حديثها لـ منصتي 30 ، “أن المرأة في تعز واليمن بشكل عام إذا كان لها حضور في أي منبر إعلامي وفني يسارع البعض بالتنمر عليها، وسرعان ما تواجه صعوبات من العائلة، ويصل الأمر إلى التحريض ضدها”، و تؤكد حنين أنها تواجه هذا التنمر بعدم اللامبالاة وعدم الرد على المسيئين.
حرمان من الحقوق
قصص ومواقف محزنة لفنانات شعبيات سبقن حنين في الفن والغناء بسنوات طويلة كالفنانة آمنة علي، التي توفيت في سبعينيات القرن المنصرم وكانت أم التراث في مدينة تعز، ولكن لا أحد يعرف عنها شيئاً بسبب التغييب المتعمد لمسيرتها الفنية، وفنانات أخريات تعرضن للإهمال كـ”نعايم بنت شريان” التي اشتهرت بإحيائها أعراس النساء في قرى وعزل تعز، وانتهت مسيرتها بعد أن اصيبت بحادثة فقدت قدرتها على النطق وماتت دون أن تحصل على رعاية رسمية ومجتمعية وتوفيت دون أن يعرف عنها أحد بحسب نقاد فنيين.
وفنانات أخريات تعرضن للتمييز وعدم الحصول على فرص في الظهور كالفنانة غانية التي لم تحصل على درجة وظيفية من وزارة الثقافة رغم أنها كانت تسعى وتتايع الوزارة لسنوات من أجل الحصول على هذا التكريم الرمزي لمسيرتها الفنية التي ارتبطت بأعراس اليمنيين وأفراحهم، وتوفيت غانية قبل أن تحصل على حقها في التوظيف.
تشير الفنانة حنين أغواني إلى غياب الفرص للفنانات في تعز والدعم الشحيح حيث لا توجد بيئة فنية، وغالباً تتشكل الأفكار السائدة في المجتمع بضرورة منع النساء من الفن.
تمييز وخوف
فنانات شعبيات أخريات شكين لـ”منصتي 30“، من أن التمييز ضدهن وصل إلى حد عدم تكريمهن في العديد من المحافل والمهرجانات التي كانت وما تزال تقام في مدينة تعز لأسباب تتعلق بهيمنة الذكور على المشهد الفني والثقافي في المدينة، لكن عبدالخالق سيف المدير السابق لمكتب الثقافة في تعز ينفي ذلك، ويوضح في رده على هذه الشكوى قائلا: “التكريم حق لكل مجتهدة وكل نجمة وفق تقييم معايير معينة في الفن والموسيقى وهذا لا يعني التمييز، دائماً المرأة بمفهوم الوضع العام والتمييز تشعر بالاستهداف وبالاستنقاص وهذا لا يعود أو يقتصر على مؤسسات حكومية أو خاصة معنية بالفن والثقافة، هذا الشعور مورس من قبل الأسرة أولاً، قبل أي شيء، وهي ثقافة مغلوطة متوارثة، ويؤكد أن ثمة مشكلة تتمثل بأن الجهات الحكومية كوزارة الثقافة لا تمل على انصاف المرأة وتبنيها للأسف.
سيف الذي يعمل في الوقت الحالي مديراً لمؤسسة صروح للثقافة والتنمية يلفت في حديثه لـ”منصتي 30″ إلى وجود عوائق أخرى تحول دون تقديم التكريم اللازم للفنانات في محافظة تعز، إذ أن من بين هذه العوائق البيئة الجاهلة، حيث أن بعض المغنيات الشعبيات يرين أن إحيائها لحفلة عرس أهم من حفل تكريمها رسمياً في فعالية تحضرها نخب مثقفة.
إضافة إلى مشكلة رفض بعض المغنيات للتكريم، كـالمغنية داليا التي ترفض التكريم أو الظهور أمام الكاميرا لأنها تخاف المجتمع، لأنها منقبة. مشكلة أخرى تتمثل بأن بعض الفنانات يطلبن التكريم المادي قبل المعنوي.
وبشكل عام يرى سيف أن لدى البعض موروث سلبي، ينظر للمرأة أنها مجرد جسد، وليست مبدعة، وحاضرة كفعل إيجابي في المجتمع سواءً في الفن أو المسرح أو مختلف مجالات الحياة.
المزيد من العمل
الشاعر والباحث محمد عبدالوهاب الشيباني صاحب كتاب “من هنا مر الغناء دافئاً” خصص حيزاً للكتابة عن الأصوات النسائية الأولى في اليمن، وأشار إلى المجابهات الباكرة لتعنيف المجتمع لغناء النساء، وقد ذكر في الكتاب قصص ثمانٍ من المطربات اللواتي جابهن المجتمع وقسوته.
يرى الشيباني أن “التنمر والتمييز ضد المطربات الشعبيات في تعز سببه المدّ الأصولي الذي أخذ في التمدد وصار سلطة مجتمعية وسياسية أيضاً، حيث أن بعض المنابر عملت على تأجيج وعي المجتمع ضد المرأة ونشاطاتها إجمالاً بما فيها المطربات، ويضيف الشيباني لـ”منصتي 30”: “للأسف المجتمع هناك في الوقت الراهن يحول دون تقديم أصوات النساء”.
تؤيده الفنانة حنين أغواني، وتزيد قائلة: “يتوجب على المطربات في تعز تصحيح النظرة المجتمعية القاصرة تجاههن وتجاه أقرانهن”، لكن قبل مواجهة التنمر والرفض المجتمعي لوجود أصوات فنية من النساء يرى عبدالخالق سيف، أنه يجب على المطربة أو المغنية الشعبية تثقيف نفسها موسيقياً والاهتمام بالتدريب، إذ أن أي فنانة لا تهتم بهذه التفاصيل سوف تتوارى عن الساحة الفنية، ويختتم سيف حديثه لـ”منصتي 30”: “نريد أن تشرق المطربات في تعز أكثر، لنكرمهن ونحتفي بهن”.