لا تُقصى النساء دائمًا بقرارات صريحة، بل كثيرًا ما يُعاد إنتاج التهميش عبر سياسات “محايدة” لا تراعي واقعهن، خاصة في بلد هشّ وممزق، فالسياسات العمياء للجندر لا تعني التمييز المتعمد دائمًا، بل غياب الوعي بأثر القرارات على النساء والرجال في سياق غير متكافئ.
في الواقع، تستمر السياسات العامة بتجاهل النوع الاجتماعي، إذ تُصاغ الخطط بلغة محايدة تُفضي لنتائج غير عادلة، تعمق الفجوة وتُقصي النساء من فرص وموارد متكافئة.
حين يبدو التهميش كأنه صدفة
«السياسات العمياء للجندر» هي تجاهل أثر القرارات على الرجال والنساء بشكل مختلف، ما يفضي إلى تكريس الفوارق القائمة. توضخ السيدة مدينة عدلان، عضو اللجنة العليا لمؤتمر حضرموت الجامع، أن “أخطر مظاهر الحياد الجندري في اليمن تتمثل في فتح فرص تعليمية واسعة للنساء، دون وضع خطط واقعية لاستيعابهن لاحقًا في الوظائف”. وتتابع: “تُدرّب النساء في الورش الاقتصادية، لكنهن لا يجدن أماكن للبيع أو تسويق منتجاتهن، ولا يتم دمج نتائج التدريب في السياسات الاقتصادية الوطنية”.
من جانبها، تشير رحيل صالح، خريجة علوم سياسية من جامعة عدن، إلى أنها عايشت تجربة لهذا التهميش، عندما “قُدمت مكافآت دعم مالي لطلاب الجامعات الذكور فقط، بينما استُبعدت الطالبات دون مبرر”.
أما الصحفية وداد البدوي، فتذهب إلى أن “الحياد المزعوم ينهار عند أول اختبار”، إذ يتم تهميش النساء تحت ذرائع مثل “الوضع الحربي” أو “صعوبة المسؤولية”، بينما تُعطى الأولوية للرجال المحيطين بصناع القرار في المجالس أو “مقايل القات”.
رغم مشاركة النساء في التعليم الجامعي بنسب عالية، ما تزال فرص حصولهن على وظائف لائقة محدودة، بسبب غياب سياسات تراعي خصوصياتهن. فلا توجد تشريعات مرنة لحماية الأمومة، ولا بيئة عمل آمنة خالية من التمييز، كما أن برامج التوظيف والتأهيل تغفل الحواجز التي تواجه النساء في الريف أو المحافظات الطرفية.
ترى عدلان أن الدولة تغيب عن دعم مؤسسات نسوية قائمة كاتحاد نساء اليمن واللجنة الوطنية للمرأة، مرجعةً ذلك لغياب بيانات دقيقة عن نسب النساء في التعليم والعمل، مما يعيق التخطيط العادل. وتشير إلى أن دعم الدولة لعمل المرأة يقتصر على المنظمات، دون وجود استراتيجيات في القطاعين العام والخاص لاستيعاب مخرجات المبادرات، مضيفة: “ندرب النساء على الخياطة أو صناعة البخور، ثم نتركهن يواجهن السوق بلا حماية أو دعم”.
بينما تشير وداد البدوي إلى أن الأحزاب تستبعد النساء صراحة من المناصب بذريعة عدم قدرتهن على تحمّل المسؤولية في ظل الحرب، بينما تُمنح المناصب لرجال فقط لوجودهم في مجالس القات أو قربهم من القيادات.
أما رحيل صالح، فترى أن مشاركة النساء اقتصاديًا ليست تمكينًا فقط، بل ضرورة لبقاء الأسر، موضحة أن كثيرًا من النساء يعِلن أسرًا بالكامل ويعملن دون حماية قانونية أو اعتراف رسمي بأعبائهن.
حضور رمزي لا يُترجم قرارًا
في ميدان السياسة، تعاني النساء من تهميش صارخ، غالبًا ما يُغلف بالشعارات. تقول وداد البدوي لمنصتي 30 إن “صناع القرار يتحدثون عن دعم المرأة في المؤتمرات الدولية، لكنهم يستثنونها تمامًا عند تقاسم السلطة أو توزيع المناصب”.
تشير مدينة عدلان إلى أن تمثيل النساء في المجالس المحلية “ضعيف جدًا مقارنة بالرجال، رغم وجود كفاءات نسائية عالية”، مؤكدة أن “المحسوبية والتوريث السياسي يطغيان على معايير الكفاءة”.
أما رحيل فتوضح أن “الدستور اليمني في نسخته المعدّلة بعد عام 1994 تراجع عن الصيغة التي تضمن المساواة أمام القانون”، ما يجعل الالتزام الدولي بحقوق النساء في مواجهة مستمرة مع واقع قانوني داخلي غير متوافق.
تعليم تقليدي، توجيه أعمى، وفضاء خطِر
لا يقتصر أثر السياسات العمياء للجندر على النساء فحسب، بل يمتد إلى الفتيات والشباب. التعليم يرسخ أدوارًا تقليدية منذ الطفولة، والتوجيه المهني لا يستجيب لاحتياجات الشابات، والفضاء الرقمي، بدل أن يكون أداة تمكين، صار ساحة مفتوحة للعنف غير المرئي.
تقول البدوي إن كثيرًا من الشابات يتجهن للعمل المدني هربًا من التهميش السياسي، بينما ترى رحيل أن الوعي بحقوق النساء ضعيف ويحتاج إلى توعية موازية للتغيير، وتوضح رحيل أن فتيات الريف يُحرمن من التعليم بسبب التقاليد وغياب البنية التحتية، داعية لتعزيز التعليم النوعي ومسارات تناسب واقعهن، أما عدلان، فتشير إلى أن غياب الدراسات حول احتياجات الشابات يجعل التوجيه المهني ذكوريًا، مضيفة أن “المجتمع لا يرى جدوى من تعليم الفتيات دون ربطه بسوق العمل”.
وتلفت وداد إلى أن الفضاء الرقمي، رغم كونه مساحة حرية، أصبح مجالًا لعنف غير منظور، وسط غياب آليات استجابة، ما يدفع كثيرات للانكفاء.
خطوات لسياسيات ترى الجميع
رغم التحديات، تبرز تجارب ملهمة. تشير عدلان إلى تجربة الحزب الاشتراكي في حضرموت، حيث تم تقاسم الهيئات القيادية بين الجنسين بنسبة تقارب النصف، ضمن خطة تبدأ بتأهيل الكوادر الشابة وتمنع القات في الاجتماعات.
وتلفت إلى إشراك النساء في إعادة فتح طريق ضبة، وبناء بدائل لمرافق دمرها الإرهاب، إلى جانب إدماجهن في قوات الأمن، ما سهّل تنفيذ المهام وتقبلها اجتماعيًا.
ولا يمكن ردم الفجوة دون إدماج التحليل الجندري في السياسات، وتفعيل مشاركة النساء في القرار، وجمع بيانات مصنفة، وتعزيز الوعي بحقوق النوع الاجتماعي.
وتتفق الأصوات الثلاث على أن التغيير يبدأ من داخل الأحزاب التي تقصي النساء أولاً قبل الحكومات، وترى أن وجود تحليلات جندرية حديثة ضروري لأي خطة تنموية قابلة للتطبيق.
فالسياسات لا تكون عادلة لأنها شاملة شكليًا، بل لأنها تعترف بمن تم إقصاؤهم وتسعى لتضمينهم. وفي اليمن، تبدأ العدالة بالاعتراف بأن “عمى السياسات لا يُسقط عنها مسؤولية الأذى“.
نعم هناك سياسه عمياء وغير مباليه في ذالك تلهف وراء المصالح الشخصيه