article comment count is: 0

سلطانة.. تاريخ مُشرق وواقع مُخيب!

تعتقد نهار، بأن الأصل بالحكم في الأساس من حق الأنثى، وهي التي ستتمكن من تطبيق العدالة والإنسانية في المجتمعات، “فهناك أساطير وشواهد تاريخية تحكي كيف تم تمكين المرأة من الحكم وإدارة شئون البلدان بكل إنسانية واقتدار، ولعل ما شهدته اليمن قديمًا خير شاهد، من نساء صنعن تاريخ حتى اليوم”.

وكأن نهار باعتقادها هذا تردد قول الشاعر:

وَلَدتني من الملوكِ ملوكٌ       كلُ قيلِ مُتَوجٌ صِنديدُ

ونساءٌ متوجاتٌ كبلقيس   وشمسَ ومن لميس جدودي

ترى نهار -صحفية يمنية- أن “المرأة في حكمها لا تركز على النفوذ والسيطرة، وهذا نابع من غريزتها التي تمكنها من التركيز على تقديم العون والاهتمام بالإنسان، بعيدًا عن جنسه وعرقه، على عكس تفكير الذكور بطريقة حكمهم المرتكز على حب السيطرة والنفوذ والتنافس لإقصاء الآخر، حتى على حساب حاجات الناس ومتطلباتهم”.

في زمن تصدّرت فيه بلقيس وأروى بنت أحمد المشهد كرموز للحكمة والقيادة، كانت النساء في اليمن شمسًا تُضيء سطور التاريخ. لكن اليوم، عندما نبحث عن “سلطانة” في مراكز صنع القرار، نجد غيابها ملحوظًا، مما يطرح تساؤلًا عميقًا: هل غيابها عن السلطة هو غياب طوعي أم تغييب قسري؟

سأستعير في هذا المقام كلمة “سلطانة” من حملة منصتي 30 التي تسأل #أين_سلطانة_من_السلطة؟ لتناول الحضور النسائي اليمني في مراكز صنع القرار، من خلال استعراض نماذج تاريخية لنساء قُدن اليمن بتميز، ورصد الواقع الحالي، واقتراح سبل تمكين المرأة لقيادة المستقبل.

قائدة ببصيرة

الإرث التاريخي للمرأة اليمنية، مليء بنماذج ملهمة كالملكة بلقيس، وأروى بنت أحمد الصليحي، اللتان أظهرتا قدرة استثنائية على القيادة واتخاذ القرار  وفقًا لكتاب “نساء حكمن اليمن“، برزت الملكة بلقيس كقائدة استثنائية لمملكة سبأ، واشتهرت بحكمتها وذكائها في إدارة شؤون المملكة وبناء علاقات دبلوماسية ناجحة. وأشار الكتاب إلى أن بلقيس كانت “قائدة ذات بصيرة نافذة ورؤية حكيمة”، مما مكّنها من تحقيق الاستقرار والازدهار لمملكتها.

السيدة الحرة

كما أن الملكة أروى لم تكن فقط ملكة حكمت لفترة طويلة تقارب 50 عاماً، لكنها تعد أول امرأة تُلقب بـ “السيدة الحرة” في العالم الإسلامي. واشتهرت بتقدير شعبها لها، حيث ورد في الكتاب أنها “كانت تُدعى لها على المنابر كرمز للعدالة والحكمة”.

وليس ببعيد عن التاريخ القديم، فالمرأة اليمنية أثبتت خلال فترة الحرب الأخيرة قدرتها على القيادة وتحمل المسؤولية، فبعد تراجع دور الرجل في تحمل مسؤولية الأسرة نتيجة انخراط الكثير من الرجال في الحرب برزت النساء في كثير من المواقف ولعبن دوراً في إعالة الأسرة والعمل الإغاثي والإنساني، والتنموي أيضاً، عملت في إزالة مخلفات الحرب والألغام، وساهمن بحل نزاعات استمرت سنوات، وعملن في مجالات كانت حكراً على الرجل.

وبالعودة إلى الأرقام نجد أننا أمام تهميش كبير لتواجد المرأة في المستويات القيادية كافة، سواء مراكز صنع القرار محلياً أو وطنياً، وعلى مستوى الأحزاب السياسية التي يفترض أن تكون الحامل للتغيير والداعم للمساواة.

فعلى مدى الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ قيام الوحدة اليمنية في 1990، حتى آخر حكومة شُكلت لم تمثل المرأة سوى بنسبة 4.1%، وعلى مستوى تمثيلها في مراكز صنع القرار في الأحزاب السياسية  لا يزال ضعيفاً.

وعلى المستوى المحلي لا تزال المرأة بعيدة عن مراكز صنع القرار، وضعيفاً لو أخذنا كمقياس بعض المحافظات اليمنية.

أسباب التغييب

عدة أسباب ساعدت في تغيب المرأة من مراكز صنع القرار محلياً ووطنياً، ويمكن ايجازها بـ:

  • النظرة المجتمعية القاصرة تجاه المرأة: بسبب الأعراف والتقاليد يُنظر للمرأة بأن مكانها المنزل وأن المراكز القيادية حصرياً للرجال، وهذه النظرة تُقلل من فرص مشاركة المرأة في الحياة العامة والوصول إلى صنع القرار.
  • الهيمنة الذكورية: تُدار الأحزاب السياسية، والهيئات العليا في مراكز صنع القرار بالبلد بهياكل ذكورية، وبالتالي فالمرأة مغيبة عن صنع السياسات داخل هذه الهيئات هو ما ينتج عنه تهميش للنساء وتغيب قضاياهن.
  • القصور التشريعي: لا تزال القوانين اليمنية تفتقر إلى آليات تمييز إيجابي فعّالة تدعم وصول النساء إلى مراكز صنع القرار.

فرص للتغير

يعد مؤتمر الحوار الوطني الشامل مثال حي على إمكانية إشراك النساء في مراكز صنع القرار وذلك عندما تتوفر الإرادة السياسية، والدعم وتهيئة البيئة المناسبة لإشراك المرأة، ففي المؤتمر شاركت المرأة بنسبة 30% بعد أن تم اعتماد حصة للنساء وفرضها على المكونات المشاركة. ومن هذا المنطلق يمكن اقتراح الآتي:

  • تفعيل مخرجات الحوار الوطني، التي نصت على تمثيل النساء في مراكز صنع القرار بنسبة لا تقل عن 30%، في جميع مؤسسات الدولة، كما نصت على إلزام المكونات السياسية فيما تعلق بالنظام الانتخابي اعتماد القائمة النسبية المغلقة، بما يضمن وصولها بنسبة 30% للمجالس الانتخابية.
  • تعديل التشريعات والقوانين بما في ذلك الدستور واعتماد حصة للنساء في مراكز صنع القرار بنسبة لا تقل عن 30%، ويمكن في هذا الجانب الاستفادة من التجربة الرواندية التي نص دستورها على تمثيل النساء في مستويات صنع القرار كافة، بنسبة لا تقل عن 30%، حيث تعتبر رواندا من أكثر البلدان تمثيلاً للنساء في مراكز صنع القرار التي وصلت في البرلمان إلى 60%.
  • تعزيز التوعية، وذلك من حملات تثقيفية لمكافحة التمييز ضد المرأة وتغيير الصورة النمطية.

استلهام دروس

“غياب المرأة عن مراكز صنع القرار في اليمن ليس قدَرًا محتومًا؛ إنه انعكاس لبيئة اجتماعية وسياسية، وتشريعية تحتاج إلى إصلاح جذري”، تؤكد نهار، وتشير إلى “ضرورة استلهام دروس من رواندا وتفعيل مخرجات الحوار الوطني التي يمكن أن يحدث نقلة نوعية، ليس فقط للنساء، بل للمجتمع اليمني ككل”، حد تعبير نهار.

 

  • هذا المقال أحد المقالات المرشحة ضمن “القائمة القصيرة” في مسابقة “المقال” ضمن أنشطة حملة “مشاركة النساء في مراكز صنع القرار بالسلطة المحلية” التي نظمتها منصتي 30 للعام 2024.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً