في كل مرة تلتقي ميادة عبدالقوي بزملائها وزميلاتها في العمل تتحسر على تأخرها الكبير في مواكبة التطورات الرقمية التي ترى بأن الآخرين أتقنوها ووصلوا إلى مراحل متقدمة على مستوى القيام بأعمالهم بسلاسة إضافة لسرعة الإنجاز، وفتح آفاق عملية جديدة لهم حسّنت مصادر دخلهم، بينما هي تحاول أن تصل إلى ذلك منذ عشر سنوات.
تفتح ميادة هذا الموضوع في جلسات النقاش العملية، وتطلب من زملائها أن يعلّموها لتصبح مثلهم، تقول عن تلك اللحظات: “هناك دافع ذاتي للتعلم، لكني لا أجد من يمكنه مساعدتي، أنا أتعامل مع الكمبيوتر وأستخدم الإنترنت، لكن في مجالي ليس هذا كل شيء، أحتاج إلى معرفة برامج وتطبيقات تسهل مهامي، وأحتاج احتراف برامج الأوفيس التي أستعين بها يوميًا”.
لا تبدو ميادة وحدها، فالفجوة الرقمية الحاصلة بين الجنسين في اليمن هي امتداد للوضعية العالمية، ولكنها تبقى في اليمن معقدة؛ فالبلد الذي يتجاوز سكانه 33 مليون نسمة يستخدم 26% منهم فقط الإنترنت، وهو رقم يشير إلى محدودية الوصول إلى الإنترنت وسط صعوبات عدة ارتبطت بالصراع الدائر منذ عام 2015، ولم تكن المرأة اليمنية مستثناة منه.
فجوة عالمية
في اليمن تبرز الفجوة من خلال النسبة المتدنية للنساء العاملات في المجالات الرقمية، وتبرز الحاجة اليوم لتشخيص موضوعي يحاول تحجيم الفجوة الحاصلة وتداركها على الأقل في المجالات التي تعد المرأة أكثر حضورًا فيها، ليس من باب الفرز المجتمعي بل بما تستوجبه اللحظة، وهو ما تتفق معه ميادة عبدالقوي، التي تضيف: “نريد برامج عملية، وحلول تجعل المرأة مواكبة لما يستلزمه عملها رقميًا، لا أن تبدو وكأنها عاجزة”.
اليمن واحدة من الدول الأقل نموًا وتواجه تحديات كبيرة على مستوى التنمية ووصول الإنترنت، وهي من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي سجلت أوسع فجوة رقمية في العالم بفارق 12 % بين استخدام النساء والرجال للإنترنت، وهو ما ينعكس تلقائيًا على واقع اليمنيين، ويكون أشد على النساء اللواتي يعشن في بيئة توصف بالمعقّدة، كما يتناول تقرير للاتحاد الدولي للاتصالات ITU.
يبقى عدم المساواة بين الجنسين سبب محوري للفجوة الرقمية بينهم، إلا إنها تؤثر على النساء بشكلٍ أكبر، لا سيما ذوات الدخل المنخفض والأقل تعليمًا وذوات الإعاقة واللائي يعشن في المناطق الريفية وفقًا للجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول GSMA .
ويساهم عدم التكافؤ في فرص التعليم بين النساء والرجال في الفجوة الرقمية بين الجنسين، وتعتبر الفجوة بين الجنسين في أمية القراءة والكتابة قضية عالمية، بحسب البنك الدولي.
بينما تذهب منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة يونيسف إلى أن الأعراف الاجتماعية القائمة على النوع الاجتماعي تثني النساء عن الاتصال بالإنترنت، إذ يمنع الأزواج أو الآباء أو الأخوة النساء أو يقيّدوا وصولهن إلى الوسائل الرقمية والاتصال بالإنترنت دون أسباب تذكر.
تشخيص بلا حل!
عند عكس الفجوة الرقمية الحاصلة على الوضع في اليمن فإن البلد أقرب ما تكون إلى الأمية الرقمية على المستوى العام، إذ تملك نسبة ضئيلة القدرة على الوصول إلى الإنترنت من بين سكان البلاد، حتى الذين يملكون هواتف نقالة ليس بذلك العدد الذي يمثل الغالبية المكتسحة وفقًا للتقرير السنوي اليمن على الإنترنت الصادر من يمن ديجيتال ايكون، ويستخدم أغلبية ملاك الهواتف النقالة للتواصل لا أكثر.
وضعية كرست الفجوة الرقمية، وجعلت المرأة اليمنية تدفع ثمنًا كبيرًا حصرها بأعمال ومهن محدودة لا تحتاج في مجملها للتكنولوجيا.
الناشطة الاجتماعية والصحفية المتخصصة في مناصرة قضايا المرأة فاطمة باوزير تربط بين الفجوة الرقمية في اليمن وبين العادات والتقاليد المحجمة، إضافة إلى العوامل الاقتصادية التي تلقي بظلالها على المرأة وتمنعها من الوصول إلى ما تريده في ظل الأولويات المفروضة.
وتضيف باوزير في حديثها لمنصتي 30: “الحاجة لدى المرأة اليوم تفرض عليها تطوير قدراتها لأنه حتى على مستوى الوظائف المعتادة والروتينية بات الجانب الرقمي مهم، ووسط التوجه العالمي للأتمتة وإحلال التكنولوجيا بدلًا عن الإنسان يجب أن تعمل المرأة في اليمن على المواكبة كي تكون ذات قدرة على التمكن من عملها”.
وبصورة تقاربية، لا يبتعد الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي وفيق صالح كثيرًا عن باوزير، لكنه يرى أن أي جهود لمعالجة هذه الفجوة لا يجب أن تغفل عما يعانيه الاقتصاد بشكلٍ عام، أي أن ذلك يتطلب تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية للسكان، حتى يتم مواكبة التطور التكنولوجي والتقني، وبالتالي تحجيم الفجوة الحاصلة على المستوى الرقمي بين الجنسين.
صالح أكد في حديثه لمنصتي 30 أنه من اللازم أن تكون هناك برامج تأهيلية وتدريبية متخصصة لتكون المرأة أكثر قدرة على العمل في كافة المجالات، بما يعزز من الوعي بالأدوات الرقمية وطرق استخدامها.
بين من يربط النمو الاقتصادي الشامل والوعي الرقمي وتمكين المرأة رقميًا، وبين من يحاول فرض عقلية المداراة والهروب، تبقى المرأة اليمنية رهينة البحث عما يعزز حضورها الرقمي لتلعب أدوارًا أكثر فاعلية على المستوى العام، ولسان حالها: هل حان الوقت لسد الفجوة الرقمية؟