نور الهدى أثناء إعداد طلبات الزبائن | منصتي 30
article comment count is: 15

قصة نور.. بين مطرقة الحرب وسندان المجتمع!

بدأت النساء اليمنيات في الفترة الأخيرة بإنشاء مشاريع خاصة بهن أو الالتحاق ببعض المهن التي كان يهيمن عليها الرجال، وكما هو متعارف لدى المجتمع اليمني تُعتبر كثير من الأعمال والمشاريع التجارية حصراً على الرجال، ويعتبرها البعض تجاوزاً للعادات والتقاليد وخروج عن تعاليم الدين إذا ما أقدمت عليها المرأة في أي حال، فهل تتغير النظرة المجتمعية بقبول دخول المرأة في مجالات عمل كانت حصراً على الرجال ومشاركة أخيها الرجل في سوق العمل.

نور الهدى سيدة أربعينية، وواحدة من النساء اللاتي لم يستسلمن لظروف الحرب، كانت الحرب في قصة نور الهدى سبباً في قطع راتب زوجها المتوفي منذ تسع سنوات، وقد تمكنت بإصرار وعزيمة أن توجد مشروع يكفيها الاحتياج فأقدمت على بيع مدخراتها لفتح مشروع مطعم للعائلات ليكون ملاذها ووسيلتها للإنفاق على أبنائها الأربعة.

تقول نور “اخترت أن أكافح من أجل البقاء والعيش بكرامة أنا وبناتي وابني، وأن لا أبقى حبيسة جدران المنزل، فقررت أن أصنع شيئاً لي ولأولادي، وأنسى أمر راتب زوجي الذي انقطع منذ اندلاع الحرب، وفي مطلع العام 2016 بدأت بترتيب أولوياتي واحتياجات المشروع واستأجرت محل في وسط شارع جمال بتعز واشتغلت على الديكور والأثاث فترة طويلة حتى أصبح مطعماً متكاملاً بالشكل الذي خططت له”.

المشاعر سر الطعم

في مطعمها الجميل تقدم نور وجبتي الغداء والصبوح لزبائنها من الجنسين، وتقوم بالتفنن بصناعة الحلويات والأكلات المشهورة كالزربيان والبرياني وأنواع متعددة من السلطات والعصائر والسندوتشات، وأكثر زبائن السيدة نور من العائلات والأسر الذين يجدون في أكلها نكهة المنزل، تقول نور: “أطبخ الأكل بنفسي وأشرف على موظفات المطعم بجميع الوجبات لأني أستمتع وأنا اقوم بهذا العمل وأشعر أني وصلت للنجاح رغم أني لم أصل لجني الأرباح”.

تنمر وتهديد

لم تكن نور الهدى بمنأى عن تنمر المجتمع فبرغم التعب والجهود التي بذلتها للاعتماد على ذاتها كانت تتعرض لشتى أنواع العنف اللفظي والإساءة النفسية من قبل بعض الأهل والجيران. بصوت متحشرج تصف ما تعرضت له قائلة: “كثيرون عارضوا فكرة مشروعي كوني امرأة وفي نظرهم لن أستطيع النجاح في هذ المشروع، كما اعتبر البعض مشروعي (عيب وقلة حياء)، فباعتقادهم أن مشروع مطعم بالسوق لا يمكن القيام به سوى رجل، وبإمكاني أن أجعل المشروع في المنزل لتوصيل الطلبات للزبائن، لكني أصريت أن أثبت للجميع أن باستطاعتي أن أصنع مشروعي وسأصبر حتى أجني ثمار أرباحه، ويصبح سلسلة مطاعم”.

وتضيف نور: “أكثر ما يحز في نفسي أن الناس لم يتركوني وشأني، فكلما التقوا بابني الصغير يعايرونه ويستهزئون به، والبعض من الزبائن ومرتادي المطعم يستضعفني لأني امرأة وأدير مشروعي بمفردي، فبمجرد حصول سوء فهم أو خلاف بسيط يسارعون بالتهديد والوعيد بإغلاق المطعم أو تشويه سمعتي”.

ليس عيباً

وترى الدكتورة ألطاف الأهدل -مستشارة أسرية ورئيس قسم الخدمة الاجتماعية والعمل بتعز- أن الظروف الاستثنائية التي أفرزتها الحرب تحتاج إلى مواجهة استثنائية في ظل متغيرات اجتماعية حادة وواسعة المدى إلى الحد الذي تغيرت فيه بعض الأدوار الاجتماعية لتشكل درعاً واقياً ضد كل ما يمكنه تشويه ما تبقى من المعالم الإنسانية، ومن تلك الأدوار التي تغيرت لتحدث خللا في النسق الاجتماعي العام دور المرأة التي فقدت عائلها فانطلقت تكفكف أدمعها وتجابه وحش الجوع المفترس وتذود عن ابنائها ليبقوا على قيد الحياة وتبقى هي على قيد المسؤولية.

وتضيف الأهدل “حاولت المرأة في واقعنا الحالي استثمار كل طاقاتها وإمكاناتها لتبدأ الحياة من جديد، ومن خلال المشاريع الصغيرة وحدها استطاعت أن تنقذ أفراد أسرتها من الانزلاق إلى منحدر الجوع والتسول والانخراط في مستنقعات الرذيلة في اغلب الأحيان”.

وترى ألطاف أن من القبح أن يتطاول أحدهم لينتقد مالكات بعض تلك المشاريع كمطعم صغير أو محل فاكهة أو مشرباً أو حتى بقالة، فلقد تحولت الأدوار وتباينت المهن وتفاوتت الحرف وأصبح بعض من هم من أعلى الناس تعليماً لا يستطيع إطعام أهله وبنيه، فكيف بمن رحل عائلها وتمزق شملها وتشتت أمامها السبل”.

نور الهدى نموذج لكثير من النساء في اليمن اللواتي أجبرتهن الحياة وظروف الحرب على مزاولة العديد من المهن الجديدة، بحثاً عن مصدر للرزق من أجل إعالة أسرهن والحفاظ على الأسرة من التفكك والتشرد وتجاوز ظروف الحرب التي لا شأن لهن بها.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (15)

  1. صراحة مشروع جميل وفكرة ابداعية ان تقوم امرأة بعمل هذا المشروع بسبب فقدان من يعيل اسرتهم وليس عيب وليس قلة حياء ان تفكر المرأة بمثل هذه الافكار لتخدم نفسها ومن تعول في ظل هذه الظروف الصعبة جدا التي تمر بها بلادنا .

  2. مثال للمرأه نموذج رائع ومش عيب ان المرأه تفك مشروع عشان تعيل اطفاله اليتامى واللي يقول ان المرأه لايجب ان تفك مشروع فعقليته مريضه