لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. الشاب وجدي البريهي لا يرى النور ولكنه يرى أوتار آلته الموسيقية التي صنعها من علبة حديدية خاصة بزيت الطبخ، بعد أن وضع عليها أربال مطاطية لتكون بمثابة الأوتار على غرار العود الغنائي العربي وأسماها (الوجدان). هذه الآلة تمكن وجدي من خلالها تعلم العزف وأداء مختلف الأغاني المحلية والعربية.
“أشكر الأشخاص المتشددين والمتطرفين الذين سخروا مني، لأنهم خلقوا أمامي تحدياً واستطعت أن أجتازه، وربما لولا جرحهم لي وسخريتهم مني لما اهتممت بموهبتي أكثر، ووصلت إلى هذا المستوى الجيد”، يشرح لنا وجدي البريهي انطلاقته الفنية من منطقة جبل حبشي التي ولد فيها بمحافظة تعز، والصعوبات الفكرية والدينية؛ فالمجتمع الريفي لا يقبل أن يكون المعاق فناناً، فسخر منه ومن مواهبه وطموحاته في العزف.
وجدي ذو الـ ٢٨ عاماً، لم يمتلك في بداية مشواره المال ليوفر الآلات الموسيقية حتى يعزف عليها، ولا حتى الأشرطة الفنية المتنوعة ليتعلم منها العزف، ولكنه تحدى كل العوائق ولوّن حياته بالغناء وعزف العود حتى يصبح واحداً من الأصوات اليمنية الفنية الجميلة.
وحول بدايته، يقول وجدي: “في الريف، كانت تباع في البقالات آلة الموسيقى (البيانو) الخاصة بالأطفال، وكانت هذه الآلة تعرض اللحن والمقام بالطريقة الغربية، فبدأت أتعلم السلم الموسيقي من خلالها”.
ويضيف “بعد ما تعلمت السلم الموسيقي والعزف على البيانو، بدأت أفكر في كيفية عمل آلة موسيقية خاصة بي، وبدأت أصنع آلتي الخاصة وصممت السلم على حسب آلة البيانو ولكن بالطريقة الشرقية”.
تعلم وجدي العزف على آلته الموسيقية التي صنعها من أربال مطاطية وعلبة حديدة نحت على رأسها مواضع خاصة لكل ربل مطاطي من أجل تثبيتها وعدم التصاقها ببعضها البعض.
وحول اختلاف أصوات الأربال الصادرة من العلبة الحديدية يشرح البريهي “عندما أرغب بإصدار صوت رقيق من الآلة أسحب الربل إلى الخلف، وأسحب إلى الأمام في حال أرغب بسماع صوت رخيم”.
ولمس وجدي لأول مرة آلة العود عندما جالس أحد ابناء قريته الذي كان يمتلك آلة العود، فاحتضن وجدي العود وبدأ يداعب الأوتار من الوتر الأول والثاني والثالث والرابع، ومن خلال ذلك استطاع أن يتعلم السلم الموسيقي لآلة العود.
“كان الناس وهم لا علاقة لهم بالفن أو الجهات الموسيقية، يشرحون لي أن اليد اليسرى هي من تصبع، واليمنى هي من تعزف، وعملت بآرائهم وطورت من ذاتي وعزفت على آلتي”، يقول البريهي.
تمكن وجدي -وهو خريج دبلوم لغة إنجليزية- من إجادة العزف على آلته الموسيقية، وكانت أولى الأغاني التي نالت إعجابه وعزفها هي أغاني الفنان اليمني أيوب طارش عبسي، وبعد ذلك اتجه نحو لونه الغنائي المفضل اللون العدني.
الإعلام وأول عود
لم تقتصر هوايات وجدي على العزف والغناء فقط، بل يهوى الإعلام فكان منذ نعومة أظافره يسجل على الأشرطة نصوص إذاعية حتى تعلم الإلقاء الإذاعي.
وحول دمج الموسيقى بالصوت يقول “كنت أسجل وأمنتج يدوياً من خلال مسجلة تبث موسيقى وأخرى تسجل كلامي، فكنت أخفض مستوى صوت الموسيقى عندما أتحدث وأرفع الموسيقى عند التوقف عن الحديث”.
في عام ٢٠١٤ انتقل وجدي إلى صنعاء، ومن خلال التسجيلات الصوتية التي قدمها كنماذج من أعماله، التحق بإحدى الإذاعات المحلية كمقدم برامج مسجلة وتطور إلى برامج مباشرة.
عزف وجدي على آلته الموسيقية التي صنعها، شارات لبرامج في الإذاعة التي يعمل فيها واعتمدت، وعزف أيضاً أمام مدير الإذاعة الذي بدوره أهدى له “عود موسيقي”، لينطلق به في إقامة المناسبات والاحتفالات.
قدم خلال ثلاث سنوات من عمله في الإذاعة، الكثير من البرامج المباشرة، والمفتوحة، والثقافية، والتهاني، والمسابقات في رمضان، ناهيك عن البرامج الإرشادية.
الحرب لم تستثني شيئاً
الحرب في اليمن التي دخلت عامها السادس، وأكلت أخضر البلاد ويابسها لم تستثنِ وجدي ولكنه لم يستسلم لها.
وحول تأثير الحرب، يقول “الحرب فعلاً عائق للتقدم لكنها مجرد زمن، ولا يعني هذا أنه علينا أن نستسلم لتأثيراتها، فلابد علينا أن نستمر ولا نستسلم”.
ويؤكد “كان في قلبي أمل ومازال باقياً، أن هذه الآلة التي صنعتها ستصل إلى كل مكان، فوصلت من خلال الإنترنت ووسائل الإعلام المحلية والدولية”.
ويثني البريهي الحافظ للقرآن الكريم، على ربه قائلاً “الحمد لله الآن أشعر أن لموهبتي صدى، رغم أني لم أكن أشغل وقتي كله بها إلا أنها جزء من مجالاتي”.
تحياتي لك