لم تعد الحلاقة في اليمن مهنة خاصة بالرجال فحسب، بل تعدتها المرأة كي تخترق حاجز العيب، وتتحدى نظرة المجتمع التقليدية، ولتبتعد عن تنميط المرأة بأعمال محددة.
تسير موندا سعيد، في عامها الأربعين، لكن ملامحها تكبرها. أنهكتها الأزمة الحالية، ونالت منها حياة التعب اليومية، كأي امرأة تعاني كارثتي الفقر والنزوح.. تعيش مع أفراد أسرتها داخل منزل غير مكتمل في حي الفارسي بعدن.. إنها نازحة، وفقيرة، وفوق هذا لديها زوج أصيب بالحرب قبل سنوات، لا يقدر على العمل، يعيلهما ما تكسبه زوجته يومياً من عملها في “الحلاقة”.
“بروح أحلق للأطفال” عبارة تقولها موندا لزوجها، وأولادها الأربعة صباح كل يوم، بحثاً عما يسد رمقهم، ويكفل حياتهم.. امرأة قوية، اتخذت من غرفة مفتوحة السقف مكاناً للعمل، وممارسة مهنة لطالما كانت حلمها.. يقتصر عملها على قص شعر الأطفال الصغار دون سن الخامسة عشر عاماً.
تقول إن الإرادة الذاتية، وحب المهنة ولَّدا فيها عزيمة حديدية جعلتها تتحدى أعراف المجتمع، وذكورية المهن.. “حبيت مهنة الحلاقة، منذ كنت أراقب حركات المقص في يد الحلاق وقتما يقص شعر طفلي الأول.. عندها كنت أعود إلى المنزل وابدأ بالتطبيق والممارسة حتى طورت نفسي، ومهارات احتراف القص، ومازلت أبحث عن التجديد من خلال ملاحظتي رؤوس الشباب”.
بحماس وشغف كبيرين، تمارس المرأة الحلاقة، حولها يتجمع الصغار بانتظار الدور، كل واحد يطلب من القصات ما تناسبه، ولأنها تؤدي عملها بضمير -حد وصفها- فقد نالت ثقة الناس، وتعاملها السهل مع البسطاء صنع لها محيطاً من الاحترام، وزاد عدد القادمين إليها.. تؤكد: “حب الشيء، يعطيك كل شيء.. كلما حبيت مهنتك، كلما زادت ثقة الناس فيك.. مهنتي وتعاملي مع الآخرين ساعدني في كسب احترام الناس، والعمل بضمير”.
أم كريم للحلاقة.. لوحة كرتونية علقت في إحدى زوايا منزلها البسيط، حيث تعمل بإمكانيات بسيطة تتمثل بماكينة وموس، مشط ومِقص.. هذه جميع أدواتها البسيطة كبساطة ما تتقاضاه مقابل مهنتها.. تشير إلى أنها تأخذ الشيء اليسير فيما تقدم الخدمة للفقراء والأيتام بدون مقابل، إذ تكتفي بدعوات الأمهات، وبهجة الصغار.. تتمنى المرأة أن يتحول هذا المكان الضيق، والمكشوف إلى مكان مستقل ذات يوم، ومحل جميل لتعمل فيه.. “بإصراري، ودعم زوجي، ودعاء الناس، أتمنى أن أملك مكاناً مستقلاً خاصاً بعملي، وإن شاء الله يتحقق حلمي”.
تعتبر موندا أول امرأة يمنية تمتهن “الحلاقة” لأكثر من 17 عاماً، تلبية لشغفها من جهة، وأخرى من أجل مساعدة زوجها في تحسين وضع أسرتها المعيشي، وتوفير احتياجات المنزل، وشراء متطلبات المعيشة، وكسوة الأولاد، إضافة إلى المصاريف الأساسية التي يحتاجونها.. وبحسب الأم فإن هذه المهنة خففت عنهم الكثير من أعباء الحياة، وساعدت في استقرار الوضع الاقتصادي للأسرة، والنفسي للأب.
بقدر نجاحات هذه المرأة في صقل مهاراتها بقدر ما واجهت من تحديات، حاولت جاهدة تجاوزها بأقل الخسائر.. وبحسب حديثها فقد تعرضت لضغوطات الأهل، ومعارضة الأقارب والمجتمع بشكل عام، خصوصاً أولئك الذين يرون عمل المرأة عيباً، ناهيك أنهم يعتبرون مهنة الحلاقة حكراً على فئة معينة من الرجال.
كان التنمر والنفور والاضطهاد هي المشكلات التي لاقتها موندا أثناء عملها في الحلاقة، عللت ذلك بأن المحيط ينظرون لهذه المهنة باستخفاف وتحقير، الأمر الذي تسبب لها بضغوطات نفسية، ومشكلات عائلية.. “تحديت ظروف الحياة، قاومت منع أهلي، وتجاوزت حديث الناس.. كل ذلك، بفضل إصراري ومن أجل اثبات وجودي.. اليوم أشعر أن مهمتي جميلة، وحياتي مستقرة، فضلاً عن علاقات الاحترام التي كونتها مع الآخرين” وفقاً لتأكيدها.
تواصل موندا العمل بدافع شغف حب المهنة والاستقرار.. تدعو غيرها من النساء إلى استقلالية العمل وإخراج المواهب الكامنة، وعدم الاستمرار في كبتها.. “رسالتي إلى كل امرأة، إذا أحببتي مهنة، فلا تتوقفي بمبرر العيب، إنما انطلقي لإبراز مواهبك، والاستفادة منها.. صحيح ستلاقين ضغوطات، لكن لابد ستصلين إلى هدفك، مهما كان”.
ترى موندا المرأة أنها قادرة على نحت الحجر، وتحويله إلى تمثال جميل، كما لو أنها مؤمنة بدور المرأة وقدراتها من خلال ثقتها بما تقدمه.
ليس عيباً أن تعمل المرأة في مهن ذكورية، بل تعد خطوة أفضل بكثير من التسول أو الاتكال على الآخرين.. قصة هذه المرأة قصة فريدة من المعاناة والتفاني.. أم تكافح الفقر بالعمل اليومي المجهد.. ومن مهنة الحلاقة تكسب رزقًا حلالاً لتثبت أن للمرأة دور في المجتمع لا يمكن تغييبه، أو تنميط ما تقوم به.. تضحية غير عادية، وتفانٍ نادر تقدمه من أجل أسرتها، وما أعظمها من تضحية، وما أكبره من تفاني.
بتوفيق ونجاح نحو مستقبل مشرق للأجيال القادمة
عمل في المنزل بدون ما احد يشتري ماهوش عمل
دائما ما تكون الاسرة هي الضحية في الازمات والحروب فنجد الطفل والام من يتحمل تبعات قرار عائل الاسره سلبا اوايجاب عمل المره او طفل في معظمه هروب من جحيم الجوع والفاقه ولايعتبر عيب انما العيب والخجل لمن اوصلهم الى هذه الحال