عدن- أنيس البارق- لم يسيطر اليأس على الشاب عرفات هاشم حين غادر فصول الدراسة ثلاث مرات في ثلاث مراحل دراسية، لأنه كان يؤمن بأن الجانب المشرق من حياته سيتحقق بجهود مضاعفة يوماً ما.
تترجم لنا إيمان هاشم شقيقة عرفات ما يقوله، فهو يعاني من إعاقة سمعية، ويتحدث بلغة الإشارة. يقول عرفات إنه كان يؤمن بأنه يستطيع تحقيق أحلامه رغم إعاقته، ويضيف: “لهذا حاولت بعد أن فشلت وسقطت مراراً، ثم نهضت ونجحت”.
ورغم الإعاقة، يهتم عرفات بمعرفة كل ما يدور حوله، يملك هاتفاً محمولاً، ويقضي ساعات أمام الكمبيوتر، متصفحاً أو متحدثاً مع آخرين، بلغة الإشارة، عبر “سكايب”، ويقضي أوقاتاً مع رفاقه في مقاهٍ شعبية بمدينة عدن، كبرى مدن جنوب اليمن.
معاناة
خلال ثلاث مراحل تعليمية، هي الابتدائية، والثانوية، والجامعية، انسحب عرفات من الدراسة، أحياناً بعد أسابيع فقط من انتظامه فيها ضمن فصول حكومية تقدم مناهجاً دراسية للناطقين، ولا تساعد في رفع قدرات الصم والبكم.
يقول عرفات لـ”منصتي 30″: “عندما دخلت المدرسة، كنت التلميذ الأصم الوحيد في الفصل. عانيت كثيراً، وكانت المعلمة تشرح لزملائي فيتفاعلون معها، وأنا بمقعدي لا أعلم ماذا يحدث من حولي”، ويضيف: “استمرت معاناتي كطالب فاشل في تلك الغرف الدراسية، لا حول لي ولا قوة، سنة بعد أخرى”.
غادر عرفات بعد ذلك إلى الإمارات، في منحة للدراسة في فصول خاصة بذوي الإعاقة السمعية، أكمل من خلالها المرحلة الإعدادية وحصل على المركز الأول، ثم عادت مشكلة الفصول الدراسية الخاصة بالناطقين، عقب عودته إلى عدن لإكمال دراسته الثانوية.
“استمرت دراستي الثانوية شهرين، ثم انسحبت بكل هدوء”، يقول عرفات، ويضيف “لم أستطع الدراسة، ولم يكن هناك مترجمون للغة الإشارة، بحثت عن بدائل، وعندما عجزت عدت لأكمل الدراسة منتسباً، وأنهيت مرحلة الثانوية بمعدل 75% كأول طالب أصم يتخرج في الثانوية في عدن”، في المرة الثالثة غادر عرفات قاعات الدراسة الجامعية بعد أسابيع فقط من بدايتها، لكنه لم ييأس.
من العلم إلى العمل
وبسبب إجادته الكمبيوتر، حصل عرفات على عمل في قسم الأجور والمرتبات في مطابع حكومية عقب انتهائه من المرحلة الإعدادية في الخارج وعودته. يقول إنه لم يكتف بهذا: “بدأت بالالتقاء بالصم العائدين من الخارج، ممن حصلوا على تعليم خاص مثلي، فكرت في فتح فصول دراسية خاصة بفئتنا، بدأنا بالحصر والتسجيل، وأنشأنا قاعدة بيانات”.
بعد أشهر، أسس عرفات ورفاقه أول فصل مسائي لتعليم الصم والبكم، ثم فتحوا جمعية رعاية وتأهيل الصم، حتى وصلوا إلى فتح فصول لفئة الصم في كل مديرية من مديريات عدن، وحين أخفق في دراسة البكالوريوس في قاعات الناطقين، عاد إلى كليته معلماً للغة الإشارة، يقول عرفات: “بدأت بنشر لغة الإشارة في كليات جامعة عدن كالتربية والآداب، ولاحظت شغف الطلاب في تعلم هذه اللغة، وتحول بعضهم إلى معلمين للأطفال، حسب تخصصاتهم”.
يقول عرفات: “في حياتي جوانب مشرقة أخرى، أفتخر أنني مؤسس روضة المنارة للصم والبكم، وأحد مؤسسي نادي المنارة الرياضي للصم، حصلت أيضاً على ميداليات في عدة رياضات، بينها حمل الأثقال، والحزام الأخضر في الكاراتيه والمصارعة، وأنشأت مطلع هذا الشهر منتدى الرمز الثقافي، وهو منتدى يهتم بتعليم النطق للصغار وليس الإشارة فقط، ورغم أن المنتدى بحاجة إلى تأهيل كبير لكنني لن أيأس”. وإضافة إلى كل ذلك، شارك عرفات في إنشاء أول قاموس يمني للغة الإشارة عام 1999م.
إلى النجاح
تحقق حلم عرفات العام الماضي، فأنهى تعليمه الجامعي وحصل على المرتبة الأولى في دفعته في قسم التربية الخاصة، بمعدل 93%، ويطمح اليوم لمواصلة تعليمه العالي.
في ديسمبر الماضي، وقف عرفات على منصة الطبعة المحلية من مؤتمر “تيدكس” بمدينة عدن، ليروي قصة نجاحه، التي نهض في ختامها الحاضرون وهم يصفقون بشدة، بعد أن ختمها بقوله: “أقول لكل المتذمرين والمتسربين من التعليم بحجة أن هذه البلد ليس به أمل، أنا أصم استطعت أن أحقق أحلامي ولم تقف الإعاقة أمامي، أنتم بالتأكيد تستطيعون ذلك”.
جيد العبقريه توصلنا الى النجاح الباهر