بيئة غير آمنة معاناة نساء اليمن النفسية
article comment count is: 0

بيئة غير آمنة تضاعف معاناة نساء اليمن النفسية!

تبقى الحالة اليمنية متفردة بما ينتج عنها من سنةٍ لأخرى، فالتقلبات التي حدثت طوال سنوات الحرب الثمان كانت حبلى بأحداثٍ عدة، شكّل انعكاسها على الحياة العامة تأثيراً مباشراً على يوميات الناس، ونجمت عنه تبعاتٌ عدة مباشرة وغير مباشرة، لكنها ملازمة، وتتجدد بتجدد المجريات على الأرض.

كانت المرأة اليمنية وما زالت أكثر المتأثرين من المجريات التي فرضتها الحرب، وما كان منها سبباً لتحملها تركة ثقيلة وصلت حد التنازل عن أحلامها المستقبلية، ودخولها في صراع وجداني بين واقعها المفروض وما تريد أن تذهب إليه، ما يعني تولّد مضاعفاتٍ نفسية قاسية، قد لا تنجو منها على المدى القريب.

بلا أمل

خلال فترة دراستها نسجت سلمى وهيب، 27 سنة، العديد من أحلامها المستقبلية، ليقع اختيارها على الطب، “أريد أن أعوض أسرتي عن اللحظات التي تعبوا فيها من أجلي، وأتوج حياتي بخدمة الناس وتطبيبهم بكل حب ورضا”، تقول سلمى.

السنة الأولى للحرب في مدينة تعز، جنوبي البلاد، بددت جزءاً كبيراً من أحلام سلمى، فالمنزل الذي تسكنه قُصف، واضطرت للنزوح رفقة أسرتها عدا أبيها الذي مكث لحماية المنزل، غير مدركٍ أن قراره هذا كان يعني الرحيل من الدنيا بعد ثلاثة أشهر فقط من اندلاع الحرب.

هكذا بدت السنة التي من المفترض أن تكون الأولى لسلمى في كلية الطب بجامعة تعز، جروحٌ نازفة، وظروفٌ قاسية، لم يكن في حسبانها أنها ستعيشها ذات يوم، كما تقول.

“كان هذا قاسياً؛ تسبب لي بحالة نفسية معقّدة، واجهتُ مع أمي كل المتاعب، وبات كل ما خططت له وراء ظهري، لي إخوة وأخوات أصغر مني، ولا سند لنا”، تحكي سلمى ما حدث بُعيد فراق أبيها، ودخولها في حالة نفسية صعبة، ما زالت تعاني منها إلى اليوم، وتعيد إلى ذلك عدم التحاقها بالجامعة، وارتباطها بأسرتها كمعيل تخيّط الملابس وتجني منها ما يعينهم على توفير المتطلبات اليومية كأدنى حد للعيش.

سلمى واحدة من الضحايا النسائية للصدمات النفسية، حيث وجدت نفسها بين الحرب ومخلفاتها في ظل بيئة غير آمنة، بلا أمل، لم توفر لها ولأسرتها ما قد يعيد لها فرصتها المُصادرة، كما تقول.

مواجهة مباشرة

في عام 2018 توصلت دراسة متخصصة لمؤسسة التنمية والإرشاد النفسي إلى إن النساء أكثر تعرضاً للإصابة بالاضطرابات النفسية بنسبة 81%، الدراسة شملت من هم فوق 16 عاماً، وكبار السن من كافة محافظات اليمن.

حتى عام 2020، هناك سرير نفسي واحد لكل 200 ألف فرد، وطبيب نفسي واحد لكل 500 ألف فرد، وخلال الفترة من 2014 حتى 2017، وصل عدد الذين يعانون من أمراض نفسية وعقلية إلى نحو5,5 مليون يمني، وفقاً لتحقيق معمّق أصدره المركز اليمني لحرية الإعلام.

يتفاقم أثر المواجهات المسلحة على النساء والفتيات بفعل ضعفهن الاجتماعي، كما أن الضرر الذي يلحق بهن لا يستهان به؛ فانهيار المنظومة الاجتماعية يؤثر على النساء بصورة أكثر سلبية منه على الرجال، وهذا ما حدث للنساء اليمنيات اللواتي وجدن أنفسهن في مواجهة مباشرة مع وضع لسن طرفاً فيه، بل ضحايا يدفعن الثمن، بحسب ما تقوله المختصة النفسية عهود المهدي.

وتذهب المهدي إلى إن “الضغوط المستمرة لا تسمح للمرأة اليمنية أن تحصل على التوازن النفسي، وتحقيق الذات، وكثيراً ما تتعرض لعوائق وصعوبات تستلزم منها مطالب تكيفية قد تكون فوق قدرتها، مما يؤدي إلى وقوعها في الضغوط النفسية، ما يعني أنها عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية”.

أكثر الاضطرابات النفسية المرتبطة بالحروب اضطراب كرب ما بعد الصدمة، القلق، الاكتئاب، واضطراب سوء التكيف، والتي تؤثر سلباً على أحد أو جميع الجوانب الحياتية، المهنية، والمجتمعية للمرأة، وقد تسبب أيضاً تدهوراً ملحوظاً في علاقة المرأة بذاتها وبمحيطها، يضاف هذا إلى قمع مجتمعي وتعنيف أسري، أفرزته الحرب، ما يجعلها تشعر أنها غير قادرة على التحكم بحياتها، وأن لا قيمة لها، مما يؤدي إلى إصابتها بالضغوط والاضطرابات النفسية. ويعتبر الاكتئاب أكثر الاضطرابات التي تصيب المرأة في فترة الحرب، وفقاً للمهدي.

حلول ممكنة

الاضطرابات النفسية نتيجة الحروب والصراعات أصبحت متفشية بشكلٍ كبير، ففي الوقت العادي يصاب واحد من كل 15 شخصاً من أعراض نفسية، ويختلف ذلك في الحروب والنزاعات إذ يصاب واحد من كل خمسة أشخاص بذات الأعراض، وينعكس ذلك على النساء والأطفال كأكثر الفئات تضرراً.

وضعٌ تدفع المرأة كلفته من صحتها النفسية، وهو ما يعني ضرورة وجود حلول تخفف عنها وطأة ما تعيشه، فالدكتور عدنان القاضي مستشار الدعم النفسي بجامعة تعز اقترح حلولاً لتخفيف وطأة الضغوط النفسية على المرأة، تتمثل في إشباع حاجاتها الجسدية، وحاجتها للأمن، والمساواة بين الجنسين، إضافة إلى تجنّب العنف بكل أشكاله اللفظية والجسدية، والنقد والتجريح، ومنحها حقوقها الأساسية.

من بين ما اقترحه الدكتور القاضي، أيضاً، خلق مساحاتٍ رياضية وثقافية لتفريغ الشحنات الانفعالية للمرأة، بالإضافة إلى تخفيف حدة القيود الاجتماعية المعززة لعزلتها، وتنمية مهاراتها لمواجهة الضغوط الحياتية.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً