يقوم عمل المدافعات عن حقوق الإنسان على حماية وتعزيز الحريات ورصد الانتهاكات، في الوقت الذي يواجهن فيه التمييز والقوالب النمطية حول دورهن ومشاركتهن في المجتمع.
في بلدٍ كاليمن رُصدت فيه عدد الانتهاكات لحقوق الإنسان فيه بـ(3.624) واقعة انتهاك، تعرض لها الضحايا من الأطراف دون استثناء في كافة المحافظات اليمنية، وبلغ إجمالي الضحايا الذين سقطوا بسببها (4.642) ضحية حسب التقرير الأخير للجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في 2021م، تتجه بعض النساء للعمل الحقوقي دفاعاً عن الإنسانية المُنتهكة.
تقول إشراق المقطري (مدافعة عن حقوق الإنسان – تعز): عملي المبكر ميدانياً في مجال المساواة كان السبب لرؤية مشهد حقوق الإنسان في بلادي، كما أني أعيش بمحافظة يتعرض سكانها وأهلها لتهميش منذ عقود، من ذلك الاقصاء من وظائف هامه مثل القضاء والجيش، أضف الى ذلك أنه توجد في مناطق مختلفة صور للانتهاكات مثل التمييز وحرمان الفئات المهمشة والنساء والأطفال من حقوق مختلفة وتعرضهم للعنف المختلف، كل هذا السياق من طبيعة الحياة واليوميات دفعتني لأن يكون جزء من عملي وحياتي الدفاع عن حقوق الإنسان عن طريق المناصرة وتغيير القناعات وتوثيق التجاوزات والانتهاكات.
أما عفراء الحريري (مدافعة عن حقوق الإنسان – عدن) فالصدفة وحدها دفعتها للعمل الحقوقي، ثم وجدت نفسها فيه وأمنت به، بحسب قولها.
العمل في حقوق المرأة هو الأصعب
يشمل عمل المدافعات عن حقوق الإنسان على سبيل المثال لا الحصر، حقوق المرأة، وتحدي عدم المساواة بين الجنسين والقوالب النمطية، وتعزيز الحقوق والحريات، وتعزيز تمكين المرأة ومشاركتها.
عملت المقطري في قضايا الاعتقال التعسفي كونه الانتهاك النمطي المستمر من قبل جهات تسيء استخدام سلطاتها وتقوم بتقييد الحريات، أضف الى ذلك قضايا العنف ضد المرأة وزواج الصغيرات وهذا المجال رغم صعوبته إلا أن المقطري حصدت فيه نجاحات واستطاعت إيقاف كثير من زيجات الصغيرات. كما عملت في مناصرة حرية الرأي والتعبير ورفض تكميم الأفواه من قبل المتنفذين سياسياً واجتماعياً ودينياً خصوصاً وأن أغلب ضحايا هذا الانتهاك من النساء أو الصحفيين والكتاب وناصرتها بطرق مختلفة سواء بالكتابة أو الحشد أو التوعية أو التدريب وتغيير القناعات. لذا كان لها تأثيراً كبيراً على تغيير وضع الحقوق والحريات سواءً على الأفراد أو على المؤسسات وممارستها.
شاركتها الحريري بالعمل والإنجازات حين أسقطت عقوبة الرجم حتى الموت على امرأة من المهمشات في قضية شرف، كما أنها حصلت في قضية طفل المحاريق (اختطاف، اغتصاب، قتل) على عقوبة إعدام على اثنين من المتهمين والثالث خمسة عشر سجن.
أضف إلى ذلك جهدها الحثيث للترافع عن معتقلي الحراك الجنوبي السلمي والدفاع عنهم، وبلغ عددهم ٢٢٥٠ معتقل طيلة فترة ٢٠٠٨-٢٠١١م، وأيضاً معتقلين حرب 2015م.
كما كان لها دور بارز في قضايا الأطفال الأحداث وحينها أعلنت محافظة عدن، مدينة خالية من جرائم الأحداث، وقضايا نزيلات مركز الإغاثة الرعاية المرأة وهومركز إيواء وتعليم وتأهيل وتدريب وتوعية وتمكين وترفيه وإعادة دمج في المجتمع) استهدفت فيه السجينات المفرج عنهن والنساء ضحايا العنف وأطفالهن)، كما أنها لم تتوانى بتاتاً عن قضايا الفساد.
وبحسب حديث المقطري والحريري فإن العمل في حقوق المرأة هو الأصعب.
طريق المتاعب
“العمل الحقوقي في اليمن يعتبر صعباً وشائكاً هذا ما تُجمع عليه المدافعات عن حقوق الإنسان في اليمن، فعلى حد قول المقطري فإنه عندما يقرر شخص ما أن يطرق هذا المجال ويتصدى لمناهضة ممارسة أو فعل غير إنساني أو غير قانوني فإن طريق المتاعب قد بدأ.
فالمدافع يجابه العديد من الصعوبات والتحديات من ضمنها: التعصب والتطرف لدى فئات وجماعات ترى أن حقوق الإنسان خطر عليها وتحاول حشد العامة ضد الفكرة وكل من يعمل عليها، وتدني المعرفة القانونية لدى أغلب الكيانات المجتمعية، الأمر الذي يوجد سلوكيات خاطئة من قبل المجتمع المدني نفسه تجعل من المواضيع التي يدافعون عنها عرضة للتندر أو الرفض.
واكتفت الحريري بوصفها أن العمل الحقوقي أصبح مرتبطاً بالمال لدى الكثير، وتم حصاره في جدران القاعات والبيانات والنداءات، حتى الصحفيين/ات أو الإعلامين/ات اقتصرت مهامهم/هن في طرح الأسئلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وانتظار الإجابات ونشرها أو النسخ واللصق دون بذل جهد أو عناء فيها.
تُضيف المقطري: الوضع السياسي الهش منذ عقود والاستقطاب السياسي للنشطاء والناشطات يجعل العمل الحقيقي مصنفاً ومجزءاً في أوقات كثيرة وعلى حسب مكانة وصفة وانتماء الضحية يكون التفاعل والاصطفاف أو العكس، فكيف إن كانت المدافعة أنثى ترفض الانتهاك أو الإقصاء أو التمييز أو العنف؛ سيكون الوضع أكثر قسوة وصعوبة وسينبري هؤلاء بأقلامهم وربما بأسلحتهم الأخرى في النيل من المدافعة ومن القضية التي تعمل عليها.
حملات وتهديدات مستمرة
تتعرض المدافعات لأشكال كثيرة من التهديدات من ضمنها السب والتجريح والتخويف والتشهير.
واجهت المقطري تهديدات جمة كالتهديد المباشر واتصالات للمنزل، الشتم والسب بمواقع التواصل الاجتماعي، التهديد بأطفالها وعائلتها، الحرمان من فرص كثيرة في الترقي والعمل والتأهيل.
وأكدت في حديثها أنها تعرضت وأطفالها مرات كثيرة للملاحقة من سيارات مجهولة يقوم من بها بالشتم القبيح.
كذلك الحريري تعرضت للتكفير والاعتقال والتنمر، إضافة إلى تهديدات مستمرة منها ما هو عبر اتصالات، أو استلام ظرف فيه رصاصة، محاولة اغتيال وقيدت ضد مجهول، تلفيق تهمة كيدية أغلقت بلا وجه لإقامة الدعوى، اعتقال.
أما عمن يقود هذه الحملات أو التهديدات فتتفقان على أنها من جهات عدة منها أمنية، جماعات مسلحة، وجماعات دينية.
هناك قوانين
عن الوضع القانوني لحماية المدافعين/ات عن حقوق الإنسان تحدث المحامي والقانوني توفيق الشعبي قائلاً: هناك قوانين وطنية تدافع عن حقوق الإنسان كقانون المحاماة وقوانين نصوصها تحمي النقابيين كونهم أيضاً يدافعون عن حقوقهم أيضاً من بينهم الإعلاميين.
وهناك أيضاً الإعلان العالمي لحماية المدافعين عن حقوق الانسان الصادر في 1998م من الأمم المتحدة الذي صادقت اليمن عليه والذي يقر بالدور الرئيسي الذي يلعبه المدافعون/ات عن حقوق الإنسان وواجب الدولة في حماية وتعزيز وإعمال جميع حقوق الانسان، أضف إلى ذلك إعلان استقلال مهنة المحاماة والدفاع عن المحاميين أثناء أداء مهامهم كونهم الفئة الأكبر في المدافعين.
يضيف الشعبي أن هناك مؤتمر دولي حول المدافعين في الشرق الاوسط عُقد في 2019م بمجلس حقوق الإنسان في جنيف، وتبنى أفكاراً وآليات حماية لهن في بلدان النزاعات، لكننا في اليمن رغم تزايد عدد المدافعات وبروز دورهن البطولي إلا أنهن يتعرضن للكثير من المخاطر والتهديدات بسبب سياسة تكميم الأفواه وغياب الدولة مع تزايد الانتهاكات حيث وصلت إلى 1586 انتهاكاً ضد المدافعين بحسب رصد وتوثيق منظمة سام الحقوقية حتى عام 2019م بينهم 61 إعلامياً منهم خمسة قتلوا جراء التعذيب.
لحمايتهن
لم تعد القوانين كافية لحماية المدافعات في بلدان النزاعات في الوقت الذي تنتظر المدافعات واجب حمايتهن وحماية حقوق الإنسان عامة من الدولة بمؤسساتها وهياكلها القانونية المختلفة الشبه غائبة.
لكنهن يأسفن أن انتهاكات عدة تقع من جهات محسوبة على الدولة ومن متنفذين أو من الذين يدعون أنهم وجهات دينية وبالتالي يأتي دور الحماية من المجتمع المدني المحلي والدولي في توفير غطاء مجتمعي يناصر المدافعات عن حقوق الإنسان في مواجهة المنتهكين خصوصاً الذين لديهم تأثير ونفوذ إعلامي وديني ومجتمعي، ويأسفن أكثر أن هذا الدور هو الآخر غائب وأن وجد فهو ضعيف.
أما عن آليات الحماية المرجوة فيلخصنها في تفعيل شبكات الحماية، وتطبيق القانون الوطني والالتزام بالقواعد القانونية والمبادئ الدولية لحقوق الإنسان والقيم والأخلاق، إضافة لتوفير العون القانوني والدعم النفسي والإعلامي للمدافعات.
آمال وطموحات
يترتب على الدور العظيم الذي تقوم به المدافعات عن حقوق الانسان في اليمن العديد من الآمال والطموحات من أهمها: زيادة عدد المدافعين عن حقوق الإنسان بمهنية واحترافية، ونشر ثقافة حقوق الإنسان في أوساط الفئات المستضعفة أو الهشة لتقود حركة المطالبة بحقوقها، كما وصفتها المقطري.
وأضافت قائلة: “إقناع أكبر قدر من المؤثرين وصناع القرار بدورهم في احترام وكفالة وحماية حقوق الإنسان والوقوف المستمر على حقيقة الانتهاكات لحقوق الإنسان من خلال توثيق وتدوين تلك الحالات عبر مؤسسات أو نشطاء أو ناشطات، احترام ودعم أنشطة جميع المدافعين عن حقوق الإنسان أمر ضروري للتمتع العام بحقوق الإنسان”.
الدفاع عن الحقوق والحريات يمثل شغف بالنسبة لي ومهما كانت المصاعب فإني لن أنثني …واتمنىن تتخذ الدولة الإجراءات اللازمة لحماية المدافعات