تحلم ولاء دينيش، الشابة الطموحة من محافظة مأرب شمال شرقي اليمن، بتغيير واقع بلدها. لكنها، وكثير من مثيلاتها، تصطدم بحواجز صلبة تحول دون تحقيق طموحاتها، فمجرد كونها امرأة جعل الوصول إلى منصب قيادي في المحافظة أمراً شبه مستحيل.
العادات والتقاليد المتأصلة، الصراعات السياسية، التطرف، وغياب الإرادة السياسية، كلها عوامل تساهم في تهميش المرأة وإقصائها عن مواقع القيادة. ولذلك، تطالب ولاء دينيش بتغيير جذري في النظرة المجتمعية للمرأة، وبتوفير بيئة داعمة تمكنها من المشاركة الفاعلة في بناء مستقبل بلدها. “دعونا جميعًا نعمل معًا لبناء مجتمع أكثر عدلاً، ازدهارًا ومساواة” تقول ولاء.
قصة ولاء ليست استثناءً، بل تعكس واقع عشرات النساء اليمنيات الطموحات اللاتي يواجهن حواجز شتى تحول دون مشاركتهن الفعالة في صنع القرار.
تكشف الأرقام حقيقة صادمة، ففي أربع من أكبر المحافظات اليمنية، تقتصر نسبة تمثيل المرأة في المناصب القيادية على 16% فقط، مقارنة بنسبة 84% للرجال. مما يعني أن أصوات أكثر من نصف المجتمع تُهمش وتُحرم من فرصة المشاركة في بناء مستقبلهن.
أكثر من 49% من السكان وأقل من 16% من المناصب!
في محافظة مارب، على سبيل المثال، لا تتجاوز هذه النسبة 4%، مما يعني أن غالبية النساء هناك محرومة تمامًا من المشاركة في صنع القرارات التي تؤثر على حياتهن. للأسف، تشغل النساء منصبين فقط، وهما بالأساس مناصب نسائية حصرية.
وفقًا للإحصائيات الرسمية، تشكل النساء أكثر من 49% من إجمالي السكان، إلا أن تمثيلهن في المناصب الحكومية على مستوى المحافظات لا يتجاوز 16%، هذه الفجوة الكبيرة تعكس وجود عقبات بنيوية وثقافية تعيق مشاركة المرأة في صنع القرار على المستويين المحلي والوطني.
المحامية عفراء الحريري، أرجعت، أسباب تهميش المرأة اليمنية في صنع القرار إلى عدة عوامل، منها: “التنشئة الاجتماعية المبكرة، الثقافة المجتمعية الذكورية والصراعات الجندرية”.
وأضافت: “تعيش المرأة اليمنية وضعًا مزرياً على الساحة السياسية ومحصورة في أدوار ثانوية، مؤكدة أنها تعاني من تهميش شديد في صنع القرار مقارنة بزميلاتها في الدول العربية”.
وتتركز جهود المجتمع الدولي لدعم المرأة اليمنية حاليًا، بحسب الحريري، على مشاركتها في فعاليات المجتمع المدني والأحزاب السياسية. ودعت إلى بذل المزيد من الجهود لتمكين المرأة اليمنية فعليًا في مراكز صنع القرار.
في المقابل، تحرز محافظتي عدن وحضرموت تقدمًا نسبيًا، إلا أن الفجوة بين الجنسين لا تزال كبيرة. إذ تشغل النساء في المحافظتين بالتساوي 10 مناصب حكومية مقابل 35 منصب للرجال.
إلى ذلك، وبنسبة 13% تتواجد النساء في مراكز صنع القرار في محافظة تعز، حيث تشغل 6 مناصب فقط من أصل 45 منصب حكومي على مستوى المحافظة الأكبر في البلاد.
بدورها أعربت إشراق المقطري، عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، عن أسفها العميق لاستمرار تهميش المرأة اليمنية في مواقع صنع القرار، رغم نضالها المستمر لعقود ومطالبها بوفاء اليمن بالتزاماته الدولية، ومنها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
وأكدت أن الحرب المستعرة في البلاد، وغياب الإرادة السياسية، والتحديات الاجتماعية، وانتشار التطرف، كلها عوامل ساهمت بشكل كبير في تفاقم هذا التهميش: “تواجه المرأة تحديات جمة في الوصول إلى مواقع القيادة، بدءًا من القوالب النمطية المجتمعية التي تحصر دورها في إطار ضيق، ووصولاً إلى غياب الدعم الحكومي وبناء استراتيجيات واضحة لتمكينها” توضح.
ودعت المقطري وهي خبيرة الآليات الدولية في حقوق الإنسان إلى ضرورة تكثيف الجهود المجتمعية والرسمية لتمكين المرأة اليمنية، من خلال تغيير النظرة المجتمعية لها، وتوفير فرص متساوية، وبناء سياسات داعمة لمشاركتها الفاعلة في الحياة العامة وصنع القرار.
التقاليد والقوانين تفرض قيودًا
أسباب هذا التهميش متعددة ومتشابكة، بدءًا من التقاليد الاجتماعية التي تضع المرأة في خانة محددة، ووصولًا إلى القوانين التي تفرض عليها قيودًا لا تفرض على الرجال.
غياب المرأة عن مراكز صنع القرار ليس مجرد إحصائية، بل له آثار عميقة على المجتمع بأكمله. فالمجتمعات التي تشرك النساء في صنع القرار تكون أكثر عدالة واستدامة، وتحقق نتائج أفضل في مجالات التنمية.
تؤكد فاطمة مريسي رئيسة فرع اتحاد نساء اليمن في عدن، بأن الأحزاب السياسية لا يوجد لها أي دور يذكر في دعم مشاركة المرأة في الوصول إلى مراكز صنع القرار: “همشت الأحزاب السياسية المرأة بشكل كبير، حاليًا هناك تراجع في مشاركتها وتواجدها في صنع القرار، وإن كان لديها سابقًا نسبة في التواجد فقد أُقصِيت اليوم تمامًا” تضيف مريسي.
لتغيير هذا الواقع، لابد من اتخاذ إجراءات عاجلة وجذرية. إذ يجب على الحكومة اليمنية أن تلتزم بتطبيق مبدأ المساواة بين الجنسين في جميع السياسات والبرامج، بما في ذلك تخصيص حصص نسائية في المناصب القيادية (الكوتا)” وتشجيع المشاركة السياسية النسائية.
كما يجب على المجتمع المدني والمنظمات الدولية أن تدعم جهود تمكين المرأة اليمنية، وسن قوانين تحمي حقوقها وتضمن مشاركتها الفعالة، وتغيير النظرة المجتمعية للمرأة ودورها.
دور الإعلام
تسهم وسائل الإعلام بشكل كبير في تشكيل صورة المرأة في المجتمع، بحسب ابتسام الحيدري عضو هيئة التدريس المساعدة بكلية الإعلام جامعة عدن، إذ يمكّنها تعزيز الصور النمطية أو كسرها، من خلال تقديم نماذج نسائية ناجحة وتناول قضاياهن بموضوعية.
“أيضًا يمكن للإعلام أن يصبح أداة فعالة لدعم تمكين المرأة وزيادة تمثيلها في مراكز صنع القرار، بتشجيع السياسات الداعمة من خلال المطالبة بإصلاحات تضمن تمثيلهن الفعلي في المناصب القيادية مما يعزز العدالة والمساواة في المجتمع” تضيف الحيدري.
في حضرموت، حيث تتجذر العادات والتقاليد، برز نجم ساطع لامرأة شابة تحمل هموم مجتمعها. الأستاذة عبير الحضرمي، التي لم تستسلم لحواجز المجتمع، أثبتت أن المرأة اليمنية قادرة على تحقيق إنجازات كبيرة من خلال تواجدها في مراكز صنع القرار.
برغم التحديات التي واجهتها، استطاعت عبير أن تثبت نفسها كقائدة مؤثرة، وأن تساهم في إحداث تغيير إيجابي في مجتمعها من خلال توليها منصب مدير عام مكتب الثقافة بساحل حضرموت.
تغييب المرأة اليمنية عن صنع القرار هو خسارة كبيرة لليمن، حيث يحرم المجتمع من طاقات وإمكانيات كبيرة. ولكن، هناك أمل في المستقبل، فقصص نجاح نساء مثل عبير تثبت أن المرأة اليمنية قادرة على تحقيق الكثير.
أهمية مشاركة المرأة في السلطة المحلية في اليمن تتجلى في قدرتها على تحقيق التوازن والمساهمة في صنع القرارات التي تلبي احتياجات المجتمع بشكل شامل فالمرأة تشكل نصف المجتمع وتمثل شريحة هامة قادرة على إحداث تغيير إيجابي في مختلف المجالات خاصة على المستوى المحلي حيث تكون القضايا أكثر قربًا من حياة الناس اليومية
مشاركة المرأة في السلطة المحلية تساهم في تعزيز التنمية المستدامة من خلال تمكينها من المشاركة في وضع السياسات واتخاذ القرارات التي تلامس احتياجات الفئات المختلفة مثل النساء والأطفال والشباب كما أن وجود المرأة في السلطة يعزز من الشفافية والعدالة الاجتماعية حيث تمتلك المرأة رؤية متميزة وشاملة تمكنها من التعامل مع التحديات بطرق مبتكرة ومراعية للجوانب الإنسانية
من الضلم