“مَرِضنا وتجعجعنا كثيراً” بهذه المفردات تختزل الحجة مريم سعيد، ذات الملامح الشاحبة، وجعها هي وأبناءها بعد نُزوحهم من قريتهم في مدينة الحديدة جراء الحرب المستعرة هناك، والتي تسببت بمقتل زوجها الذي كانت تعتبره العمود الذي تتكِئ عليه كلما ضاق بهم الحال، كما تقول.
وتضيف: “هربنا من الحرب والفوضى التي حصلت في المنطقة تاركين منزلنا وكل شيءٍ فيه، ونزحنا إلى عدة أماكن، من البرح إلى الرمادة ثم إلى منطقة باكير إلى أن استقرينا في مديرية جبل حبشي، وبِتنا تحت الأشجار وفي الجبال”.
هذا ليس حال مريم فقط، فقد حدث الأمر ذاته مع الكثير من الأسر في العديد من المحافظات، إذ شهدت مدينة تعز قدوم النازحين إليها من معظم المناطق المجاورة التي دارت فيها أعمال قتالية؛ الأمر الذي أجبر سكانها على مغادرة مناطقهم وقراهم والتشرد في العراء؛ هرباً من بطشِ الحرب وغدرِ الألغام، واتخذوا من مُخيمات النزوح التي تفتقر لأدنى مقومات العيش مساكناً لهم، والتي تنتشرُ في أنحاء متفرقة من المدينة.
أعدادٌ متزايدة ومصيرٌ مجهول
في ظل استمرار الحرب التي تدخل عامها السابع، تمتد المواجهات العسكرية نحو المناطق الآهلة بالسكان في معظم المحافظات لاسيما مدينة الحديدة؛ مسببةً نزوح الكثير من المواطنين إلى المُدن المجاورة وإن كانت شبه آمنة كمدينة تعز، إذ وصل عدد مخيمات النزوح فيها إلى 89 مخيم في 8 مديريات، كما يقول رئيس الوحدة التنفيذية لنازحيّ تعز، حسان الخُليدي.
ويضيف، “أن النزوح يعتبر خارجي وداخلي أيضاً من نفس المحافظة، وأن عدد الأسر وصل إلى 6240 أسرة أي بمعدل 30976 فرداً، مشيراً إلى أن النازحين بحاجةٍ شديدة لمساكن آمنة، فمع ارتفاع أسعار الإيجارات تعقدتِ الأمور كثيراً، وكذلك عدم وجود دعم كافٍ من المنظمات.
ويناشد الخُليدي، السلطة المحلية بسرعة إنتزاع الألغام من المناطق المحررة، ليتمكنوا من العودة إلى منازلهم آمنين.
وُعود كاذبة
على الرغمِ من النشاط الذي تقوم به المؤسسات والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني باليمن بشأن المساعدات الإغاثية التي تقدمها، والذي يمكن رصده إعلامياً، إضافةً إلى إعطائها المزيد من الوعود خصوصاً للنازحين بتحسين أوضاعهم، إلا أنه لم يحدث تغيير أو حلحلة للأوضاع المعيشية كحد أدنى، إذ ما يزال قطاع ظاهر منهم يشكي من عدم وصول تلك المساعدات إليهم.
ويعيش النازحون داخل مدينة تعز تهميشاً كثيراً وتزداد معاناتهم كل يوم، فحلمهم بالعودة إلى ديارهم ومعاناة النزوح ألم واحد، ويواجهون ظروفاً قاسية، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، خيام متهالكة، ومهترئة، ويتواجدون في أماكن بعيدة عن الطُرق العامة والتجمعات السكنية، مما يزيد من صعوبة وصول المساعدات إليهم.
ويقول النازحون في أحاديث متفرقة، أن الخيام لا تقيهم برد الشتاء ولا حرارة الصيف، وتزداد الأمور سوءاً عند سقوط الأمطار فالمياه تتسرب إلى خيامهم، ويلجأ البعض منهم إلى صخور الجبال أو بيوت مصنوعة من الخيوط تعرف محلياً بـ”الجواني” علّهم يحمون أنفسهم من السيول الجارفة التي تُسببها غزارة الأمطار في فصل الصيف.
لا فرق ظاهر
تتفاقم الأزمة اليمنية أكثر مع استمرار الحرب منذ اندلاعها مطلع العام 2015، التي أوصلت 80٪ من الشعب إلى حافةِ الفقر والمجاعة، وجعلت البلاد تعيش أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ومازال النازحون يناشدون السلطات المحلية والمنظمات الإغاثية، بسرعة توفير المساعدات اللازمة لهم، فهم يعيشون مجاعة حقيقية ونقصٌ كبيرٌ في المواد الغذائية والإيوائية المطلوبة، ومؤخراً أثار تفشي وباء كورونا مخاوف كبيرة لهم وزاد من قلق إصابتهم به خاصةً أن معظمهم كبار سن ويعانون من أمراضٍ مزمنة ولا يمتلكون وسائل الوقاية والحماية والتعقيم، بالإضافة إلى تسرب عدد كبير من أطفالهم وخروجهم من الصفوف الدراسية لممارسة مهن صغيرة أو التسول في القُرى المجاورة للحصول على مبلغ مالي يوفر لهم وأسرهم قوتهم اليومي، ففي مخيمات النازحين في مديرية المعافر يُقدر الذين لا يتلقون مساعدات إنسانية من برنامج الغذاء العالمي بنسبة 80%، وفق مسؤول المخيمات هناك، بسام الحداد.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لشؤون الإنسانية في اليمن “الأوتشا” فقد تلقت اليمن خلال سنوات الحرب الراهنة 12 مليار دولار، كتمويل دولي لخطة الاستجابة السريعة للأوضاع الإنسانية للبلاد، ورغم أن تمويل كهذا يفوق ثلاثة أضعاف الموازنة السنوية لليمن قبل الحرب، إلا أنه لم يُحدث تغييراً مرئياً للأوضاع على أرضِ الواقع.
ويرى الخُليدي أن النازحين بحاجة إلى برامج إعادة تأهيل نتيجة الآثار النفسية التي تلازمهم بسبب الحرب ومقتل أحبائهم وتدمير منازلهم والصعوبات التي واجهتهم للوصول إلى بر الأمان ويجب مساعدتهم للاندماج مع أفراد المحافظة المقيمين الذين لا يختلفون عنهم فهم أبناء بلاد وحضارة وعرقٍ واحد.
روعه استمري ربنا يوفقك
تقرير رايع ولك الشكر والتقدير