نساء يمنيات - أرشيف
نساء يمنيات في صنعاء. AP
article comment count is: 0

في يوم المرأة العالمي!

قد يكون لهذا اليوم وقع خاص بالنسبة لنا نحن اليمنيين، الذين لنا إرث سخيف إزاء المرأة، إرث يحجب عنها ضوء الشمس ونَفَس الحياة، إرثٌ يكبلها عقلاً وسلوكاً، يسلبها فاعليتها في الحياة، ويختصر مشوارها الزمني في الحياة كربّة بيت لا أكثر، ومخزنٍ للدموع.
 
ومن يعود لقراءة حال المرأة اليمنية في تاريخها الطويل، سيصعق من هول الفاجعة، لم يكن وجعها من السلوك الممارس ضدها فحسب بل شارك في ذلك المعتقد الفكري المنغرس ضدها في البنية الذهنية للمجتمع، معززاً الأمر في ثقافته الشعبية من أمثال وقصص وحكايات وسيل من التوارثات الحِكمية والوعظية التي تحذر من انحراف زاوية التعامل مع هذا الكائن اللطيف.

ويرجع ذلك إلى تعزيز الذات الجمعية عند المجتمع كلما تمسك بدستوره اليقيني ضد المرأة، محاولاً قولبته في غطاء ديني واجتماعي، يدعم به جدار العتمة والتصلب في موقفه المعادي لكيانها، وما تزال بقايا تلك الترهات تتواشج في الوعي عائدة إلى نقطة الصفر.

كان لثورة سبتمبر الفضل الكبير في كسر الحصار التاريخي على المرأة في اليمن، فقد أخذت بيدها نحو الحياة، وألحقتها بالتعليم المدرسي والجامعي كخط سير للنجاة، ومن ثم أفسح لها المجال في العمل الإداري في مختلف القطاعات، وفي هذا السياق يحضرني موقف الأستاذة رمزية الإرياني، أنها في بداية السبعينيات من القرن المنصرم، بعد عودتها من القاهرة ببكالوريس فلسفة، حيث توظفت في إحدى الدوائر  في التربية، وكانت الصدمة كبيرة إذ لم يتسنّ لمن كانوا يعلمون في الدائرة نفسها قبول امرأة في هذا المجال الوظيفي، قالت إنهم في يومها الأول آنذاك أظهر الجميع رفضهم واستغرابهم، يتخافتون فيما بينهم: أن الحياة قد انقلبت موازينها؛ بل إن موعد القيامة قد اقترب، “امرأة تعمل”، وظل التهامس لبضع أيام، وبعدها تجرأ أكثرهم شجاعة ليسألها باللهجة الصنعانية (معش ابتدائية عامة يا بنية)، ردت عليه بكل ثقة وثبات، أنها خريجة من القاهرة ببكالوريس فلسفة، فاندهش مصعوقاً من مؤهلها لأنه يعلم أنه بالكاد هو ورفاقه، مؤهلاتهم لا تتجاوز الثانوية العامة وربما أقل، وهي بالمناسبة أول امرأة يمنية تكتب رواية، ولها بصمات معتبرة في النضال والحياة.

وهكذا بدأ نجم المرأة اليمنية يكبر وسط جحيم من التعقيدات الإيديولوجية والتركيبة السوسيولوجية والتغذيات السياسية، لكنها تجاوزت المصير الحتمي المنوط بها، حتى صارت أستاذة جامعية، واكتسحت كل مجالات الحياة العلمية والعملية؛ لترسم واقعاً تثبت فيه ذاتها الوجودي، وتبتلع من خلاله صورة ذهنية معاقة في الوعي.

ومنذ التسعينات طارت أسماء كثير من اليمنيات في الأفق، ليقدمن للحياة نموذجاً مقتدراً من الإبداع، لقد برزت أروى عثمان كرائدة في مجال التراث والأدب الشعبي تاركة جهداً كبيراً في هذا الشأن، وكتبت هدى أبلان، ونادية مرعي، ونبيلة الزبير، الشعر، وتحول البعض لكتابة الرواية والقصة، كنادية الكوكباني وهدى العطاس، ونبيلة الزبيري، والمقطري والعمري، وتعد الدكتورة حفيظة سلام أعمق ناقدة في اليمن.

وكلما تقدمنا خطوة كلما كان إقبال المرأة اليمنية على العالم الواقعي أكثر رسوخاً.

حمل العام 2011م دهشة الموسم، بفوز امرأة يمنية بجائزة نوبل للسلام الذي لم يخص الفوز هذا توكل كرمان وحدها؛ بل المرأة اليمنية واليمن بأكمله.

ولم تتوقف مسيرة نجاح المرأة اليمنية عن هذا الحد؛ فكان لها الدور الأكثر شجاعة ووعياً في ثورة فبراير العظيمة، كانت بشرى المقطري أيقونة ثورية ونضالية قل أن تجد لها نظيراً دون أن تجني منصباً ولا شهرة، وإنما ثقافتها ووعيها السياسي جعلها تؤدي دور المثقف الحقيقي الذي يسهم في بناء المجتمع.

ويكفيناً فخراً أن مؤتمر الحوار الوطني قد أوصل المرأة اليمنية لتكون نبيلة الزبير رئيس فريق صعده، تاركة شيخ مشائخ اليمن في الكرسي الأخير ينفث دخان الغيرة والحقد، إنه لمكسب مدني سنظل نحتفي به ونناضل من أجله للأبد.

سأزعم دون تردد أن هناك ما يقارب من خمسين كاتبة قصصية من ذمار لوحدها، بصورة تجعلك تتمسك بالمستقبل أكثر من اللازم.

في يومك العالمي يا بنت اليمن، لك مني كل تحية وإجلال، والأمل يتسع بوجودك في مصاف هذا السواد الذي يحاول أن يطبق علينا مرة أخرى.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً