معين العبيدي تعز
article comment count is: 2

وسيطة الأوقات الصعبة في تعز!

ثمان سنوات مضت منذ اندلاع الحرب في اليمن، تحديداً في مارس 2015، وهي الفترة ذاتها التي تؤرخ لمعين العبيدي بدايتها كوسيطة محلية بين أطراف الصراع، فترة مليئة بالمحاولات التي انتهت بعضها بالنجاح، مصحوبة بأحداثٍ دفعت العبيدي للاستمرار في المهمة ذات الدوافع الإنسانية، وإن تباينت الأسباب الأولى لامرأة في منتصف عمرها، وما زال لديها الكثير لتفعله؛ أملاً في أن تصل الحرب إلى نهايتها التي ينتظرها كل من لا علاقة له بها من اليمنيين.

بداية الرحلة

مع اشتعال المواجهات العسكرية بين القوات الموالية للحكومة المعترف بها دولياً وقوات جماعة الحوثي في مدينة تعز (وسط اليمن)، اضطرت أسرة معين للنزوح إلى مسقط رأسها في مديرية شرعب السلام، شمالي المحافظة، بما في ذلك ابنتها التي تبلغ من العمر عاماً فقط، وكان يتوجب على معين أن تسافر إليهم مرتين شهرياً، متجشمة متاعب التنقّل عبر طرقٍ فرعية بديلة، كل ذلك لالتزامها بأعمال مجتمعية يُشترط تنفيذها في المدينة.

“كنتُ أشاهد كل صور المعاناة عبر تلك الطرق، كبار السن والنساء والأطفال، ومرضى السرطان والفشل الكلوي، وحالات الإعياء والإرهاق بسبب المسافات الطويلة ووعورة الطريق، بالإضافة إلى التفتيش الدقيق والمستفز من قبل النقاط العسكرية التابعة للطرفين والمنتشرة بشكلٍ كثيف، هذه المواقف تتكرر معي مرتين ذهاباً وإياباً كل شهر”، كان هذا سبباً جوهرياً لتبدأ معين رحلتها في الوساطة المحلية، “قلتُ لنفسي يجب أن نفعل شيئاً، على الأقل نلفت الانتباه لهذا الملف، نحاول أن نخفف من وطأة ما يواجه الناس هنا”.

في يونيو 2015 تقدمت معين العبيدي بمقترح هدنة إنسانية بين طرفي الصراع لإيقاف المواجهات العسكرية مدة 12 ساعة من السادسة صباحاً إلى السادسة مساءً؛ من أجل السماح بدخول المساعدات الغذائية، والاحتياجات الضرورية إلى مدينة تعز، ولكنها لم تلقَ استجابة كاملة، على الرغم من أن تعز يومها لم تكن محاصرة بشكل كامل، إلا إن المواجهات المستمرة كانت تعيق وصول الاحتياجات الغذائية الضرورية إلى المدينة.

يبقى لهذا وقعه بالنسبة لها، فما زال عالقاً في ذهنها: “كانت الخطوة الأولى، وإن فشلت، فأنا مجرد وسيطة نجحت في الوصول والقيام بما يوجبه ضميري، والمعنيون بالاستجابة لم يتفاعلوا معي، هذا زادني إصراراً للاستمرار في ما بدأته”.

ملفاتٌ ثقيلة

إلى اليوم تستمر معين في رحلتها من أجل إتاحة فرصة للسلام من رحم الحرب، فالناشطة الحقوقية التي كانت تأخذ على عاتقها هم الدفاع عن حقوق المرأة ومواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي والتوعية بأهمية الدور النسائي في المجتمع، اتخذت مساراً إلى جانب ما هي عليه، حتى أنها تعترف بصعوبة المرحلة، وتعدد التحديات التي واجهتها رفقة زملائها من الوسطاء المحليين ونجحت إلى جانبهم في تصدر المشهد والعمل على ملفاتٍ مهمة وحساسة.

كانت معين العبيدي وما زالت وسيطةً مساهمة في عمليات تبادل الأسرى، والإفراج عن عدد من المعتقلين والمخفيين قسراً، وإن لم يكن جهدها في هذا الملف مباشراً إلا أنها تمكنت من عمل الكثير، إذ تعبّر لـمنصتي 30 عن ذلك: “ساهمتُ رفقة زملائي الوسطاء في تجاوز العديد من الصعوبات في هذا الموضوع الشائك، استطعت تكوين علاقات جيدة، واستفدت منها في هذا الملف الذي كان الأكثر أهميةً، وحققنا فيه جميعنا نجاحاً ملموساً”.

مؤخراً، منذ عام 2020 ركزت معين العبيدي جهودها نحو إعادة ضخ المياه إلى مدينة تعز، معية زملائها من الوسطاء، وبالتنسيق مع السلطتين المحليتين في مدينة تعز الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، ومنطقة الحوبان التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله، وعقدت اجتماعاً مشتركاً بين موظفي مؤسسة المياه في كل من تعز والحوبان، وتوصلوا إلى اتفاق لإعادة ضخ المياه من حقل الحيمة المائي، شمالي مدينة تعز، والذي ستستفيد منه أحياء شرق تعز، إذ يخضع والأنابيب الموصلة للصيانة والترميم من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

تقود العبيدي أيضاً جهوداً على المستوى الداخلي في مدينة تعز، فمساهمتها في تقريب وجهات النظر وتوحيد الرؤى لدى قيادات وشباب الأحزاب السياسية عبر ما يُعرف بمشاورات تعز، ساهم إلى حد ما في تخفيف التجاذبات السياسية، ودفع نحو الضغط لتنظيم حملاتٍ مكثفة من أجل إعادة العديد من الخدمات للمواطنين كالمياه والكهرباء والنظافة والتحسين.

فوق التحديات

ليست لكونها امرأة وحسب، لكنها كوسيطة تسعى لصناعة السلام، تواجه العبيدي تحدياتٍ عدة، وتعمل جاهدة للتغلب عليها، كتوفر الدعم اللوجستي، ووجود تفهمٍ دائمٍ من أطراف الصراع لطبيعة ونوع العمل الذي تقوم به، وكل مرة تتجاوز ذلك بنجاح.

يصف الدكتور عبدالله شداد (44 سنة)، وسيطٌ محلي، جهود العبيدي بأنها ملموسة، ويضيف: “يحسب لها سعيها الدائم ليكون عمل فريق الوسطاء موحداً، بدلاً من العمل بشكل انفرادي من قبل كل وسيط”.

الناشطة الشبابية شروق الرفاعي (25 سنة)، تعبر عن إعجابها بجهود العبيدي التي تصفها بالمبهرة، إضافة إلى إن “أسلوبها الممتاز في الحوار مع الطرفين، وإقناعهما، أثبت جدارتها ونجاحها كوسيطة، وكمثال للمرأة اليمنية المثابرة”.

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (2)