ثمة عادات متوارثة لا تندثر، تبقى عصية أمام التكنولوجيا والتطور الحديث، منها “فن النقش“، الذي يمثل طقساً عربياً ويمنياً قديماً، تتزين به النساء والفتيات في المناسبات والأعياد الدينية فضلاً عن تفضيل وضعه في الأيام السعيدة كرمز للفرح والسرور.
ولأن النقش فن، بقى عصياً على الاندثار، كنوع من ثقافة المرأة العربية قديماً في التزيين، مازالت مختلف محافظات اليمن تحتفظ بثقافة تزيين النساء بالنقش خصوصاً العروس، بيد أن إتقانه لا يشمل الجميع، حيث تتميز به نساء معينات ممن يمتلكن موهبة الرسم والنحت، ومن بينهن برزت موهبة غادة الشرجبي، موهوبة تأتي إليها النساء والفتيات باستمرار للحصول على نقشة في أجزاء معينة من الجسم.
والنقش يكون عادة بالحناء الأحمر أو الأسود حسب الطلب، والحناء هو نبات عطري، ذو رائحة مميزة، يتم طحنه من ثم عجنه للاستخدام، اقتصر قديماً على تلوين الأصابع وبطن الكف.
بخلاف الوقت الحالي، فقد أتاحت تقنية الإنترنت على فن النقش مجالاً واسعاً، وأصبح الحصول على نقشات ورسومات حديثة ممكناً، مما جعل المجال يتسع ومتنوع وفق حديث الشرجبي.
موهبة منذ الصغر
ولأن الموهبة تبدأ منذ الصغر ظهرت موهبة غادة منذ الصف السابع، عندما لاحظت أسرتها إجادتها لموهبة الرسم، والنقش على الورق، عندئذ شجعتها على مواصلة النقش والرسم، وبالتدريج أصبحت منقشة محترفة وبرزت كأفضل المنقشات في حيها برغم سنها الصغير، تقول غادة التي تنحدر من محافظة تعز (جنوب غربي البلاد) وتقيم فيها، في حديثها لمنصتي 30: “بعد تخرجي من الثانوية العامة في 2016، بدأت امتهان النقش كمصدر دخل ومشروع خاص، مكنني من الاعتماد على نفسي وكسب الرزق دون الحاجة لأحد، لاسيما وفي تلك الفترة كانت الحرب في أوجها وانقطاع للخدمات ووضع اقتصادي صعب لأسرتي لكن النقش مكنني من دعمهم والوقوف معهم، وأصبح وضعنا لا بأس به مقارنة ببقية الأسر”.
وتشتهر النساء بالتزيين بالحناء (الأحمر والأسود)، في العالم العربي كنوع من الموروثات الشعبية القديمة، منذ آلاف السنين، لكنه حالياً اختلف في نقشاته ورسوماته ليولكب الطقوس العصرية، إذ كان قديماً -وفق مصادر متعددة- عبارة عن “نقاط” بشكل دائري توضع حول الأصابع وبشكل متجاور على ظاهر الكف.
تأخذ بالعادة أشكالاً نباتية تصل إلى منتصف الساعد فقط، بالإضافة إلى رسم نقاط على أصابع القدم وحول حافتها، ورسم زهرة على الجبين ونقاط حول الحاجبين وفي الخدين والرقبة وذلك للمتزوجات فقط.
مواجهة الفقر
مكنت حرفة “النقش“، غادة من الصمود في وجه الفقر، ومساعدة أسرتها في تكاليف المعيشة، ولولا أن النقش هواية ممتعة لها، حيث تجد السعادة وهي ترسم البهجة على وجوة النساء والفتيات من مختلف الأعمار وفي مختلف المناسبات، ما كانت استطاعت امتلاك مساحة واسعة من الزبائن بمختلف المستويات أيضاً.
وتشير غادة لمنصتي 30، أن وجود مصدر دخل لها مكنها من امتلاك مكانة جيدة في أسرتها والمحيطين بها، وجعلها تثق بنفسها وقدارتها أكثر، وتضيف: “في تلك الفترة أستطيع القول إننى كنت في عين أسرتي كبيرة، ولولا دعم أسرتي خصوصاً الذكور منهم، ما استطعت مواجهة صعوبات مشروعي الخاص ونهضت على رجلي ليبقى أسمي ضمن أفضل منقشات المدينة”.
تشير غادة أن شغفها وحبها لما تقوم به، تلمسه في ابتسامة النساء عقب أن تكمل عملها، بالعادة تعرض عليهن ألبوماً من صور نقشاتها السابقة أو يقمن بإعطائها صورة من النت لتطبيقها عليهن، أما عن المردود المالي فتشير إلى أن ذلك يعتمد على شكل النقش ومساحته والمناسبة.
وتضيف: “مهنة النقش أيضاً متعبة وتستغرق وقتاً طويلاً، ناهيك أنها تتطلب الكثير من التركيز واستعمال الخيال الواسع، بعد أن ألمس نظرة الإعجاب والرضا في وجوه النساء أشعر أن تعبي قد زال حينها”، لافته إلى أن ازدياد الطلب عليها يرتفع خلال مناسبات الأعياد والزواج.
توجه الشرجبي نصيحة للنساء قائله: “كل إنسان لديه موهبة زرعها الله فيه، يجب على الإنسان أن يطور نفسه ويتعلم ويكرس وقته للوصول إلى أعلى مستوى في شغفه، الاعتماد على النفس، بمشروع خاص في ظل الوضع الراهن، شيء كبير جداً، إذ أن المشاريع الخاصة والصغيرة لا غنى عنها في ظل المتغيرات الاقتصادية التي نراها، لما لها من دور حيوي في إحداث تنمية اجتماعية واقتصادية”.
ختاماً تقول المنقشة غادة لمنصتي 30 إن العمل ليس فقط من أجل الحصول على مقابل مادي، بل العمل من أجل أن يبقى المرء شيئاً ثميناً أمام نفسه.
رائع جدا