مع تطور التكنولوجيا واندثار العديد من الوظائف، واحتكار السوق، وقلة فرص العمل، ليس من قِبل لوبيات، ولكن ممن يمتلك مهارات أكثر، وتعليم أقوى، أفرز سوقاً تنافسياً شرساً، وظائف محدودة، مع وجود أزمة اقتصادية عالمية، وضعف التعليم الأكاديمي أو ما يسمى بالتعليم التقليدي، الذي يلقّن الطلاب أُطر ومناهج تعليمية ثابتة لا تراعي ميول واهتمامات الفرد فيهم، ويلزمهم النظام التعليمي بالتعاطي معها وفرضها عليهم، ومسألة انتفاع الطالب بها ليس عاماً، ولا جديراً بالثقة، لهذا أضحى توجه العديد من الناس نحو التعليم الذاتي، من شأنه تأمين حياة كريمة لهم ولعائلاتهم، وممارسة ما يحبون القيام به، فما هو التعليم الذاتي؟
ينتظر العديد من الناس إنهاء التعليم الأكاديمي الجامعي، للحصول على الشهادة التي تمكنهم من العمل في مجال تخصصهم، ويحمّلون تلك الورقة ما لا تُطيق، فينصدم الشخص بوجوب وجود مهارات ومعارف أخرى، لم تكن تُعطى له أيام الدراسة، فيجد نفسه عاطلاً، أو يقوم بعمل لا يمت بأي صلة للتخصص الذي تعب السنين من أجله والتعليم الذاتي هو بحثك عن المعلومة والمعرفة التي تضمن لك حياة كريمة، ووظيفة مرموقة تبعدك عن العطالة، وتؤمن لك مستقبل مثمر، هو عكس النظام التقليدي، إذ لا وجود لمنهج محدد إلا ما يحدده المرء ويراهُ مناسباً لقدراته، وحال السوق بالطبع، ومن يحدد الوقت اللازم لإنهاء ذلك المنهج الذي اختاره.
لا شك أن الكثير يطمح للحصول على حياة مستقرة ودخل مادي عالي يبعده عن الكفاف وطلب المساعدة من الناس، لذلك يُرى أن يبدأ المرء في تعليم نفسه ويطوّر مهاراته ويزيد من معارفه، إذا بقي المرء ينتظر من الدولة أو الجامعة أن تقدم له كافة ما يحتاج إليه من علوم ومعارف، فهو ينتظر سراباً لن يأتي، تلك الطموحات والآمال التي تريدها لن تأتي إلّا بالبدء بالتعليم الذاتي، فكيف ستكون البداية؟
بما أنه تعليم ذاتي فهذا يعني أن كل شخص لديه نظام تعليمه الخاص والمفصّل على مقاسه هو، والبداية تكون بالسؤال: أساساً لماذا أتعلم؟
وهذا قد يختلف من شخص لآخر في بعض التفاصيل، لكن ما يجب التركيز عليه هو خليط من الآتي:
- تحقيق المنفعة: يتمثل الدخل المادي الجيد، المكانة الاجتماعية المنشودة، وظيفة الأحلام، بدء المشروع الخاص.
- حب التعلم: الوقود اللحظي الذي يدفع المرء لتعلم أشياء صعبة ومعقدة، يجتهد لاكتسابها للفضول وحب المعرفة.
بعد الإجابة عن (لماذا؟)، يأتي سؤال (ماذا أتعلم؟) وهذا يحدده سوق العمل ماذا يحتاج، بمعنى أن يتعلم المرءُ الأشياء التي تُفيد وتنفع في المقام الأول، فليس من المعقول أن يتعلم المرء شيئاً لا يحتاجه، وبعدها يهتم ما هو شغوفٌ بمعرفته، عند تحديده لتلك المجالات يضع لنفسه أهدافاً يسعى لتحقيقها تتّسم بالذكاء.
صفات الأهداف الذكية
- أن يكون الهدف محدد وواضح، قراءة كتاب في الشهر، سماع ثلاث محاضرات في الأسبوع.
- قابلة للقياس، بعدد، أو أيام، ساعات أو حتى بالكورسات ذاتها.
- قابلة للتحقق، هدف يمكن تحقيقه وليس تعجيزي.
- واقعية، تتوافق مع قدرات المرء.
- محددة بزمن، إعطاء الهدف مدة معينة يجب إنهاؤه قبل انتهاء تلك المدة.
ويأتي سؤال الكيفية، كيف أتعلم؟
أولاً تحديد المصادر التي يريد المرء الأخذ منها، ولكلٍّ مجال مصادره الخاصة والمتفردة، وتوجد على الإنترنت العديد من منصات التعليم الذاتي في كثير من المجالات، المجانية والمدفوعة والباقي هو اختيار ما يناسب والبدء. ومنصة يوتيوب تتربع على عرش هذه المنصات كلها باتفاق الجميع؛ لسهولة الوصول ومجانية الدخول تقريباً، اِبدأ من هناك وستجد ما يناسب ويوجه في رحلة التعليم الذاتي، فقط اِبدأ.
بعد الإجابة عن هذه الأسئلة ووضع الخطة والأهداف الذكية، سيتبادر إلى الذهن ما جدوى ذلك؟ ما جدوى أن يخصص المرء من يومه وقت محدد لتعلم مهارةٍ ما أو معرفة شيء جديد؟.
الحقيقة، أن الكل يتفق أن التعليم هو السبيل الوحيد لتطور الفرد والمجتمع، إذ لا أحد يغفل هذه الحقيقة، التعليم الذاتي يقدم ذلك مضاعفاً.
وقتك الضائع = مال تخسره، هي المعادلة ببساطة شديدة كل دقيقة تذهب دون التعلم فيها، تخسر مالاً، لأن المرء أفضل استثمار قد يستثمر فيه؛ هو نفسه، كل شيء إلى زوال ونهاية، لكن المعارف والمهارات التي لديه ستبقى وسيجني بها أموالاً أينما ذهب.
سيزيد من فرص نجاحه وتقدمه على غيره ممن ركن إلى التعليم التقليدي فقط، وسيكون ذا نفع أكبر لنفسه ولعائلته ومجتمعه وبلاده التي هي في أمس الحاجة إليه.
هذا أهم ما قد يجنيه المرء من تعليمه لنفسه والصبر عليها؛ لأنه سيواجه عقبات ومشاكل في طريقه هذا، منها:
- البيئة المحيطة المثبطة غالباً.
- انعدام الاستمرارية، وذلك لعدم وضوح الأهداف والغايات.
- حاجز اللغة، لأن أغلب المصادر الثرية تكون باللغة الإنجليزية.
- الضياع والتخبط في البداية، وهذا طبيعي وعلاجه الصبر، لأنها خطوة جديدة في الحياة.
أصل كل مشكلة، وفساد، في العالم هو الجهل، كل ذلك بسبب شخص لم يتعلم بالشكل المطلوب، إننا نقع في شر الأعمال بتهميش قضية التعليم بشكل عام والتعليم الذاتي بشكل خاص، لا يغادر أي مجتمع أزماته وصراعاته إلا بجيل واعٍ ومُتعلم، شق حياته بنفسه وعلّم ذاته كثيراً، وتعب من أجل أن يعيش من حوله ومن هم بعده بسلام وأمان، جيل لم يخضع لأي أيديولوجيا جعلته يسير خلفها دون تفكير، جيل يعرف ماذا عليه أن يقدم، يعرف كيف يخرج البلاد من أزماته وآفاته، التي تطحن كل الأفراد، جيل هو الذي يفكر ويقوم بما يمليه عليه تفكيره هو، وذلك لن يكون إلا بالتعليم الذاتي الذي يقود الإنسان للوعي، ويرقى بنفسه وبمن هم من حوله؛ لأننا مرتبطين وفائدة التعليم ليست شخصية وحسب، بل عامة تفيد المجتمع ككل.
- هذه المادة تم إنتاجها ضمن مشروع “كلمتين على بعض” الذي ينفذه نادي تكوين الثقافي، بتمويل من الصندوق العربي الثقافي والفنون (آفاق).