(الورد في زمن الحرب)؛ رواية حقيقية ينسج تفاصيلها الشاب إبراهيم درغام (بيّاع الورد).
في مشتله بصنعاء، وجدنا الأزهار تغفو على كتفه وتتفتح بين أصابعه، يُعالج بها آلام الحرب وجراحها، جاعلاً منها ندّاً طبيعيّاً لا يُقهر في زمن الدم ووحشيّة الإنسان على أخيه الإنسان.
ربيع جوري ينتصر للجمال والحياة
في عام 2011؛ ابتكر إبراهيم جنّته الخاصة، مُحتفياً بربيعه على طريقته، ربيع يختلف عن ربيع ساحات التغيير؛ إنه ربيع جوري مُزهر ينتصر للجمال والحياة.
في حي الروضة (شمال صنعاء)، كان ميلاد فردوس درغام. الروضة حي قديم ذو معمار طيني جميل، يمتاز بالزخارف والمعمار اليمني الأصيل، يشتهر بزراعة العنب.
خلال (2011 – 2019)، نمت حكاية بيّاع الورد التي عاش تفاصيلها بكل ما تحويه من نجاحات وتحديات.
(تحويشة العمر) التي جمعها الشاب إبراهيم؛ وضعها في مشروع حكم عليه الكثيرون -حينها- بالفشل؛ اعتقاداً منهم بأن الورد والأزهار بالنسبة لشريحة واسعة من اليمنيين هي من الكماليات وليست من الاحتياجات الأساسية للمجتمع، كما أن ثقافة الإقبال على الزهور يُخاصمها الكثيرون هنا.
لكن إيمان إبراهيم بمشروعه وبنُبل هدفه، جعله يُقدم على اتخاذ أجرأ قرار في حياته، بحسب وصفه لـ” منصتي 30″.
يعترف إبراهيم: “عشقي لزراعة الزهور دفعني للمغامرة، ناضلت كثيراً لنشر ثقافة حُب اقتناء الورود، أحياناً كنتُ أهدي الأزهار مجاناً خوفاً من ذبولها وتشجيعاً للناس على بناء علاقة تواصل معها، نجحت في مرات كثيرة وانتابني الإحباط والحزن في بعض المرات، حتى نجحت في اجتذاب الكثيرين، بأسعار رمزية جداً”.
رسم البهجة والسعادة.. مكسب حقيقي
يؤكد بيّاع الورد، بأن همه لم يكن تجارياً؛ مكسبه الحقيقي هو رسم سعادة وبهجة في نفوس الناس، مع شيء مما تهواه نفسه، لاسيما في زمن الحرب والمعاناة.
شاءت الصدفة أن ينطلق مشروع إبراهيم مُتزامناً مع الثورة الشبابية المُطالبة بالتغيير 2011، بعدها دخلت البلاد في أزمات مُتعددة، أثرت على مختلف نواحي الحياة، تعقدت معها معيشة الناس وحياتهم، ووصلت حدّ انقطاع المُرتبات، عاشت صنعاء خلالها موجات اقتتال داخلي بين أطراف النزاع، امتدت إلى حرب العام 2015، لتتعرض صنعاء وحدها لمئات الغارات، كان لحي الروضة نصيب كبير من وحشية الصواريخ.
يقول إبراهيم لـ”منصتي 30″: في بداية الأزمة كانت مهنة بيع الورد مُزدهرة، وعام بعد آخر بدأ الإقبال يقل، مع ذلك أصريت على الاستمرار رغم ارتفاع أسعار الماء والوقود وانقطاع رواتب شريحة واسعة من المجتمع، إيماناً مني بأن الحياة مُستمرة، ليعود الناس إلى الالتقاء بالورد من وقت لآخر.
الورود تتسلل إلى المنازل رُغم “المقاطعة”
عيد الحب وعيد الأم وعيد رأس السنة؛ مُناسبات يُقاطعها العديد من اليمنيين، فهم يعتبرونها أعياد دخيلة على المجتمع، مع ذلك فإن هذه المُقاطعة لم تقف عائقاً أمام تسلُل باقات ورود إبراهيم إلى عشرات المنازل.
يؤكد إبراهيم بأن تجارة الورد تزدهر بهذه المناسبات بشكل كبير، ففي اليوم الواحد يُمكنه بيع أكثر من ألف وردة. معظم المرتادين على المشتل هم من الشباب والنساء، ونسبة كبيرة يقدمون إلى المكان من خارج حي الروضة. حيث تشهد الورود الحمراء أكثر إقبالاً على الشراء.
مواجهة الموت من مملكة الورد
حكاية إبراهيم مع الورد في زمن الحرب تكاد لا تنتهي؛ فقد عاش خلال أربع سنوات من الحرب على اليمن أياماً صعبة ومُرعبة، شاهد الموت أكثر من مرة، بفعل عشرات الغارات لطائرات التحالف التي استهدفت حي الروضة (أحد معاقل جماعة أنصار الله) بمختلف أنواع الصواريخ.
من سوء حظ إبراهيم أن مشتله يتوّسط عدداً من الأماكن التي يعتبرها التحالف أماكن عسكرية، تفصله أمتار قليلة عن مبنى الكلية الحربية، وبالقرب من مبنى أمن محافظة صنعاء، وعلى مقربة من مدرسة الحرس الجمهوري، جميعها كانت أهدافاً للصواريخ خلال الحرب.
عن ذلك يقول الشاب: “عشتُ أياماً مُرعبة، واجهت خلالها الموت عشرات المرات، والصواريخ تتساقط من السماء على الحي، شاهدت الناس يهربون من منازلهم في ساعات مُتأخرة من الليل، الكثير نزح من الحي، وأصبحت عشرات المنازل مهجورة، كان الحي موحشاً والليل مُظلماً، تطايرت شظايا الصواريخ إلى كل مكان، كان للمشتل نصيباً من هذه الشظايا. أعترف بأنني فكرتُ كثيراً في النزوح، وفي كل مرة أجد القرار صعباً؛ فالنجاة بنفسي معناه أني حكمت بالموت على مئات الزهور وآلاف الشتلات من أشجار الزينة والأشجار المُثمرة، التي سأتركها وحيدة تواجه مصير الموت عطشاً، دون شخص يعتني بها”.
بيّاع الورد، يمتلك روحاً رائعة، تتمتع بالتحدي والإصرار، يُساعد الآخرين دون النظر إلى المقابل المادي، لذا فهو يحظى بتقدير وحُب الكثيرين في المكان.
علاج وطمأنينة
الورود، ليست ديكورات جمالية كما يظن البعض؛ بل أن لها فوائد صحية ونفسية كثيرة على الإنسان، خاصة في أوقات الحروب. وفقاً للعديد من الدراسات؛ فإن الإزهار تُعالج الاكتئاب وتُساعد على التخلص من القلق وزيادة الشعور بالأمل. كما أنها تُعزز السعادة عند الإنسان، وللروائح العطرة سحرها في تخفيف الحزن والغضب والتوتر، وتُبدد اليأس وتجلب الراحة والسلام.
ختاماً؛ جاز لإبراهيم أن يُطلق صرخته ناصحاً عبر “منصتي 30″: احتفلوا بالورود وأنشدوا طمأنينة البال، فهي علاج لآلام الحرب ووحشيتها”.
منصتي30#
تبعث فينا الأمل والتفاؤل
دمتم بخير
شكرا على ماتبذلونه
كم أحببت روحه وفكرته وهدفه ومشروعه، أرجو أن تكون حياته جميلة بجمال الورود التي يزرعها.
المقالة جمييلة جدا وفيها رسائل في قمة الجمال!