للسنة الرابعة عشرة على التوالي يخوض علي ناجي معركته مع السرطان دون توقف إلا من مرات لا تكاد تُذكر، يحاول الرجل الخمسيني التمسك بحقه في الحياة حتى النهاية، وليس أمامه إلا أن ينتصر كما يقول.
برباطة جأش وبما تبقّى لديه من رصيد الأمل يقول ناجي: “صحيح أنني تعبت وأنا من مستشفى لآخر، وتناولت أدوية لا تعد ولا تُحصى، وعملت كل أنواع الأجهزة، واستأصلت الورم ثلاث مرات وهو يرجع من جديد، لكن هذا ما يعني لي أننا خلاص وصلت للمحاولة الأخيرة، فمثلما بدأت علاجي في صنعاء قبل 14 سنة بواصل هنا في تعز، والذي مكتوب لي بلاقيه في الأخير، وربنا كبير، يمكن محاولاتي وجهدي ما يروح بلا فائدة”.
مآسي عدة
الإصابة بسرطان المثانة ليست المأساة الوحيدة التي تواجه علي ناجي؛ فالفقر والوضع الأمني ونقص أدوية السرطان وعدم انتظام جلسات العلاج الكيميائي ساهم في مفاقمة آلامه التي يعاني منها برفقة أكثر من 8600 مصاب في مركز الأمل لعلاج الأورام بتعز الذي يقدم خدماته للمصابين من تعز ومحافظات أخرى مجاورة كإب ولحج والضالع. ووفق إحصائيات المركز فإنه سجّل 868 إصابة جديدة في عام 2020 وهي الأعلى خلال الست سنوات الماضية.
في السياق يرى الدكتور أمين مزاحم اختصاصي علاج الأورام الصلبة بمركز الأمل لعلاج الأورام بتعز أن “الوضع الذي تعيشه البلاد شتت جهود مكافحة السرطان والوقاية منه، وهي من وجهة نظره النقطة التي يمكن البناء عليها اليوم إذا ما أردنا أن نصنع الفرق؛ لأن التدخلات العلاجية بشكلها الكُلي لا تختلف كثيراً سوى في وسيلة الإعطاء وحسب، أما ما يمكنه أن يقف في وجه السرطان هو بذل جهود مضاعفة على مستوى التوعية والتثقيف”.
ويضيف مزاحم: “من خلال عملي اليومي هناك ازدياد غير مبرر في عدد الإصابات الجديدة، الناس يأتون في مراحل متأخرة وقد انتشر المرض في أجزاء واسعة من الجسم، لا بد من مراكز كشف مبكر، وتعميق ثقافة الكشف المبكر، ولا بد من صناعة وعي مجتمعي متكامل للوقاية من السرطان، هذه أولوية المرحلة، ما لم فلن نستطع السيطرة على الوضع خاصة في ظل المجريات الراهنة للبلاد”، والكلام للدكتور مزاحم.
وضع مختلف
علي ناجي ليس وحده في قائمة المعاناة هذه، فالمصابون المترددون على مركزي علاج الأورام في تعز والحديدة عليهم المرور من طرق بديلة وعرة فرضتها الحرب الدائرة في المحافظتين، إضافة لارتفاع أسعار كلف التنقل عبر وسائل نقل قديمة تُناسب جغرافيا المناطق التي يمرون منها، وكعامل مشترك يبقى الوضع الأمني أبرز هاجس للمعاناة بالشراكة مع المتغيرات الاقتصادية التي تلقي بظلالها على نفسية مريض السرطان، وتُضعف من جاهزيته لمقاومة المرض ومواجهته، وفق ما يقوله الدكتور جمهور الحميدي، عميد مركز الإرشاد والبحوث النفسية بجامعة تعز.
وبلغة التحفيز الجمعي يرى الدكتور الحميدي أن “المسؤولية الاجتماعية تجاه مرضى السرطان يجب أن تكون في أعلى مستوياتها على الدوام، وهذا -حسب قوله- يُشعر المصابين بأنهم محفوفون بالعناية والرعاية، ففي حالاتهم التي تخضع للعلاج الدائم لا بد من كسر الروتين الممل، ولا بد من إدخال السرور عليهم من خلال الفعاليات الترفيهية، وإخراجهم من جو التداوي بممارسة بعض هواياتهم ولو لوقت قصير، بالإضافة إلى جلسات الإرشاد والدعم النفسي من صناعة للتفاؤل والتحفيز المستمر بأنها فترة وتعدي، وهذا هو حال المرض”.
وتعاني مراكز علاج الأورام في اليمن من قصور كبير على مستوى الدعم والرعاية النفسية في ظل اهتمامها بتقديم الخدمات الصحية كأولوية للتعامل مع السرطان.
انقسام الجهود
لا إحصائيات رسمية عن السرطان في اليمن، فالجهود الراهنة مشتتة؛ بسبب التداعيات السياسية التي تمر بها البلاد، مركزان حكوميان للأورام وبرنامجان وطنيان لمكافحة المرض في صنعاء وعدن، وكل منهما لا يملك إحصائيات شاملة للسرطان وأنواعه، إذ باءت كل محاولات البحث بالفشل.
بحسب منظمة الصحة العالمية، يعاني حوالي 35000 مريض بالسرطان، بينهم أكثر من 1000 طفل يعانون من السرطان، أي ما يقارب 12% من 11000 حالة جديدة يتم تشخيصها كل عام في البلاد.
في السياق ذاته يقول ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن ألطاف موساني: “تعد الأمراض المزمنة مسؤولة عن 57% من إجمالي الوفيات في اليمن، ومن بينها السرطان الذي يؤثر على جميع الفئات العمرية في البلاد بنسبة 60% ممن تبلغ أعمارهم ما بين 30إلى 60 عاماً”.
ويضيف موساني: في العام 2017 فقط، سُجلت أكثر من 10,000 حالة سرطان، لكن 40% فقط من هذه الحالات تلقت العلاج الكامل، وهذا لدى موساني مؤشر واضح لمدى الظروف القاسية التي يمر بها هؤلاء المرضى.
وتسبب الصراع المستمر في اليمن بأكبر أزمة إنسانية في العالم، وحرمان شعبه من الاحتياجات الأساسية كالرعاية الصحية، ويحتاج أكثر من 19,7 مليون شخص إلى خدمات الرعاية الصحية، بينما نصف المرافق الصحية فقط تعمل.