نون النسوية
article comment count is: 1

نون النسوية!

يفرط الكثير في استخدام مصطلح “النسوية” سواءً كان منتقداً أو موالياً، حتى أصبح فضفاضاً، ليستخدم كتهمةٍ تُلقى على كل امرأة تُطالب بحقوقها؛ فتصبح بذلك رهينةً في معتقل “النسوية” بما يحمله هذا المصطلح من اختلافاتٍ، وجدلٍ في مجتمع لم ينظر لهذه الأيادي الملوّحة بالمطالبات بعينٍ مُنصفة، بل ظل يراها كغزو ومؤامرة كبرى تُحاك ضد المجتمع في حين كان من المفترض أن يُنظر لها من جانب إنساني، لعلهم يدركون أحقيتها. ولأنّ المؤرخين النسويين الغربيين نظروا إلى كل حركة تهدف للمناداة بحقوق المرأة كحركةٍ نسوية “Feminism” حتى وإن لم يُستخدم هذا المصطلح من قبل الحركة نفسها؛ مرّت الحركة النسوية بمراحل وموجات عدة اختلفت في المطالب، والقضايا، وردود الفعل في العالمين الغربي والعربي؛ لتتخذ بدورها مسارات عانت فيها من انقسامات تحت مكوّن النسوية نفسه.  ففي العالم العربي رأوا بأنها حركة دخيلة على مجتمعات متدينة ترى أن إنصاف المرأة يكمن في حقوقها الفطرية الموجودة في الدين.

إن استجابات الناس للحركات النسوية، ودعم قضاياها كان من الرجال والنساء؛ فأُطلقت تهمة النسوية أيضاً على الرجال الذين دعموا قضايا المرأة، وناهضوا قضية تعنيفها، ومنعها من التعليم، والانخراط في العمل؛ ليُصبحوا بذلك نسويين أيضاً. ورأوا أن إطلاق كلمة “نسويّ” على الرجل مجرد ردّة فعل قائمة على كل من وقف مع قضايا النساء ودعا بحقوق المرأة؛ كونه أمرٌ جديد في مجتمع رأى الحركة النسوية كثورة فكريّة نسائية بحتة. والمفارقة في الأمر أن هذه التهمة طالت كل من نادى بحقوق الرجل الذي تضرر هو أيضاً من موضوع الأدوار الجندرية، والتمييز؛ باعتباره “نسويّاً” حتى وإن طالب بحقوقه كرجل.

من البديهي أن يكون مفهوم “الفكر النسوي” مختلف في العالم الغربي عن العالم العربي؛ كونه غربيُّ النشأة وله أهدافه وقضاياه الخاصة بالمجتمعات الغربية. فأيديولوجية النسوية الغربية بدأت بموجات نادت فيها للحصول على الحقوق السياسية والقانونية للمرأة كحق التصويت والترشّح للمناصب السياسية، وأيضاً حق الحصول على التعليم والمساواة في العمل، ومناهضة قضايا التحرش والعنف وغيرها. كما اتخذ الفكر النسوي الغربي مساراً جديداً، وخاض فيه موجة أخرى بدأ فيها بدعم عدة قضايا شائكة منها: قضية تحديد النسل، والمطالبة بحرية الإجهاض وإعادة تشريع قانون حرية الإجهاض المسمى “رو ضد ويد” الذي يكفل للمرأة الإجهاض الطوعي وحرية التصرف بجسدها، والمناداة بخلع الحجاب، والتغيير في معايير اللبس الأنثوي. وتفاقم الفكر النسوي الغربي، واستفحل في القضايا؛ لتنشأ بذلك حركات عرقية نسوية: كالنسوية الماركسية، صراع الطبقات، والنسوية الانفصالية، والنسوية المثلية، والنسوية السوداء، ونسوية البيض.

أبرزت العولمة زخم الجدل حول النسوية في العالم العربي الذي استنهَج النسوية بنسق غربيّ، وبامتداد للمطالب والقضايا المطروحة في بدايات موجاتها، وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض. حيث رأى العديد من الناشطين أن الحركة النسوية منذ نشأتها في العالم العربي مازالت في بداياتها حتى الآن. وبالرغم من ذلك ظهرت أيضاً اتجاهات وانقسامات متعددة في الحركة النسوية العربية حتى وإن كان الاتفاق السائد هو انتزاع حقوق المرأة، والحصول على المساواة بين الجنسين، ومن هذه الاتجاهات: “النسوية الإسلامية” ذات الطابع الإسلامي القائم على العدل والإنصاف، والتي نادت بحقوق المرأة ضمن إطار إسلامي. وظهرت “النسوية الإسلامية” في مصر كردِّ فعلٍ على “النسوية العلمانية” التي تُرى أنها أخرجت الحياة من رحم الدين بشكلٍ كامل؛ باعتباره أمراً شخصياً. وتأتي على رأس القضايا التي تم تداولها من قبل الحركة النسوية بشكلٍ عام في العالم العربي قضايا اللا مساواة بين الجنسين، والتمييز العنصري، والنمطية في مفهوم دور المرأة، وقضايا العمل، وقضايا الدين كالحرمان من الميراث، وسقوط الولاية، واستبدادية النظام الأبوي، والختان، والحجاب، وتعدُّد الزوجات.

أن تُجمل القول وتُنادي بحقوق المرأة لا يلزم خلق أي صراعٍ مجتمعيّ، فهو ليس إلا فكراً لتأكيد الاختلاف الجوهري بين الجنسين بالتركيز على اختلاف المرأة، وإبراز خصائصها، ومميزاتها؛ لتمكينها مجتمعياً. وإنّ تواجد “المفهوم الغربي للنسوية” و “مصطلح النسوية” بشكلٍ عام في العالم العربي والإسلامي عكس التصوير السلبي لهذا المفهوم؛ حيث أنه تلطّخ بوحل قضايا معاصرة تناقض الدين، وشجّع على الكراهية، وأجحف في حق المجتمعات الداعمة لحقوق المرأة، وخلق صراعاً مجتمعياً مع الرجال كنظام ذكوري يناقض فكرة الشراكة الفطرية بين الجنسين لتعمير الأرض. فلماذا لا نكون إنسانيين، ونجعل من فكرة المطالبات النسوية استغاثات إنسانية؛ لإنصاف كفاح ونضال المرأة العربية لتمكينها، وللحصول على مكانة عادلة مجتمعياً تكفل لها الحصول على حقوقها دون المساس بالفطرة والدين.

  • هذه المادة تم إنتاجها ضمن مشروع “كلمتين على بعض” الذي ينفذه نادي تكوين الثقافي، بتمويل من الصندوق العربي الثقافي والفنون (آفاق).

 

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (1)