المرأة التعليم اليمن الوعي
امرأة يمنية في شارع بمدينة صنعاء مع مجموعة من أطفال المدارس | iStock
article comment count is: 1

المرأة.. وعي أكبر.. قوة أكثر!

حين شرعت بكتابة هذه السطور تذكرت مشهداً قديماً اختزلته ذاكرتي المثقوبة من رواية (الجذور) الشهيرة للكاتب الأمريكي (أليكس هيلي)، بقى مشهد الجدة “كينزي” عالقاً بداخلي طيلة سنوات ممتدة منذ قراءتي لهذه الرواية في سنٍ مبكرة. كيف كانت تلك الجدة تجمع أحفادها حولها من أجيال متعاقبة وتحكي لهم قصة جدهم الأكبر “كونتا كونتي” ورحلته الطويلة والشاقة من أفريقيا إلى أمريكا عبر أحداث تاريخية مؤلمة من العبودية. ذلك المشهد ارتبط عندي بصورة جدتي.. تلك المرأة القوية والملهمة الأولى في حياتي حين كانت تجمعني -مع إخوتي- أطفالاً صغاراً حول كرسيها الخشبي القديم وتسرد لنا قصصاً عن العائلة والحياة وتغرس فينا قيماً وأخلاقاً. وبين الجدتين إلهامٌ مشترك للأحفاد من خلال قصة امرأتين تجمعهما أشكال عنفٍ مختلفة وحرمان من الموارد (التعليم). في طفولتي لم أصدق أن تلك المرأة جدتي كانت “أميَة” تماماً لا تجيد حتى مسك القلم بيدها. حين كبرت تخيلت لو أنها منحت فرصة للتعليم لأن تقرأ وتكتب، كيف كانت ستصبح في مجتمعها؟. لكان مسار أسرة كاملة انقلب تماماً عن وجهته الحالية وتغيرت به حيوات أجيال مختلفة نحو الأفضل.

نظرتُ للوجه المنعكس في المرآة فوجدتُ نفسي وتذكرتُ كيف كانت خيارات التعليم أو العمل في فترات ما من حياتي غير متاحة بل ممنوعة منعاً باتاً بسبب الأعراف والأفكار المجتمعية الظالمة والتي تكرس للعنف القائم على النوع الاجتماعي والذي فهمت بسببه أن أشكال ذلك العنف لا تتعلق بالضرورة بمستوى المرأة التعليمي، الفكري أو المعيشي، فالنساء على مختلف تأهيلهن ووعيهن يتعرضن لنسب متفاوتة من هذا العنف، يبقى الإيمان والشغف والصمود والوعي الكافي أدوات أساسية للتغلب على تلك المرحلة وبدء أخرى مكللة بالنور والحياة.

المرأة المتعلمة الواعية بأهمية دورها وأثرها الإيجابي في المجتمع سواء كانت الزوجة أو الأم، الأخت أو الابنة تمنح أسرتها (الزوج والأبناء، الأب والإخوة) فرص للحياة باستقرار أكثر وسعادة أكبر وقوة في مواجهة تحديات البلاد خصوصاً الوضع الاقتصادي المتردي وظروف الحرب وتبعاتها المؤرقة للجميع.

إذا كان الحرمان من الموارد والفرص يُعد انتهاك صارخ لحقوق المرأة كونها إنسان بالدرجة الأولى تكفل له كل القوانين والشرائع الحق في الحياة والوصول للخدمات بكل حرية فإن مناصرة هذا الحق لتتمتع به الأخريات من أهم وأنبل القضايا التي تستحق أن تُفنى حياة كاملة من أجلها. إذا أردنا أن نتحدث بجدية على خيارات الحياة الكريمة والطموح بمستقبل أفضل علينا أن نمنح النساء الحق في الحياة بكرامة، الحق في التعليم والعمل. إذا أردنا أن نصنع السلام في بلادنا وننهي كل الحروب والصراعات القائمة علينا أن نُعيد بناء نسيج المجتمع المهترئ والمشوه منذ أن مُنعت النساء من الوصول للتعليم والوعي المطلوب لخوض غمار الحياة لتربية جيل واعٍ وحر لضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة واستقرار يعم الجميع.

بالتعليم وحده تُبرز أهمية الوعي الذي يحتاجه المجتمع للخروج من مأزقه الحالي، وبه تتجلى القوة الكاملة التي تمنحها النساء الواعيات المتعلمات للأجيال الناشئة، تمنحها بالفطرة ومع مرور الوقت نعيش التغيير المنشود حالياً واقعاً معاشاً لا حلماً بعيد المنال.

امنحوا فتياتكن ونسائكن فرص الحياة، اعطوهن مفتاح التعليم، ساعدوهن على خوض هذه الرحلة الصعبة واجعلوها شيقة لا شاقة ليفتحن بالتعليم أبواب المستقبل ويخضن بذلك مجالات مختلفة من الحياة والعمل والتمكين لصناعة القرار السياسي والاقتصادي في البلاد، وما أحوجنا للنساء الواعيات الملهمات في تلك المراكز المهمة، ما أحوج البلاد لحمائم السلام لا قنابل الحرب.

 

 

 

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (1)