يُعدّ العمل التطوعي من الظواهر البشرية الممتدة عبر التاريخ في كل المجتمعات، إلا أنها ارتبطت في المجتمعات العربية بالأعمال الخيرية التي يتم بها التقرب لله تعالى، من خلال القيام بالأعمال الصالحة التي تساهم في تماسك المجتمع واستقراره وتطوره، لكن مفهوم العمل التطوعي أخذ بالتطور ليوائم متطلبات المرحلة الحالية ليصبح سلوكاً يصقل المهارات وينمي القدرات الذاتية للمتطوعين، و ليتحول إلى عمل منظم يساهم فيه كل أفراد المجتمع.
أشارت لجنة الأمم المتحدة للتطوع في هذا السياق بأنه تخصيص بعض الجهد والوقت دون توقع مادي نحو أنشطة منظمة وأحياناً غير منظمة تحقق مصالح الجماعة ككل أو تسهم في رعاية وتمكين بعض المهمشين في المجتمع. وللعمل التطوعي للمرأة اليمنية دور جلي يبرز بشكل خاص في أوقات الأزمات والصراعات. حيث تعاني البلاد من صراعات طويلة الأمد، وكان للمرأة دور حاسم في عملية التعافي الاجتماعي من خلال أعمالها التطوعية و قدرتها على الصمود والتكيف، بالإضافة إلى دورها التقليدي كراعٍ للأسرة والمجتمع، يجعلها شريكًا لا غنى عنه في إعادة بناء المجتمع وتعافيه، فتتجلى أهمية دور المرأة اليمنية في العمل التطوعي في سد الفجوات الخدمية التي خلفتها الأزمات، من خلال تقديم الرعاية الصحية، وتوفير التعليم، وتقديم المساعدات الإنسانية. كما برز في تعزيز التماسك الاجتماعي من خلال بناء جسور التواصل بين أفراد المجتمع، وتقريب وجهات النظر بين مختلف الفئات، والمشاركة في عملية بناء السلام وحفظ الامن وتعزيز ثقافة التسامح والقبول بالآخر، ويمثل العمل التطوعي فرصة للمرأة لتمكين نفسها واكتساب المهارات والمعارف الجديدة. فتتلخص الأبعاد التي شاركت فيها المرأة بشكل طوعي في إطار التعافي الاجتماعي في الآتي:
المبادرات المحلية: للنساء دور رائد في إطلاق المبادرات المجتمعية التي تهدف إلى تقديم الخدمات والتخفيف من المعاناة، مثل المبادرات الإنسانية كتوزيع المساعدات الغذائية والملابس، وإيواء النازحين، وتقديم الدعم النفسي، والمبادرات الصحية كتنظيم حملات التوعية الصحية، وتقديم الرعاية الطبية الأولية، وإدارة مراكز صحية مؤقتة وتوفير الرعاية الصحية، والعمل كمتطوعات في كثير من المستشفيات والمراكز الصحية أما المبادرات التعليمية تمثلت في تأسيس مدارس مؤقتة، والتطوع للتدريس في بعض المدارس التي تفتقر للمعلمين خصوصاً في الريف، كما تساهم بشكل طوعي في تنظيم برامج محو الأمية.
تكوين الشبكات: تساهم النساء في بناء شبكات مجتمعية قوية تدعم بعضها البعض وتوفر الدعم النفسي والاجتماعي. كما تشارك في تنفيذ بعض المشاريع التنموية من خلال الرفع للجهات المعنية بتنفيذ مشاريع تنموية تحتاجها المجتمعات المحلية أو البحث عن جهة مانحة للتمويل، كما أنها تشارك في كافة مراحل التنفيذ ابتداءً بالتخطيط وانتهاء بتسليم المشروع للجهات المستفيدة منه وخاصة في الأرياف.
التأثير على صنع القرار: تسعى العديد من النساء إلى المشاركة في صنع القرار على المستويات المحلية والوطنية، فنجدها متواجدة وبشكل طوعي في اللجان المجتمعية مما يساهم في ضمان أن تكون احتياجات المرأة والأسرة ممثلة في السياسات والبرامج.
البناء النفسي والاجتماعي: تساهم في تقديم الدعم النفسي لأفراد أسرهن ومجتمعهن، خاصة للأطفال والنساء الأخريات المتأثرات بالصراع.
الحفاظ على التماسك الاجتماعي: تساهم النساء في الحفاظ على التماسك الاجتماعي من خلال تعزيز القيم والتقاليد الإيجابية، وتقريب وجهات النظر بين مختلف الفئات الاجتماعية.
مكافحة العنف: تعمل النساء على مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، وتوعية المجتمع بأهمية المساواة بين الجنسين.
المشاركة الاقتصادية: تساهم النساء في تأمين سبل العيش لأسرهن من خلال العمل في الزراعة والصناعات الحرفية والمشاريع الصغيرة التي تساهم ايضا في تنشيط الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل جديدة.
التحديات التي تواجه المتطوعات:
الأعراف والتقاليد: تواجه المرأة من نظرة تقليدية نمطية وتحديات ثقافية واجتماعية تمنعها من المشاركة الكاملة في الحياة العامة.
العنف: تتعرض المرأة للعنف بأنواعه المختلفة، مما يحد من قدرتها على العمل بحرية وأمان.
فقر المرأة: تعاني النساء من فقر بسبب نقص فرص العمل وبسبب تدهور العملة المحلية وغياب أو فقد العائل.
الصراعات المستمرة: تؤثر الصراعات بشكل مباشر وغير مباشر على قدرة المرأة على المشاركة في الأعمال التطوعية.
توفير الدعم
للمرأة اليمنية دور حيوي في بناء مجتمعها، وتساهم بشكل كبير في عملية التعافي والبناء. فقد أثبتت قدرتها على الصمود والإبداع، وتقديم نموذج يحتذى به في العمل التطوعي والإنساني. ومع ذلك، فإن تحقيق التمكين الكامل للمرأة يتطلب تضافر الجهود من قبل جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني. من خلال توفير الدعم اللازم وتوفير بيئة آمنة خالية من العنف والتمييز لتمكين المرأة من العمل بحرية ، كما يجب توفير برامج تدريبية وتأهيلية لتعزيز قدرات المرأة في مجال العمل التطوعي. والعمل على دعم المبادرات المجتمعية التي تقودها المرأة وتوفير الموارد اللازمة لها.
- أستاذة علم اجتماع العمل المشارك بجامعة تعز.
نعم نرجو الاهتمام بلمهمشين لانهم من المجتمع ونريد نحارب العنصريه ضدهم