ثكنة عسكرية أسفل قلعة صيرة - تصوير: مازن شريف
article comment count is: 19

ألف سنة من عُمر دفاعات عدن و قلاعها

عدن القديمة هي شبه جزيرة قام بتكوينها بركانٌ خامد. هناك في أحضان البركان كان من الجذاب إنشاء ميناء استراتيجي يتمتع بالحماية الطبيعية، ثم إن تعزيز تلك الميزات الطبيعية كان حتمياً خاصة وأن التنافس على حيازة هذا الميناء لم يخمد يوماً. جُل التحصينات الأثرية اليوم تعود للدول الإسلامية التي تعاقبت على عدن في العصر الوسيط، العصر الذي شهد على امتداد تسعة قرون منه أكثر من 30 غزوة برية وبحرية على المدينة، بما يزيد عن الغزوة لكل جيل.

خريطة بريطانية للدفاعات في عدن عربتها الكاتبة. المصدر: The Historical Development of Aden’s Defenses

متتبعين ما أتاحته مشاهدات المؤرخين عن تحصينات المدينة خلال الألفية المنصرمة، إليكم قصتها:

أولاً: الدفاعات البرية

استهدفت هذه الدفاعات الأجزاء المنخفضة في المرتفعات المحيطة بالمدينة بتشييد الأسوار وتحصين الممرات البرية، بالإضافة لأبراج المراقبة، الحصون والقلاع التي انتشرت في كل اتجاه ترفع إليه رأسك.

1. القلاع

القلعة التركية

هي القلعة الشهيرة والتي تفترش بقاياها أعلى قمة في جبل شمسان. الدرج الحجري الصاعد إليها يتلوى حول الجبل مُتيحاً لمتسلقه منظراً بانورامياً يضم المدينة القديمة ببيوتها وبحرها، المعلا ومينائها، القلوعة وسواحل التواهي. على الرغم من التسمية الإنجليزية فإن القلعة تعود للقرون ما قبل الحكم التركي ويُجهل من بناها ومتى.

أجزاء من بقايا القلعة التركية ومن تحتها الدرج الطويل الصاعد إلى القلعة. تصوير: مازن شريف

قلعتا الخضراء والتعكر

أما هاتين القلعتين فأقدم ذكر لهما كان كمقار حُكمٍ لدولة بني زريع في أوائل القرن الثاني عشر. قلعة الخضراء والواقعة على قمة جبل المنصوري أدار الزريعيون من عليها الميناء والمدينة. أما قلعة التعكر والتي يُفترض أنها تتحكم بمدخل عدن البري من جهة المعلا فلا يُعرف لها أثر اليوم.

2. باب البر والبغدتين

باب البر أو باب العقبة كان المنفذ البري الوحيد إلى خارج عدن قبل العهد البريطاني، وقت كُبست الطريق الواصلة بين عدن القديمة وخور مكسر وحُفر ممران للإمدادات أو” البغدتين” في جبل حديد.

بوابة البغدة الصغرى والواصلة بين البرزخ الكبير والبرزخ الصغير في خورمكسر. تصوير: أحمد خالد

لا يُعلم بالتحديد من حفر باب البر في الجبل لكن مصادر تعود لعهد الزياديين في القرن الحادي عشر تذكر الباب بـ “طريق عجيبة جُعل عليها بابٌ حديدي”. فوق الباب ارتفع جسر معلق هُدم لتوسعة الطريق في الستينات لكن منشآت المراقبة والتحصينات المجاورة ما زالت بحال جيدة اليوم.

3. الحصون والأسوار البرية

عملت ثلاثة سلاسل من الأسوار على سد الثغور المنخفضة في المرتفعات المحيطة بعدن، أقدمهما سوران شُيدا بأمر من عثمان الزنجلي الحاكم الأيوبي على عدن في أواخر القرن الثاني عشر. الشمالي منها امتد طويلاً بين حصن الخضراء وحتى موقع قلعة التعكر على طول جبال المنصوري ماراً ببوابة البر. أما الجنوبي فقد امتد من جبل المنظر وحتى جبل العر، وعبره شُقت بوابة في الجبل تطل على مرفأ حُقات البديل و الذي كان يُشغّل في موسم الرياح.

حصن القفل على جبل حديد من جهة خور مكسر و يمتد من عليه درب الحريبي. تصوير: أحمد خالد

أحدث الأسوار وأشهرها هو درب الحريبي أو الدرب التركي والذي شُيد كتحصين بري متقدم على الأجزاء المنخفضة مما يُعرف اليوم بجبل حديد واصلاً بين ثلاثة حصون يُعتقد أنها تعود للعهد الطاهري في القرن الخامس عشر.

درب الحريبي في البرزخ الكبير في خورمكسر ويرتفع بطول متر، تصوير: أحمد خالد

الحصون هي: حصن القفل، حصن الجارف وحصن العرق وكلها خطوط دفاعية تسبق السور الشمالي وباب البر.

حصن العرق، يرتفع عنه في يسار الصورة برج مراقبة لحركة الملاحة. تصوير: مازن شريف

ويُرجح أن السور بُني في عهد الوزير الحريبي عامل الحُجرية في القرن الثامن عشر بعد انسحاب الأتراك، والسور بحالته اليوم عبارة عن تحصين بريطاني أضيف إليه خندق بُني على أنقاض السور القديم الذي تهدم خلال معارك بين المقاومة المحلية والجيش البريطاني في الفترات الأولى من الحقبة البريطانية.

ثانياً: الدفاعات البحرية

1. السور البحري

كجزء ثابت من الخطة الدفاعية، أحاط بعدن سور بحري له أبواب ويمتد على طول الساحل ابتداءً من سفح جبل الخضراء قُبالة ثانوية لطفي جعفر أمان اليوم وحتى جبل المنظر. أقدم ذكر للسور يُنسب لعهد الدولة الزيادية في القرن الحادي عشر، حيث عمل على الحد من عمليات تهريب البضائع إلى المدينة دون دفع الضرائب إلا أنه لعب أيضاً دوراً دفاعياً حاسماً  في صد الغزاة.

رسم برتغالي يؤرخ للغزو على عدن في القرن السادس عشر، عن المتحف البريطاني. المصدر: The Historical Development of Aden’s Defenses

يذكر البرتغاليون إبان حملتهم على عدن في القرن السادس عشر أن السور كان من العلو بحيث استخدموا سلالم للوصول إلى رأسه ولما حوصروا لم يجدوا مفراً إلا القفز فلم تسلم أرجل أحد منهم من الكسر. ولأن البريطانيين بعد العام 1840م عمدوا إلى إزالة السور وكبس الساحل فإنه لم يبقَ لنا من آثاره إلا ما يعتقد أنها أساساته الملتصقة بالجبال.

2. قلعة صيرة

هي القلعة العَلم الواقعة على جبل صيرة المتوغل في البحر شرق المدينة وقد أنشئت لمراقبة حركة الملاحة، و كخط دفاعي أول ضد أي عملية غزو بحري محتملة. تتضارب الأنباء حول مُنشئها إلا أن المرجح هو أن القلعة القديمة كانت ضمن المآثر الأيوبية في القرن الثاني عشر. أما الصورة الحالية للقلعة فتعود لإضافات لاحقة أهمها في العهد الطاهري الذي زامن الغزو البرتغالي وآخرها ترميمات بريطانية.

قلعة صيرة – shutterstock

هكذا هي عدن مدينة بتاريخ كثيف تعاقبت على نسجه دول كثيرة. مما يؤسف له أن غنى المدينة التاريخي لم يُقابل بالاهتمام الكافي في وقتنا هذا، فكل ما نعرفه عنها هو بالنقل والتقدير لافتقارنا لأعمال الحفر والتنقيب اللازمة للتأريخ. والأدهى جهل أهل المدينة بأسماء الجبال والحصون المحيطة بهم لإهمال التوعية بشأنها أو حتى ذكرها في المناهج التعليمية. ومع تردي الأوضاع فقد باتت هذه الشواهد في حالة متردية وعرضة للتخريب والبسط.

فمتى تجد المدينة وآثارها العناية والذكر اللذين تستحقانهما؟

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (19)

  1. اجمل واروع مدن العالم عراقة وتاريخ عبث بها العابثون الخير تم تدمير كمنهج لآثارها التاريخية والذى تتطلب الحماية

  2. يظهر جمال عدن في جمال روح أبنائها . غبتي كثير عن مثل هكذا تقارير ولكن عودتك كانت جميله وفقك الله أختي العزيزة عرفناك بشغفك للمعرفة

  3. عمل جبار ومعلومات قيمة الكثير منا لايعلمها ولم يجد الوقت الكافي لزيارتها
    شكرآ لجهودك استاذة منى

  4. عدن مدينة المحبة و الوئام مدينة جمعت كل الأطياف و الأديان على الرغم من صغر مساحتها إلى أنها أوسع مدن العالم من طيبه أهلها جمال أخلاقهم و ندعي الله أن ينظف و ينقي من العابثين فيها

  5. عدن مدينة المحبة و الوئام مدينة جمعت كل الأطياف و الأديان على الرغم من صغر مساحتها إلى أنها أوسع مدن العالم من طيبه أهلها و جمال أخلاقهم و ندعي الله أن ينظفها و ينقيها من العابثين فيها

  6. شكرا على ما كتبتيه الان وما كتبتيه على عدن جهد مبذول يحتاج الشكر والثناء سلمت وسلم اليراع

  7. ♔بالحقيقة انا منذ فترة وأنا متوقف عن كتابة أي شيء هذا الذي اكتبه مجرد هراء ربما فقدت الإلهام أو ربما أصابتني تعاسة الحروف والعجز الشتوي فأنا لا أحب فصل الشتاء غالباً أو هكذا أعتقد، لكن شيء ما دفعني للمحاولة من جديد وبدأت أفكر عن ماذا سأكتب وكيف لحروفي أن تصطف من جديد، إنها محاولة انتحارية للعودة خاصة أنني أخترت أن أكتب عن الحب وأنا لا أجيده ! ♔

  8. عدن جنة الدنياا لانامت أعين الجبناء الذي ارادو لهاا الخراب ربناا يحمي بلادناا ويلم شملنا ..

  9. عدن جميله في كل شي جميله بي بحرها وقلاعها واجمل ما فيها اهلها
    مامت عدن شامخ الي الابد